لِمَ الكثير من الأشخاص الأذكياء ليسوا سعداء؟

الرئيسية » بصائر تربوية » لِمَ الكثير من الأشخاص الأذكياء ليسوا سعداء؟
sad21

إنها مفارقة! ألا يفترض أن يكون الأشخاص الأكثر براعة هم الأكثر جاهزية لاتخاذ القرارات التي تمنحهم الرضا التام عن الحياة؟

أشار الأكاديميون إلى أن هناك ثلاثة أشياء تعتبر من مقومات سعادة الفرد وهي: حصوله على علاقات اجتماعية ذات معنى، أن يكون بارعا في أي شيء يقوم به، وأن يمتلك حرية اتخاذ القرارات في حياته بكل استقلالية.

ولكن الأبحاث عن السعادة كشفت عن نتائج أقل وضوحا: أن نيل المرء تعليماً أفضل، أو ثراءه، أو تحقيق النجاح لا يمكنها أن تجعلنا نتنبأ فيما إذا كان سيكون سعيدا أم لا، في الواقع من المحتمل أن تعني أن الشخص يمكن أن يكون أقل رضا عن الحياة.

تلك الأبحاث الأخيرة هي ما حاول البروفيسور "راج راجوناتان" أستاذ التسويق في جامعة تكساس أن يلقي عليها الضوء أكثر من خلال كتابه (إذا كنت شديد الذكاء لماذا لست سعيدا؟) كتاب راجوناتان يندرج تحت فئة تنمية الذات..

إن الناس لديهم فهماً يمكن أن يجعلهم سعداء، لكنهم يتعاملون مع تلك الأشياء بطرق لا تحقق السعادة ، فمثلاً إذا كنت ستأخذ الحاجة إلى البراعة (الحاجة إلى الإتقان) كمثال؛ هناك طريقتين واضحتين يمكن أن ينتهجها الإنسان ليكون جيدا في أمر ما، طريق أول وهو يسمى الانخراط في المقارنات الاجتماعية وهذا ما يعني أن يرغب الإنسان في أن يكون الأفضل في فعل شيء ما: "أريد أن أكون أفضل أستاذ هنا".. وهكذا.

هناك الكثير من المشاكل المتعلقة بهذا الأمر ولكن المشكلة الكبيرة هي أنه من الصعب تقييم ذلك؛ ما هي مقاييس الحكم على الشخص على بُعدٍ معيّنٍ ما؟ ما هي مقاييس أن تكون أفضل أستاذ؟ هل يتعلق الأمر بالبحث؟ التدريس؟ حتى وإن اخترت التدريس فقط، هل يتعلق ذلك بتقييم الطلاب لك، أم المحتوى الذي تقدمه في الصف؟ أو عدد الطلاب الذين يجتازون الامتحان أو إجراء اختبار ويحصلون على نتائج جيّدة؟ إذن يصبح من الصعوبة الحكم على الأمر، لأن هذه المقاييس تصبح أكثر غموضا كما ويصبح الحقل أضيق ومتخصصا أكثر.

الناس يميلون إلى الانجذاب إلى المقاييس الأقل غموضا حتى وإن كانت غير ذات صلة بالموضوع

وهذا ما يحدث بشكل عام؛ أن الناس يميلون إلى الانجذاب إلى المقاييس الأقل غموضا حتى وإن كانت غير ذات صلة بالموضوع، الناس يحكمون على أفضل الأساتذة من خلال الجوائز التي يحصلون عليها، أو الراتب الذي يحصلون عليه، أو نوع المدرسة التي يعملون بها، والتي تبدو في مواجهتها مقاييس جيدة للحكم على مدى أفضلية الشخص، ولكن في الوقت ذاته تكون غير ذات صلة بحقل معيّن.

وهذه المقاييس هي ما نتكيف معه بسرعة حقا، إذا كنت ستحصل على زيادة ضخمة في راتبك خلال هذا الشهر، قد تكون سعيدا لمدة شهر، شهرين، أو ربما ستة أشهر، ولكن بعد ذلك ستعتاد على ذلك ثم ستحاول الحصول على زيادة أكبر وأكبر من أجل الحفاظ على مستويات سعادتك، في الغالب يمكنك أن ترى أنّ ذلك ليس مصدرا مستداما للسعادة.

