يوم السابع والعشرين من يناير؛ مرت علينا ذكرى ما يُعرف بيوم الهولوكوست، أي ما يُعرف في الأدبيات السياسية والإعلامية بمحرقة اليهود على أيدي النازيين، سواء في سنوات الثلاثينيات التي حكم فيها الحزب النازي، ألمانيا، أو خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، التي اجتاحت فيها الجيوش الألمانية أوروبا بالكامل، بين العامَيْن 1939م و1945م.
وتركز المصادر والمراجع الغربية في هذا الصدد على أمرَيْن، الأول، أن ما جرى كان يستهدف تصفية اليهود وكل ما له علاقة بهم، حتى أماكن عبادتهم وشركاتهم ومصالحهم التجارية والاقتصادية في أوروبا، والثاني، أنه نتيجةً لذلك؛ فإن ستة ملايين يهودي، أي اثنين من بين كل ثلاثة يهود كانوا مقيمين في أوروبا في ذلك الحين؛ تمت تصفيتهم في معسكرات الاعتقال والإبادة الجماعية التابعة للنازيين في ألمانيا، وفي بولندا وتشيكوسلوفاكيا، وغيرها من الدول التي احتلها النازيون خلال الحرب.
وبقطع النظر عن الملابسات التاريخية التي أدت إلى شيوع ثقافة عداء اليهود في ألمانيا والدول والكيانات الناطقة بالألمانية في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى؛ فإننا أمام واحدة من أهم القضايا التي يجب على المهتمين بالقضية الفلسطينية الاهتمام بها؛ حيث كانت الأعمال المنسوبة للنازي إزاء اليهود، أحد أهم المبررات التي لجأ إليها قيادات المشروع الصهيوني ومناصريه، لتهجير اليهود إلى فلسطين، في موجة الهجرة الثالثة التي تمت في الثلاثينيات والأربعينيات الماضية، وكانت الأكبر من بين موجات هجرة اليهود إلى فلسطين، عبر عقود المشروع الصهيوني الطويلة!
ولعل أهم ما يستلفت النظر في قصة الهولوكوست والهجرة اليهودية إلى فلسطين؛ هو حالة النفاق والفصام أو الشيزفرانيا، التي اعترت العالم الغربي، وهو يتناول هذه القصة، التي نزل فيها على حديث اليهود عنها، وكأن حديثهم هذا، كلام منزَّل من عند الله تعالى، برغم أن الغرب المسيحي يجد عنده في الإنجيل الكثر من الفقرات التي تؤكد على كذب اليهود، وعلى جرائمهم، والتي من بينها – وفق معتقدهم – صَلْب السيد المسيح (عليه السلام) ذاته!
ولكن يبدو أن للسياسة اعتباراتها التي تتجاوز سقف الخطاب الديني وحقائقه، فالغرب الذي أراد وجود عازل جيوسياسي معادٍ للعرب والمسلمين، يفصل بين جناحَيْ الأمة عند هذا الخانق الشديد الأهمية، الممثل في فلسطين، والذي يربط بين شطرَيْ الأمة في آسيا وأفريقيا؛ وجد في المشروع الصهيوني الذي يستهدف توطين اليهود في فلسطين، استنادًا إلى دعاوى دينية وتاريخية فاسدة الاستدلال؛ ضالته في تحقيق أهدافه الاستعمارية.
لعل أبرز معالم النفاق وازدواجية المعايير الغربية هو أنه لمعالجة مشكلة اليهود في أوروبا؛ كان الثمن هو تشريد شعب آخر بالكامل من أرضه
ولعل أبرز معالم النفاق وازدواجية المعايير الغربية في هذا الصدد، هو أنه لمعالجة مشكلة اليهود في أوروبا؛ كان الثمن هو تشريد شعب آخر بالكامل من أرضه، واغتيال أحلامه وأحلام أبنائه في حياة كريمة على أرض الآباء والأجداد.
ولتعويض اليهود عمَّا لاقوه من معاناة على أيدي النازي؛ ارتُكِبَت فظائع في حق الفلسطينيين ، كان من نتيجتها مذابح كالتي قام بها النازي، وربما أسوأ، وطرد ما بين 650 إلى 950 ألف فلسطيني إلى خارج أرضهم.
فحتى لو قبلنا أرقام وروايات اليهود عما جرى لهم في أوروبا في الحرب العالمية الثانية؛ فإن ما جرى في فلسطين، لا يمكن قبوله بأي منطق سياسي أو إنساني، وإلا كنا نعترف بخطاب اليهود الفوقي العنصري الاستعلائي، بأنهم "شعب الله المختار" وأن هناك بشرًا أفضل من البشر الآخرين، وهو –للمفارقة– ذات الخطاب الذي كان النازي يرفعه؛ حيث كان أدولف هتلر ومعاونوه، يعلنون –أيضًا– أن الشعب الألماني والجنس الآري، هم أفضل من البشر الباقين.
