في عام 2002 قدم الباحث بدر حمد المحيلبي رسالة نيل درجة الدكتوراة من كلية التربية بجامعة برمنهجام في إنجلترا بعنوان (ملامح الفكر التربوي لدى الامام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين خلال الفترة ما بين 1928م وحتى أواخر الثمانينات من القرن العشرين).
استغرقت الرسالة ست سنوات من البحث والقراءة ومقابلة القيادات الإخوانية، والزيارات الميدانية والعلمية لكثير من دول العالم.
وبُينت الدراسة على معلومات وصور ووثائق ومجلات وجرائد نادرة.
وسأحاول تلخيص الدراسة بأسلوب سهل وواضح في ثلاث حلقات حتى تعم الفائدة بعون الله تعالى.
تناولت الدراسة أربع قضايا رئيسية هي:
1- إسهام الإخوان المسلمين في السياسة التعليمية.
2- إسهام الإخوان المسلمين في محو الأمية.
3- إقامة المؤسسات التعليمية.
4- تطوير المناهج.
فكر الجماعة التربوي
اهتمت الجماعة بالتعليم اهتماما جليا بعكس الأحزاب القومية والسياسية التي تركز انتباهها نحو الانتخابات البرلمانية والإعلام السياسي
اهتمت الجماعة بالتعليم اهتماما جليا بعكس الأحزاب القومية والسياسية التي تركز انتباهها نحو الانتخابات البرلمانية والإعلام السياسي، فيما نرى الجماعة برغم الظروف السياسية المضطربة التي رافقت نشأة الجماعة في مصر إلا أن ذلك لم يمنعها من الاهتمام بالتعليم في ذلك الوقت، فقامت الجماعة بحشد أعضائها لإطلاق حملات تهدف إلى رفع مستوى الوعي ومحو الأمية التي وصلت في مصر عام 1937م إلى 85%!
وفي وقت ساد فيه الجوع والفقر جمعت الجماعة الأموال لبناء المدارس والمعاهد لتعليم السكان وتحسين مستواهم المعيشي.
لقد كان مؤسس الجماعة مدرسا، وبدأ دعوته في المدارس مما ساهم في انتشار الجماعة بين الطلاب في المدارس والجامعات ونقابات المعلمين، كل ذلك أعطى الجماعة طابعاً تربويا اجتماعيا في وقت كانت تعرف فيه الجماعة على المستوى السياسي فقط.
لقد ظهر الصراع بين بعدي الجماعة السياسي والتعليمي مرات كثيرة، فالجماعة تقول إنها جماعة شاملة تهتم بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والتعليم، غير أن بعض الإخوان كانوا يرون أن السياسة هي الوسيلة الأقوى لضمان وجودهم على المسرح السياسي مع الأحزاب الأخرى، حتى الكتب التي ألفتها الجماعة ركزت على البعد السياسي أكثر من البعد التربوي.
أسلمة المناهج عند الإخوان المسلمين
ارتكز الفكر التربوي لجماعة الإخوان المسلمين على المنهجية التعليمية القائمة على محاولة تأليف منهج يمكن تدريسه في المدارس العامة في العالم الإسلامي ليحل محل المناهج الدراسية الحديثة
ارتكز الفكر التربوي لجماعة الإخوان المسلمين على المنهجية التعليمية القائمة على محاولة تأليف منهج يمكن تدريسه في المدارس العامة في العالم الإسلامي ليحل محل المناهج الدراسية الحديثة.
لقد اعتقدت الجماعة أن المناهج الحديثة في المدارس الإسلامية ناقصة ولا تستحق أن تكون مناهج تعليمية تهدف إلى غرس الثقافة والتراث الإسلاميين في الأجيال، ولهذا السبب ركزت الجماعة على المناهج، وكلفت مجموعة من الأساتذة الأكفاء بإعدادها، ونقدت كل المناهج التي تدرس في مصر في ذلك الوقت.
وانطلاقا مما سبق شكلت الجماعة فريقا لتأليف مناهج جديدة تستطيع تشكيل الجيل القادم من وجهة نظر الجماعة.
نتيجة لذلك سعت الجماعة سعياً حثيثاً لأسلمة المناهج؛ لتصبح قادرة على بناء الشخصية المسلمة من وجهة نظر الجماعة، غير أن تفسير الجماعة لمفهوم أسلمة المناهج كان منفتحاً، حيث وافقت الجماعة على تدريس اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية، وعلى تدريس الفلسفة بالرغم من وجود تيارات فلسفية تعارض الفكر الإسلامي مثل الفلسفة الوجودية، لكن الجماعة وافقت على ذلك بشرط تعديل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
إن هدف الجماعة التعليمي يتطابق مع الهدف العام للتعليم الإسلامي وهو (تربية الإنسان الصالح العابد لله في المجتمع).
وقفت الجماعة موقفاً عدائياً ضد التغريب، ورفضت الثقافة الغربية المخالفة للإسلام، لذلك طالبت الجماعة بإغلاق صالات الرقص والملاهي الليلية، والرقابة على الأفلام والروايات الفاسقة.
ومن جهة أخرى قاومت الجماعة تيارات الإلحاد والجمعيات التي تحارب الحجاب، وتنشر الفساد بحجة تحرير المرأة، كما حذرت الجماعة من زيادة التأكيد على التاريخ الفرعوني على حساب التاريخ الإسلامي. وحذرت أيضا من دراسة تاريخ الحضارات القديمة دون الإشارة إلى الاختلافات بينها وبين الإسلام مثل وثنيتها واستخدامها للشعوذة والدجل وغير ذلك، كما اقترحت تعديل عدد ساعات كل مادة وإضافة ساعات أكبر للمواد التي تتعلق بالدين والتاريخ الإسلامي.
كان الإخوان يمثلون التيار المعتدل المتوازن الذي يدعو إلى مزج التعليم الرسمي مع الديني
لقد خاض الإخوان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين معركة قوية حول المناهج التعليمية، حيث كان الإخوان يمثلون التيار المعتدل المتوازن الذي يدعو إلى مزج التعليم الرسمي مع الديني، في حين كان التيار العلماني المدعوم من الحكومة يدعو إلى إقصاء الدين تماما. أما التيار الديني المتعصب فكان يطالب بالتعليم الديني فقط وحذف الفلسفة وعلم النفس واللغة الإنجليزية وأية مواد لا علاقة لها بالاسلام.
نستنج مما سبق إن الإخوان يعتبرون الإسلام هو دين التوازن والمرونة والعلم الديني والدنيوي، فهم يشجعون الاستخدام المثمر للعلوم الطبيعية واللغات والرياضيات.
ومن الجدير بالذكر أن اهتمام الإخوان المسلمين بالمناهج بدأ مبكراً مع بداية الجماعة نفسها، فقد قدمت الجماعة بعض المقترحات لوزارة التعليم عام 1932م، أي بعد أربع سنوات فقط من إنشائها.