لابد أن يكون الإنسان أكثر إدراكا لِما يبرع فيه، وما يستمتع به، وأن لا يحتاج إلى أن يقارن نفسه بالآخرين، فهو سينجذب غريزيا إلى الأشياء التي يستمتع بالقيام بها

وما يوصي به (راجوناتان) هو طريقة بديلة، وهي أن تكون أكثر إدراكا لِما تبرع فيه، وما تستمتع به، عندما لا تحتاج إلى أن تقارن نفسك بالآخرين، تنجذب غريزيا إلى الأشياء التي تستمتع بالقيام بها. والتي تجيدها، ولو ركّزت على ذلك لوقت كافٍ، فإن الحظوظ سترتفع نحو تفوّقك في أي شيء، أما القوة والشهرة والمال وكل شيء سيأتي كشيءٍ ثانوي فيما بعد، بدل أن تركز على شيء تطارده بشكل مباشر في محاولة أن تصبح متفوقا فيه على الآخرين.

بالعودة إلى الأشياء الثلاثة التي يحتاجها الناس للشعور بالسعادة (التفوق، الانتماء، الاستقلالية)، يضيف (راجوناتان) شيئا آخر بعد استيفاء الضروريات الأساسية، إنها الفلسفة التي تضيفونها للحياة، وتلك الفلسفة يمكن تصنيفها لتبسيط الأمر إلى واحد من نمطين: منهج الندرة في التفكير وهي الخوف من أن يختطف شخص ما انتصارك، مما يجعلك متورطا في المقارنات الاجتماعية ، ومنهج الوفرة في التفكير وهي أن تؤمن أن المجال مفتوح أمام الجميع لكي ينجح وينمو .

والتفكير بعقلية الندرة ليس هو عملية سطحية أو عديمة الفائدة، فمثلاً إذا كنت وسط منطقة تشتعل بالحرب، أو إذا كنت في مكان يعاني من الفقر، أو إذا كنت تقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة، أو حتى كنت تمارس رياضة تنافسية مثل الملاكمة فإن التفكير بعقلية الندرة هنا يلعب دوراً هاماً للغاية.

معظمنا انحدر من عائلات نجت من أحداث وقعت منذ زمن بعيد، في تطورنا كجنس في كون نادر حيث الطعام كان نادرا، والموارد شحيحة، وحتى كان من النادر العثور على أرض خصبة وهلم جر، لذلك كان لدينا ميل كبير لأن نفكر بعقلية الندرة، ولكن أعتقد أن ما حدث مع مرور الوقت هو أنه لن يكون من الضروري أن نتقاتل يوميا من أجل البقاء على قيد الحياة.

علينا أن نعترف بأن بعض بقايا النزاعات بيننا قد تعوقنا، لذا لا ينبغي أن نقلق بشأن النتائج بل ينبغي التمتع بإنجاز الأشياء وتحقيقها

أعتقد أنه ينبغي علينا ككائنات ذكية أن نعترف بأن بعض بقايا النزاعات بيننا قد تعوقنا، إذا كنت أعمل مثلا في وكالة إعلانات، أو في تصميم البرمجيات أو غيرها من المجالات فإن من الأفضل ألا نبدأ بالتفكير بمنهج الندرة إذ لا ينبغي أن نقلق بشأن النتائج بل ينبغي التمتع بإنجاز الأشياء وتحقيقها.

بالإضافة لذلك، فنحن نميل بشدة إلى التركيز على الأمور السلبية، وفي الوقت ذاته نحن نميل بشدة إلى العثور على السعادة والازدهار، ولنكون أفضل ما يمكن أن نكونه، في نهاية المطاف ما نحتاجه لنكون أكثر سعادة هو في الواقع أمر بسيط جدا، وهو القيام بشيء تعتقد أنه ذو معنى، الذي تنهمك في فعله كشيء أساسي يوميا .