كما أنه لا يمكن أن نستند إلى أية دعاوى لليهود بأحقيتهم في فلسطين من الأساس، فالشعب الفلسطيني، بجذوره الأنثروبولوجية المعروفة، والتي تعود إلى شعوب البحر الأبيض المتوسط، وَفَدَ إلى هذه الأرض قبل 11 ألف عام، أي بعد طوفان نوح مباشرةً، وعاش على هذه الأرض، طيلة آلاف السنين.
وبرغم اختلاف الألسن والديانات التي وفدت على هذه الأرض، وامتزج بها الشعب الفلسطيني، عبر تاريخه الطويل؛ فإنه ظل على هذه الأرض، حتى بدأت هجرات العرب قبل ستة آلاف عام، وبدأت سيادة اللسان العربي، والنسل العربي على هذه الأرض، وفق قوانين التطور العمراني الطبيعي، مثلما اختلط المصريون بغيرهم من الأجناس في مصر، ومثلما وقع في مناطق أخرى، بعد بدء البشر في الزيادة والهجرة إلى أنحاء متفرقة من العالم.
وهذا الأمر به تفاصيل ضخمة للغاية، استغرقتها موسوعات علمية عربية ودولية موثوق فيها، إلا أنه تبقى أهمية كبرى للإشارة إليه للتأكيد على أن أسطورة "الهولوكوست" قد تم استغلالها لتحقيق أهداف سياسية أبعد ما تكون عن فكرة الحقوق وكذا، من خلال أساطير تاريخية ودينية باطلة لدى اليهود.
الكثير من الوثائق تثبت أن الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، قد "طلبت" من هتلر زيادة الضغوط على اليهود في أوروبا، من أجل دفعهم للهجرة إلى فلسطين
ولسنا بحاجة في هذا الصدد إلى التأكيد على أن "الهولوكوست" مجرد أسطورة استُغِلَّت لتحقيق أغراض سياسية دنيئة بالفعل، فالثابت تاريخيًّا وجود مراسلات واتصالات بين قادة المشروع الصهيوني وعلى رأسهم حاييم وايزمان الذي كان يترأس المنظمة الصهيونية العالمية في ذلك الحين، وديفيد بن جوريون رئيس الوكالة اليهودية، التي كانت الإطار المركزي لإدارة المشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين؛ من أجل استغلال الموقف في أوروبا، لتهجير اليهود إلى فلسطين.
وهذه الوثائق، تثبت أن الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، قد "طلبت" من هتلر ومعاونيه –"طلبت" حرفيًّا– زيادة الضغوط على اليهود في أوروبا، من أجل دفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين.
أي أن "الهولوكوست" –أيًّا كان مستواه– كان أولاً، صنيعة اليهود أنفسهم، وثانيًا، لم يكن –كما يزعمون– هو الباعث وراء البحث عن وطن جديد لليهود "المساكين الذين لفظتهم أوروبا، وحاربتهم".
وثائق الحملة الفرنسية تبرز أن نابوليون، قد تعهد بإقامة وطن قومي لليهود في الشرق، في فلسطين، من أجل ضمان تأييدهم له في مشروعه الإمبراطوري
بل إن وثائق الحملة الفرنسية نفسها، تبرز أن نابوليون بونابرت نفسه، كان قد تعهد بإقامة وطن قومي لليهود في الشرق، في فلسطين، من أجل ضمان تأييدهم له في مشروعه الإمبراطوري، في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، الذي عُرف فيه أهم مصطلحَ سياسي لا يزال تأثيره قائمًا حتى ذلك الحين، وهو: "المسألة الشرقية"، والتي شملت مصير الدولة العثمانية، ومصير يهود أوروبا، الذين في ذلك الوقت، ومنذ القرون الميلادية الأولى، كانوا –قبل تطويب الفاتيكان لهم في الستينيات الماضية– مكروهين للغاية لدى المسيحيين، وخصوصًا الكاثوليك، باعتبار أن الكتاب المقدس يؤكد على مسؤوليتهم عن صلب السيد المسيح (عليه السلام) كما في المعتقد المسيحي.
أي أن التسول اليهودي بهولوكوست الحرب العالمية الثانية، أمر باطل، ولم يكن أبدًا النازي سببًا في البحث عن وطن لليهود.
وحتى في هذه النقطة؛ نسأل: لماذا فلسطين، ما لم يكن الأمر استعماريًّا بحتًا؟!..
