يحاول الاحتلال الصهيوني الإمعان في كسر إرادة الفلسطينيين عبر سياسته العنصرية القائمة على الإجرام ومصادرة الحقوق والاعتقال الظالم، لكنّ محاولاته دوماً تبوء بالفشل، وتأتي بنتائج لا يتوقعها، بل تزيد من إصرار الشعب الفلسطيني على المضي قدماً في صموده نحو انتزاع حقوقه والدفاع عن أرضه ومقدساته.. فعبر إصدار الأحكام الجائرة التي تطال القيادات الفلسطينية الفاعلة، يسعى الاحتلال في محاولة لتغييب دورهم وإبعادهم عن مساحات التأثير والاستنهاض والحضور الفاعل في فضح جرائم الاحتلال والتصدّي لسياساته الإجرامية التي تطال الشعب والأرض والمقدسات..
ومن هذه القيادات نجد الشيخ رائد صلاح، الذي كان له الأثر الكبير في إحباط أخطر المشاريع التهويدية الساعية لإفراغ المسجد الأقصى من المصلين، عبر مشروع "مسيرة البيارق" لتسيير الحافلات إليه من كافة البلدات العربية.
كما نجح الشيخ رائد صلاح بإعمار المصلى المرواني وفتح بواباته، وإعمار الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها، وتنظيم حلقات ذكر وقراءة القرآن في مصاطب المسجد الأقصى.
في زنازين الاحتلال..
لم تخل محطّة من محطات حياة الشيخ رائد صلاح من الاعتقال والإقامة الجبرية:
ففي عام 1981م، وبعد تخرّجه من كلية الشريعة سُجِنَ بتهمة الارتباط بمنظمة محظورة، وبعد خروجه من السجن فرضت عليه الإقامة الجبرية.
وفي عام 2002م، أصدر الاحتلال أمرًا بمنعه من السفر خارج البلاد، وفي عام 2003 اعتقل، واستمر اعتقاله سنتين.
وفي عام 2009م، منع من دخول القدس، وفي عام 2010م، أمضى خمسة أشهر في سجون الاحتلال.
وفي عام 2011 منع الشيخ رائد صلاح شرطة الاحتلال من تفتيش زوجته وهي عارية، وتمَّ اتهامه بإعاقة عمل الشرطة، وحكم عليه بالسجن ثمانية أشهر.
وفي أيار/ مايو 2016م، دخل رائد صلاح السجن لقضاء حكمه بالسجن لمدة 9 أشهر، بتهمة التحريض على "العنف".
رحلة العطاء ..
يؤكّد الشيخ رائد صلاح في كلّ تجربة يقضيها في سجون الاحتلال، أنَّها غذته وغذت معنوياته أكثر، وغذت الثوابت، ويقول: "كنا وما زلنا نردّد بالروح بالدم نفديك يا أقصى، كنا ولا زلنا نردّد نحن أمهاتنا ولدتنا أحراراً، ولن نعيش إلا أحراراً ولن نموت إلاّ أحراراً، سواء كنا مع القيود أو دون القيود. خلف القضبان أو وراء القضبان أو أمام القضبان، نحن هكذا عشنا وهكذا سنموت وهّمنا الوحيد الذي لا يمكن أن نتخلى عنه هو الانتصار لثوابتنا".
وكتب الشيخ رائد صلاح، حينما كان معتقلاً في سجن “رامون” بصحراء النقب، حول برنامجه اليومي في زنزانته، يقول: "بداية أؤكد أنني كنت مطمئناً في كل المرّات التي دخلت فيها السجون، ولكن هذه المرَّة أشعر باطمئنان أقوى.. بحمد الله رب العالمين، وأشعر دون مبالغة أنني في اعتكاف وإن كان في مبنى سجن يدعى “رامون”، ولذلك وضعت لنفسي برنامجاً كي استفيد من كلّ ثانية تمرّ علي منذ صلاة الفجر حتى بداية نومي. ما بين هذين الوقتين اجتهد أن أقوم بهذا البرنامج وهو على النحو التالي:
1. أداء صلاة الفجر إلاّ إذا كنت ناوياً للصيام فاسبقها بتناول السّحور.
2. قراءة المأثورات الوظيفة الكبرى بعد صلاة الفجر.
3. نوم قصير.
4. صلاة الضحى 4 ركعات وصلاة الحاجة 4 ركعات زوجيات والدعاء بما فتح الله عليَّ بعد كل ركعتين من صلاة الحاجة.
4. قراءة جزء من القرآن الكريم.
5. كتابة ما بدأت بتأليفه من كتب وهي 3 كتب حتى الآن، وذلك حتى صلاة الظهر.
6. قراءة ما بين يدي من الكتب، وحتى الآن أوشكت على إنهاء الكتاب الرابع.
7. القيام بجولة في ساحة السجن لمدَّة ساعة استثمرها بالذكر ملتزماً بورد يومي.
8. تناول وجبة الغداء بعد العصر ومواصلة القراءة.
9. ما بين صلاتي المغرب والعشاء، اجتهد أن أثبت ما أحفظ من القرآن الكريم.
10. ما بعد صلاة العشاء، أجتهد أنظم ما يفتح الله علي من الشعر.
11. ما بين هذه الأوقات أجتهد أن أواصل الاستماع إلى أكثر من نشرة من الأخبار باللغة العربية والعبرية.
في عام 2010م، وبعد أن قضى خمسة أشهر في السجن، قال الشيخ رائد صلاح بعد الإفراج عنه، إنَّ فترة الخمسة أشهر التي قضاها في السجن كانت عبارة عن "جنّة عاشها خلوة مع الله"، مضيفاً أنَّها من أفضل الأيام في حياته حيث قضاها بالصَّلاة والصّيام والقيام وقراءة القرآن. وأشار إلى أنَّه تمكّن من تأليف ثلاثة كتب من زنزانته.
وقال شيخ الأقصى: "دخلت السجن قوياً وخرجت منه أقوى وإيماني بالقدس والأقصى ازداد واستعدادي للتضحية قائم وسأبقى أردّد بالروح بالدم نفديك يا أقصى".
وفي مطلع العام الجاري، وبعد الإفراج عن الشيخ رائد صلاح بتاريخ 17/1/2017م، قال شيخ الأقصى: "قرأت أكثر من 80 كتاباً وكتبت 4 كتب ونظمت 28 قصيدة تتحدث عن أسرى الحرية والقدس والمسجد الأقصى".
ومن عناوين الكتب التي ألّفها الشيخ رائد صلاح في سجون الاحتلال كتاب "من سجن أيالون إلى سجن رامون"، في إشارة لاعتقاله في سجن "أيالون".