إذا راقبت الأطفال ستلاحظ أنهم جيدون في فعل ذلك، إنهم لا يشتتون أنفسهم بتلك الأشياء الخارجية إنهم ينشغلون بالأشياء التي يعتقدون أنها تجلب لهم المتعة، في كتابي ذكرت عندما اشتريت لطفلي سيارة وكان في سن الثالثة عندما شاهد ابن الجيران يمتلك واحدة، في البداية كان متعلقا باللعب بالسيارة ثم بعدها أصرّ على اللعب بالصندوق الذي كانت السيارة داخله _ إنه مجرد صندوق_ لم يكن لديه أدنى فكرة عن كون السيارة تكلّف أكثر وأعلى قيمة من الصندوق، لقد تعلق بالصندوق لأنه شاهد شخصية تلفزيونية كرتونية تقيم داخل صندوق فأراد أن يقلد تلك الشخصية.

ما نحاول فعله في تلك الدراسة هو اجتذاب ذلك التركيز مجددا إلى اهتمام الناس، مثلا بدل مشاهدة التلفزيون يمكن للأب أن يلعب كرة السلة مع ابنه، ما يفعله الناس أمر مختلف، ما اكتشفناه من خلال دراسات أجريت على 500 موظف وطالب جامعي هو أن الأشخاص يتخذون قرارات صغيرة أو يمكن أن تسميها تافهة ولكنها يمكن أن تقودهم إلى حياة أكثر سعادة على العموم، هذا تذكير بسيط يمكن أن يضع الأمور في نصابها للناس.

أيضاً هناك توقعات أنك إذا حققت أمرا معينا ستكون سعيداً، ويتبين فيما بعد أن ذلك ليس صحيحا ويرجع السبب في ذلك بشكل كبير إلى التكيف ولكن جزء من ذلك أيضا يعود إلى أنك ترى جبلا أمامك فتتجاوزه ولكنك تكتشف أن هناك العديد من الجبال أمامك ينبغي أن تتجاوزها.

علينا أن نقوم بـ (التروي في ملاحقة الحلم)، ويتلخّص مفهوم بذلك بشكل أساسي بعدم ربط سعادتك بالنتائج، والسبب في عدم ربط السعادة بالنتائج هو أن النتائج في حد ذاتها ليس لديها تأثير لا إيجابي ولا سلبي على سعادتك

الشيء الوحيد الذي ساعدني حقا في هذا الصدد هو ما أسميه في الكتاب بـ (التروي في ملاحقة الحلم)، ويتلخّص مفهوم بذلك بشكل أساسي بعدم ربط سعادتك بالنتائج، والسبب في عدم ربط السعادة بالنتائج هو أن النتائج في حد ذاتها ليس لديها تأثير لا إيجابي ولا سلبي على سعادتك، نعم هناك بعض النتائج، ولكن قد يحدث أن تصاب بمرض أو تفقد شخصا عزيزا وتعتقد أنك لن تتعافى وأنها نهاية العالم ولكن يتّضح فيما بعد أنك شفيت وأنك تجاوزت المحنة ثم تكتشف أن تلك الأحداث التي كنت تعتقد أنها سيئة في الغالب كانت لها دور محوري في جعلك تتعلم وتتطور أكثر.

الجميع لديه نوع من الاعتقاد حول ما إذا كانت أمور جيدة ستحدث أو أمور سيئة ستحدث، ولكن ليست هناك أي طريقة علمية لإثبات أي من تلك المعتقدات هي الأكثر دقة، ولكن إذا كان لديك اعتقاد أن الحياة جيدة فستحصل على عديد من الأدلة تثبت ذلك، وإذا كنت تعتقد أن الحياة سيئة فستحصل أيضا على كثير من الأدلة تثبت ذلك، إنه يشبه نوعا ما تأثير الدواء الوهمي على المريض، وبالنظر إلى أن كل تلك المعتقدات صالحة، لماذا لا تتبنى المعتقد الذي يأتي بالفائدة على حياتك طالما حييت!

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • مترجم بتصرف https://www.theatlantic.com/business/archive/2016/04/why-so-many-smart-people-arent-happy/479832/
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة من الجزائر، مهتمة بشؤون التربية، والأدب والفكر، متخصّصة في التسويق بالمحتوى.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …