كتبت على مدى ثلاثة أسابيع عدة مقالات بدأت برسائل عاجلة للشباب مرورًا بالحركة الإسلامية والإصلاح المنشود وصولاً إلى «رابعة من البكائيات إلى تصحيح المسار».
واليوم نختم هذه السلسة بالحديث عن معوّقات التغيير داخل الحركة الإسلامية وبشكل خاص الشأن المصري.
فى البداية أود التأكيد على أن الدعوات لن تهدم بـ«بوستات» الشباب، وأن الصف محالٌ أن يتشرذم بتدوينات وأراء أبنائه ، لكن ربما يكون فيها تصحيح للمسار.
إن الحركة الإسلامية مرّت وتمرُ بحالات كثيرة من اللغط وعدم الاستقرار، وظنّي أن هذا ليس عاملاً صحيًا كما تحدثت مؤخرا بعض القيادات. لأن الأمور الصحية فى الدعوات لها معايير معروفة ومظاهر جلية أقلّها السعي نحو الالتئام وتضميد الجروح، لكن فى وضعنا فالمسافات تتباعد، والطعون تتزايد، والتخوين مازال قائمًا ومع الأسف هناك غياب للاحتواء أيضًا، مع استعمال سياسة الإقصاء والترهيب.
ولعل ما سبق هو نصيب الأسد فى تأخير، أو تعطيل، أو إعاقة التغيير، الذي صار حتميًا خصوصا مع قدوم هذا المجنون ترامب للبيت الأبيض وخطابه الواضح ومنهجه الذى يتصادم تماما مع الإسلام وكل دعاته وحركاته السنية الصحيحة وعلى رأسها الإخوان المسلمين.
ولم يضيع الرجل وقته وبدأ الكونجرس مناقشة وضع الجماعة على قوائم الإرهاب، ونحن يقينًا لا نحيا فى العالم بمفردنا ولا نخشى إلا ربنا لكن الأمور السياسية لها أبعاد أخرى يعرفها الأكاديميون والساسة ولكل قرار أبعاده.
خطورة تأخر الإصلاح
الفكرة الإسلامية باقية فى النفوس والقلوب والعقول لكنّها معطلة، وكلما هبّ البعض لإيقاظ هذا المارد قوبل بالتهجم عليه والتخوين
إن تأخير الإصلاح والتغيير داخل الإخوان يُعّجل بزوال هذه الجماعة والفكرة حتى تصبح ذكرى تاريخية نتذكرها نحن لعبقها وأيامها الجليلة.
وليس معنى الأمر زوال الجماعة برمتها بل بقاءها بلا روح، لتكون جسدًا معطلاً ضخمًا لكن لا خير فيه ولا خوف منه، والكل يتجرأ عليه.
إن الفكرة الإسلامية باقية فى النفوس والقلوب والعقول لكنّها معطلة بحيث لا تسمن ولا تغني من جوع وكلما هبّ البعض لإيقاظ هذا المارد قوبل بالتهجم عليه والتخوين.
أكبر معطّل للتغيير داخل الإخوان هو العقل المتجمد الذى يظن أنه هو المحافظ على الفكرة وأنّ ما دونه شرذمة قليلون يسعون لخطف الجماعة
لكن التطوير والتغيير سنة كونية وتاريخية طبيعية ومعروفة ولابد منها، ولذلك فإن أكبر معطّل للتغيير داخل الإخوان هو العقل المتجمد الذى يظن أنه هو المحافظ على الفكرة وأنّ ما دونه شرذمة قليلون يسعون لخطف الجماعة وتفكيكها، وأن رحيله أو استقالته أو تركه للعمل خيانة لله ولرسوله ولاختيارات إخوانه الشهداء، والأسرى، والمطاردين وهذا قمة السخف، والتمسك به شئ مرفوض خصوصاً أن وجوده أثبت فشله، ورفض أي تغيير يعجل بحالة الاضمحلال والتقزم، إضافة إلى اتساع الفجوة، وتباعد القلوب، والمشاهد على ذلك كثيرة والدلائل أكثر.
المعوّقات
هنا استعير كلمة للرئيس محمد مرسى «إن أكبر معوق للتنمية والنهضة هو الفساد»، وهذا ما أقصده هنا بأن أكبر معوّق للنهوض بالأوطان والدعوات هو الفساد.
فإذا كانت الرشوة والسرقات والفساد الإدارى والمحسوبية تُضّيع الأوطان فكذلك تضيع الدعوات وهذا الكلام بمنتهى التجرد والحرص وصدق النصح.من مظاهر الفساد داخل الدعوة، تقديم أهل الثقة على أهل التخصص والكفاءة
ويقينى أن الفساد الدعوي الذى يعطل التغيير يشمل عدة مظاهر منها:
1- تقديم أهل الثقة على أهل التخصص والكفاءة، وهذا واضح للعيان على مدار سنوات مضت.
2- غياب تفعيل مبدأ المحاسبة.
3- الإصرار على تبنّي لغة خطاب تبعث على الكراهية ورفض الاحتواء.
4- كثرة البيانات الإعلامية على منصات التواصل وبشكل يبعث على النفور.
5- صم الآذان عن كل مقترح أو أطروحة تدفع نحو التوحد.
6- تقديس لوائح مضى وقتها وصارت لا تتناسب مع الواقع.
7- الإفراط فى قدسية بعض الأشخاص.
8- عدم تبصير الصف بكل ما يدور.
نعم هذه أمور حياتية بشرية فلسنا ملائكة والخطأ وارد، لكنّ الإصرار عليه كارثة، وهنا سؤال يتكرر حتى متى نكتب ولا نقدم حلولاً؟! وهذا الأمر وجه لي عبر رسائل الخاص في المقالات الماضية، ولابد من توضيح أن الحلول التى قدمت كثيرة وعامود الخيمة فيها جميعا هو التغيير وتوحيد الكلمة والتجرد الصادق لله ولدعوته، تلك بإيجاز هي الحلول دون فتح مساحات كبيرة .
ولو حدث تغيير حقيقى مع راية واحدة، وكلمة موّحدة، وصدق تجرد للعمل سيختفى النزاع، والشقاق وسيتلاحم الصف مع قادته ويبدأ العمل المثمر.
وأخيرًا والله عشقي لدعوتى وفكرتى هما الدافع الأكبر لكتابة هذه السلسلة، وقديما قال الفاروق رضي الله عنه: «لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خيرفينا إذا لم نقبلها منكم».
فاللهم وحّد على الحق راية عبادك المخلصين لك العاملين لدينك.