فالوثائق النازية تشير إلى أن ما يُعرف بـ"الحل الأخير" للمسألة اليهودية في أوروبا، والتي سبقت الحرب العالمية الثانية بقرون كما تقدَّم؛ كان يتضمن تهجير اليهود وتوطينهم في مدغشقر، بينما هيرتزل وجابوتنسكي، والآباء الأوائل للمشروع الصهيوني، وحتى السنوات الأولى من القرن العشرين؛ كانت فلسطين لديهم خيارًا من خيارات أخرى، مثل غانا والأرجنتين. فهل الدعاوى الدينية وقتها كانت خافية، واكتُشفت فجأة بعد ذلك؟!.
نأتي الآن لبعض ما ذكره معهد مراجعة التاريخ الأمريكي أو الـInstitute for " "Historical Review حول الهولوكوست وحقيقته، وذلك في دراسة بعنوان: "هل مات ستة ملايين حقًّا؟"، في إشارة إلى دعاوى اليهود السابقة بشأن مقتل الستة ملايين يهودي في أوروبا، في الحرب العالمية الثانية.
المعهد يقول إن هناك حالة من التضخيم الإعلامي بشأن معسكرات الاعتقال ومعسكرات الموت، وقال إن ما يقوله اليهود في هذا الصدد، لا أساس له من الصحة، وأن هذه المعسكرات كانت عبارة عن "وحدات إنتاجية ضخمة لدعم آلية الحرب" الألمانية، وأن أكبر المعتقلات التي أثير حوله جدل كبير ألا وهو معسكر "أوشوتز" –مختلف عن "أوشفيتز" وكلاهما في بولندا، ولكن الأول، كان معسكرًا للقتل الجماعي، والثاني كان معسكرًا للعمل الجماعي بالأساس بجانب ما قيل عن أنه استخدم في القتل الجماعي كذلك- قد تمت السيطرة عليه خلال الحرب، مِن قبل القوات السوفييتية، ولمدة 10 سنوات، لم تسمح السلطات السوفيتيية لأية جهة محايدة بدخوله، ويُعتقد أنها قامت بتغير معالمه.
ويقول المعهد إنه لم يكن هناك أي وجود لما أطلق عليه اليهود اسم مستودعات الغاز التي قيل إن الألمان كانوا يضعون اليهود فيها بالآلاف ، وإنما كانت هناك غرف صغيرة لتصنيع مبيدات الحشرات والآفات الزراعية، وكان هناك بالفعل محارق في تلك المعسكرات، ولكن لحرق جثث الموتى الذين لقوا حتفهم بالأوبئة والأمراض المعدية في الفترات الأخيرة من الحرب بسبب نقص الخدمات الطبية، بالإضافة إلى أنه لم يكن لدى ألمانيا فائض من الغاز لاستخدامه في حرق ملايين الجثث، وهو أمر يتطلب رافدًا من الغاز لم يكن متاحًا للألمان إطلاقًا.
معهد مراجعة التاريخ الأمريكي يؤكد أن الصور التي تشير إلى أنها لجثث يهود قتلهم الألمان في المعسكرات، كانت من الأرشيف الألماني، لألمان عانوا المجاعة والأوبئة
كما أشار المعهد إلى أن الصور التي تشير إلى أنها لجثث يهود قتلهم الألمان في هذه المعسكرات، كانت من الأرشيف الألماني، لألمان عانوا المجاعة والأوبئة في السنوات الأخيرة للحرب العالمية الثانية، ولكن تم عرضها في محاكمات نورمبرج التي خُصصت لمجرمي الحرب الألمان، لأجل دعم دعاوى اليهود في هذا الصدد.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن هناك الكثير مما يُقال في هذا الصدد؛ في صدد كذب وبطلان مزاعم "الهولوكوست"، وفي صدد نفاق الغرب وانفصامه وازدواجية معاييره، وكل ذلك يؤكد أن فلسطين وقضيتها، هي قلب قضايا الأمة التي تتعرض لمشروع استعماري بدأ منذ أن خرجت دولة المسلمين من شبه الجزيرة العربية بغرض نشر نور الإسلام في ربوع الأرض.
وبالتالي؛ فإن مصير الأمة بالكامل، سوف يتحدد في فلسطين، تمامًا كما بدأت أولى المواجهات مع الإمبراطورية الرومانية في فلسطين وشمال شبه الجزيرة العربية، في سنوات النبوة والخلافة الراشدة. هم يدركون ذلك؛ لكننا للآن؛ لا يدرك الكثيرون منا ذلك، وهي مهمة أصحاب الضمير والقلم والكلمة والمنبر. وهي أصعب مهمة لو تعلمون!