عادت "نور علي" من عملها الساعة الثالثة مساءً وهي منهكة من التعب، كيف لا وهي أم لخمسة أطفال، وتعمل داخل البيت وخارجه، وما إن وصلت بيتها وبدأت بتغيير ملابسها حتى طرق باب بيتها، وإذ بضيوفٍ على الباب.
تقول نور: "شعرت بصدمة كبيرة وكنت في موقفٍ لا أُحسد عليه، خاصةً أنني تركت بيتي دون ترتيب قبل خروجي للعمل، لأن طفلي ذا العامين كان مريضاً، ولم أَنَمْ سوى ساعتين، وقُلت في نفسي سأرتبه بعد عودتي من العمل".
وتضيف "المشكلة أن الضيوف جاؤوا فجأة دون موعدٍ مسبق، وفي وقت الغداء، وكمية الطعام التي أعددتها صباحاً لا تكفي سوى لأولادي، كما أنها طبخة "على قد الحال ولا تُقدم لضيف".
وتابعت "أكثر ما يستفزني هم هؤلاء الأقارب الذين يسكنون في نفس البناية ويزورونني، بما يناسبهم وليس بما يناسبني"، مشيرةً إلى أن زيارة بعض المقربين لها دون موعد يدفعها إلى أن تضعهم في القائمة السوداء وتقلّل الثقة بهم.
زيارة غير مقبولة
الدكتور زياد مقداد الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله في الجامعة الاسلامية بغزة قال لـ"بصائر": "إن الكثير من الناس يستاؤون ولا يحبون الزيارات المفاجئة -أي دون موعد مسبق- لأنهم يريدون من الزائر إعلامهم واستئذانهم قبل فترة من مجيئهم حتى يُهيئوا أنفسهم ويستعدوا لاستقبالهم".
وأضاف أن الذي يجعل الزيارات المفاجئة غير مقبولة عند الكثيرين، "انشغال الناس في هذا الزمان على وجه الخصوص وكثرة الأعباء الاجتماعية والمادية والعمل خارج البيت وداخله سواء عند الرجال أو النساء، مما يجعل الزيارة تسبب لهم عائقاً عن العمل خاصةً إن كان العمل داخل البيت، أو لأن الأولاد يدرسون مثلاً"، بحسب مقداد.
وأردف قائلاً: "أو لربما لأن أهل البيت مرتبطون بموعد أو زيارة أخرى، وتلك الزيارة المفاجئة أفسدت عليهم تخطيطهم ويومهم"، مضيفاً أن هناك مواقيت يريد فيها أهل البيت أن يستريحوا سواء وقت الظهيرة، أو بعد صلاة العشاء، ولا يحبوا أن تأتيهم زيارة تسبب لهم إزعاجاً أو تغير جدول أعمالهم.
وتابع "كما أن أهل البيت ربما يكونون في أحوالٍ لا يحبون أن يطلع عليها أحد، سواء حالة كسل، أو عدم ترتيب المنزل لمدة معينة، وبذلك تكون الزيارة المفاجئة تُسيئ لهم، وتعكس انطباعاً سلبياً يكرهه أهل البيت".
وأكد مقداد أن الأصل قبل الزيارة إعلام أهل البيت ولو بوقت قصير، وإن كانت الزيارة مفاجئة فعلى الزائر تحمل رفض الزيارة أو تأجيلها دون التحسس من ذلك ، على حد تعبيره.
آداب الزيارة
مقداد: ليس من الأدب أن تفاجئ إنساناً بزيارتك، وتسبب له حرجاً قد يوصله لكرهك، وضع نفسك مكانه، حتى لو كنت من المقربين
وحول آداب الزيارة في الإسلام، نوه مقداد إلى أنه يجب أولاً- الاستئذان والذي يحمل في معناه الإعلام قبل وقت من الزيارة، مبيناً أن الزيارة المفاجئة أشبه بالذي يدخل بيت الآخرين دون استئذان.
وأكد أنه يجب أن تكون الزيارة في غير الأوقات الثلاثة التي وردت في آية الاستئذان، وهي قبل صلاة الفجر، ووقت القيلولة، ومن بعد صلاة العشاء.
