إن تربية الشعوب وتقدم الأمم وانتصارها لا تتم الإ بالقوة الضاربة فيها، وهي الشباب، ولقد أولى النبى الأكرم مرحلة الشباب رعاية خاصة لما يدركه من أهمية دورهم، وكانت بدايات هذه الرعاية هى الحب والاستيعاب للطاقات وتوظيف الإمكانات والقدرات.
ولعل ما يمر به شبابنا هذه الأيام على كافة الأصعدة ينحصر فى أمرين اثنين: طاقاتهم المهدرة، وعدم استيعابهم.
وأنا هنا أتحدث عن الشباب أصحاب الفكر والفهم، ومن يسعون لنشر الخير وثقافة البناء والتواصل الحضاري.
إن شبابنا الإسلامي يملك من القدرات والملكات والمواهب ما يجعله يتصدر كافة المهام والأعمال والقيادات، فهو لها بحكم التجارب والعلم والتطوير، والتاريخ يؤكد أن الشباب هم الفارس القوى فى عماد بناء الأمم وعقول الشعوب، لكن ننحي هذا الجانب قليلا ونتحدث عمن يستوعب القدرات والطاقات والإمكانات ويجعلها واقعا يعزز البناء ويقويها على مستوى الأوطان والدعوات والأفكار.
إن أهم الصفات الواجب توافرها وتواجدها فى أية قيادة سياسية أو تربوية هي الاستيعاب للشباب، وميزة هذه الملكة لدى القائد أنها تجعله محبوباً فى المقام الأول، فضلا عن أنها مثمرة ميدانيا، فيحدث الالتفاف حوله والإنصات لتوجيهاته والسمع والطاعة له، ما يجعل البناء أكثر متانة والصف أكثر التحاماً والكلمة أكثر قوة ووحدة وتأثيراً.
أهم الصفات الواجب توافرها فى أية قيادة هي الاستيعاب للشباب، وميزة هذه الملكة لدى القائد أنها تجعله محبوباً فى المقام الأول، فضلا عن أنها مثمرة ميدانياً
ولقد ضرب النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وهو القائد الأول والقدوة الحسنة مثالاً راقيا فى استيعاب حتى مخالفيه، ولا يمكن لكاتب أو مؤرخ أن يتجاهل حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر، فقد فتح الله بهذه الحكمة قلوب الكثير لدين الإسلام، فضلا عن تقويته لصفوف المسلمين، فزادهم إسلاما وهدى برفقه بهم، وخطابه اللين الذي نجح فى استيعابهم به، وهذا مما زاد في إعجاب الشباب بالنبي صلى الله عليه وسلم،، والتفافهم حوله، وقد مدح القرآن الكريم تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس باللين والرفق، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يحث على الرفق، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم، قوله: " إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" (رواه مسلم).
بل موقفه فى استيعاب الشاب الذي أراد أن يأذن له في الزنا فكما جاء عن أبي أمامه قال: إن فتىً شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه. وقالوا مه مه! فقال: اِدنُه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس. قال أتحبُّه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أتحبُّه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أتحبُّه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أتحبُّه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (حديث صحيح، رواه أحمد وغيره).
إن علة الذكر لهذه المواقف والأحاديث هي الاحتياج الشديد جدا جدا لتطبيقها واقعا مع الشباب، وبخاصة شباب الحركات الإسلامية، فقد تحوّل الخطاب إلى خطاب تنفيري يشمل تهديد ووعيد وإقصاء وتخوين، وبالفم ماء كثير، نسأل الله العفو والعافية.
القيادة الصادقة هي التي بكلماتها وبياناتها تجمع حولها العقول والقلوب، وتكون كل أخبارها محل ترقب وانتظار بشغف لما تحمله من فكر وخطاب مستنير ومثمر
إن القائد الرباني الغائب الذي يتمناه الشباب هو الذي يقرب ويحبب ويبني ويجمع لا العكس، فالقيادة الصادقة هي التي بكلماتها وبياناتها تجمع حولها العقول والقلوب، وتكون كل أخبارها محل ترقب وانتظار بشغف لما تحمله من فكر وخطاب مستنير ومثمر.
إن الشباب الإسلامي اليوم فى أمس الحاجة لتلك القيادة النبيلة التى تضمد جراحها، وتخفف من أوجاعها، وتذلل لها العقبات حياتية كانت أو معيشية بسمت الأب الحنون على أبنائه.
إن الشباب أكثر الناس دفعا لضريبة الحرية، فمنهم الشهيد والمصاب والأسير والمطارد، ولازالت مسيرة التضحيات قائمة، ولازال المسير ساريا، ولا زال البعض مع الأسف يتجاهلهم.
إن دور الشباب فى إصلاح الدعوات والأفكار واستنارة العقول لا يمكن نكرانه، وهل كان الإمام البنا إلا شابا يافعا، استوعبه والده الحنون وصدق مع ربه فتجمعت حوله القلوب والعقول، واستوعب هو أنصاره فصاروا قادة ربانيين، وكلهم شباب.
إن نظرة القائد للشباب يجب أن تتبدل من نظرة الندية إلى نظرة استكمال المسار والمحافظة على الكيان، وهنا تكمن التبعات وتثمر الخطوات ويزدهر البناء.
نظرة القائد للشباب يجب أن تتبدل من نظرة الندية إلى نظرة استكمال المسار والمحافظة على الكيان، وهنا تكمن التبعات وتثمر الخطوات ويزدهر البناء
ختاما، نحن كشباب الحركة الإسلامية فى أمس الحاجة إلى ذلك النبراس المضيء الذي يستوعبنا، ونحبه ونتحاور معه ونسعد بكلماته ونتلهف لرؤيته.
إننا كشباب نحتاج إلى ذلك القائد الذي لا يستبد برأيه بعيدا عن الشورية، ولمن يفتح أبواب الحوار بالرفق، لا بالفصل والطعن والإقصاء والسخرية.
نحتاج لمن يطبق على نفسه الجندية الصادقة قبل أن يطلبها من غيره، ولمن يتجرد لدعوته بمواقف عملية، لا لمن يتعالى ويهدد ويرغب ويرهب.
نحتاج لمن يفهمنا ونفهمه، ويدرك أن التغيير سنة كونية، فالخلود مع الفشل كارثة.
نحتاج لمن يطور خططاً ورؤية واضحة، لا من يشهر فى وجوهنا لوائح عفا عليها الزمن.
نحتاج لمن يعلن أن نفسه بشرية لها أطماع، لا من يصور نفسه أنه المنقذ الرباني.
نحتاج لمن يدرك حجم المهمة الأن وسط هذا العالم المتغير ويعلم قدرته.
نحتاج وبمنتهى البساطة إلى والد حنون فقط!!