ولفت مقداد إلى أنه يجب أن لا تطول فترة الزيارة وتكون محدودة بشكل لا يشكل ازعاجاً أو مضايقة لأصحاب البيت ، خاصة إن كانت الزيارة وقت الامتحانات أو خلال مناسبات معينة، ويجب أن لا تكون الزيارات خلال فترات متقاربة حتى لا تتولـد الجفـوة والسآمة بكثرة الخلطة وتسبب ضجراً أو تكلفة مادية زائدة عن قدرة صاحب البيت وقد قيل: "زُرْ غِباً تزددْ حباً".
وتابع "يجب أن لا يكون القصد من الزيارة الثرثرة أو النميمة أو الغيبة، بل تُستثمر فيما فيه منفعة وخير وعمل جيد وكلام نافع"، مضيفاً أنه من السُنة أن يجلس الزائر في المكان الذي يختاره له صاحب البيت، ولا يتمسك بمكان معين قد يطلع منه على بعض ما لا يحب صاحب البيت أن يطلع عليه أحد، ويغض بصره، على حد قوله.
واستكمل حديثه: "ينبغي على الوالدين أن لا يتركوا أولادهم يعبثون في مقتنيات البيت المزور، وهذا أمر مهم ويحدث كثيراً في بيوتنا، كما يجب إصلاح ما قد يتلفه الأطفال من متاع أو أثاث إذا كان بالإمكان إصلاحه وقتئذٍ، وتنظيف أو إزالة ما قد يُحدثه الأطفال مـن فـوضى".
لماذا يفتقر البعض لآداب الزيارة؟
وفيما يخص سبب ابتعاد الكثير من الناس عن الالتزام بآداب الزيارة، أوضح مقداد أن قلة الوازع الديني تقف خلف كل تصرف خاطئ، "فمن لا يأبه بتعاليم الاسلام، ونصوص القرآن، وأحاديث نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- ويريد في زيارته أن يُقدم له الطعام، ويُسلي نفسه، بغض النظر عن إساءته للآخرين، فهو يفتقر للأدب وللوازع الديني ويعاني من الجهل، على حد وصفه.
وأكد مقداد على ضرورة أن يُخلص الإنسان نيته لله أثناء زيارة أقاربه، وأن يستحضر أن تلك الزيارة بقصد رضا الله لأنها من شعائر الاسلام، وأنه يبتغي الأجر، إضافة إلى تحقيق المودة والرحمة.
ارتباك وصراع نفسي
ومن جهته، قال الدكتور جميل الطهراوي أستاذ الصحة النفسية المشارك في الجامعة الاسلامية بغزة: "إن رفض الكثيرين للزيارات المفاجئة وعدم قبولهم بها هو أمر طبيعي ومعقول، فالإنسان له مخططاته وتصوراته الخاصة، والزيارة المفاجئة تخلط الأوراق وتسبب الارتباك ويحدث صراع نفسي لدى الفرد.
وأضاف أن "ثقافة الزيارة" بموعد باتت شبه معدومة عند فئة من الناس ، مستدركاً لكن الإنسان يحاول إيجاد أعذار للآخرين بقدر المستطاع.
وأكد الطهراوي على أنه لا عذر لمن يباغت الآخرين بزيارته المفاجئة والثقيلة كونه لا يخلو بيت من جهاز تليفون أو جوال أو انترنت، فعملية الاتصال باتت سهلة وغير مكلفة كما كانت في السابق، على حد وصفه.
ونوه إلى أن من يكرر الزيارة دون موعد مسبق وتصبح سمة عنده ينبغي عدم السكوت عنه، وإشعاره بسوء هذا التصرف لكن بطريقة مؤدبة وأسلوب طيب لا يُفسد الود.
كيف أُحسن التصرف مع الضيف المفاجئ؟
وشدد الطهراوي على أن هناك بعض الاعتبارات التي يجب أن توضع في الحسبان، "أهمها طبيعة العلاقة، فمثلا الوالدين لا يُعقل أن يقول لهما الابن ذلك، أو يحدد لهما أوقاتاً للمجيء خلالها".
وحول كيفية التعامل مع الضيوف الذين يفاجئونك بزياراتهم غير المتوقّعة، قال الطهراوي: "إذا كُنت مرتبطاً بموعد آخر، يمكنك الاستئذان منه بطريقة مؤدبة، أما إذا لم يكن لديك ارتباطات خارجيّة، فعليك أن تستقبل ضيفك وتقوم بواجبه على أكمل وجه"، موضحاً أنه بعد انتهاء الزيارة، يحق للشخص أن يوجّه للزائر ملاحظة بلباقة، كتحديد موعد مسبق في المرّة اللاحقة.