ضجيج الصمت

الرئيسية » خواطر تربوية » ضجيج الصمت
critical-thinking-3

هـل سرت يوماً في شارعٍ مزدحمٍ مكتظٍ بالمارة؟
هل توقفت يوماً للتأملِ بتلك الوجوه الصامتة التي تدور من حولك؟
هل أغمضت عينيك وأنت تسير بينهم محاولاً الاستماع لصمتهم؟
هل جلست وحيداً في يوم ما وقد خيّم عليك الصمت المطبق؟
هل خلوت بنفسك صامتاً خالي البال تنظم دقات قلبك وخلجات فكرك؟

تساؤلات ندور بها على أذهاننا ونحن نعتلي موج الحياة المتلاطم، تساؤلات نتشاركها في مساحة القاسم المشترك بيننا، في الحقيقة إنك إذا ما سرت يوماً في شارع مزدحم بالمارة، وتعج فيه حركة الناس، وتتشابك فيه الأقدام وتتزاحم، وإذا ما أمعنت النظر في وجوه من حولك، فإنك ستقرأ فيها وبين سطورها الكثير الكثير.. مــن الأفكار والحوارات، مــن التسامح والمشاجرات، مــن الطموح والفشل، من الإيجابية واليأس، وستقرأ الكثير من قصص السعادة والشقاء، من قصص العطاء والحرمان، ستقرأ ذلك كله في أعينيهم، في مشيتهم، وفي كل حركة منهم، لِــتَـــهب عليك بعدها، نسمات الحزن والشفقة، وتردد مع نفسك قائلاً: "يا حرام كل واحد بحكي مع حاله"، وتدعو لهم مبتهلا.. "الله يكون بعونكم".

إذا ما أمعنت النظر في وجوه من حولك، فإنك ستقرأ فيها الكثير من الأفكار والحوارات، من التسامح والمشاجرات، من الطموح والفشل، من الإيجابية واليأس

نعم إنك إن فعلت ذلك فسترى حوار النفس للنفس، وستحيا حديث الروح للروح، وستشاهد حوار العقل والقلب، سترى وتحيا وتشاهد كل ذلك وأكثر، ولكن ستراه بصمت، نعم ستراه -مع كل ذلك- صمتاً يحمل رغم هدوئه ضجيجاً صاخباً يكاد يمور بالمرء حتى يهلكه، أو تتسائل بعد هذا مستغرباً: ضجيج الصمت..!! كيف يكون للصمت ضجيج؟

تعال معي.. وحاول أن تجلس وحيداً.. انتظر للحظات.. انتظر وترقب.. وإذا بعاصفة الضجيج تباغت صمتك وتقلع أشجار هدوئك، جلسةً أردتها للراحة والاسترخاء، وإذا بها تتحول إلى حفلة على أنغام موسيقى الحياة الصاخبة، ومصحوبة بدندنات على أوتار ظروف العيش المهتزة.

فـكم هي الأفكار والمشاريع والخطط التي تأتيك وأنت على ذلك؟ وكم هي كمية الخوف والقلق التـي سوف تنتابك من القادم؟ وكم ستعيش من المواقف والمواجهات وردود الفعل؟ وكم شخص سوف تعتذر له أو تتشاجر معه؟ وكم من علاقة ستعيد ترتيبها أو هدمها؟ كم.. وكم.. وكم..!!!

إن جلسات الانفراد بالنفس ودقائق الصمت معها وإن كانت بلا صمت، أمور لا بد أن يكون لك نصيب منها، إذ ترقى بك وتحثك لمواصلة حراك الحياة ، والعمل بالطاقة القصوى، دقائق نحتاجها لنعيد فيها حساباتنا، ونرتب فيها أوراقنا.

وقد يكون لدقائق صمتك ضجيجاً قاتلاً، وصخباً جارحاً، فلا تتنازل عنها، وإياك أن تنأى بنفسك عن استحقاقها، وعش حديث النفس للنفس، عزز نفسك، وقوِّ عزيمتك، حاور ذاتك وأقنعها، خاطب عاطفتك واحفظها، وكن صريحاً مع ذاتك، وكن واضحاً في طرحك .

بعد هذا.. أوليس للصمت ضجيج... أتستمع الآن لصمت الناس من حولك؟ وهل تراقب ضجيج حياتهم؟ هل ترى حواراتهم؟ هل تشاهد انفعالاتهم؟ أما تبادر لذهنك.. آه لقد كنت واحداً "بحكي مع حاله" أيضاً!! ويا هل ترى ما هو الضجيج الذي تعيش به؟ وما هو الصخب الذي تدور فيه؟ وما هي الرياح التي تعصف بك؟

تذكر أنك لن ترسو بسفينتك على ضفاف ما تريد إلا بعبور عاصفة الضجيج تلك.. تمسك جيداً.. وحدد مسارك.. وانطلق متحدياً

وإياك أن تصنف ضجيجك على أنه من أصناف التلوث النفسي، بل هو صنف من العيش الإيجابي.. وتذكر أنك لن ترسو بسفينتك على ضفاف ما تريد إلا بعبور عاصفة الضجيج تلك.. تمسك جيداً.. وحدد مسارك.. وانطلق متحدياً.. عندها ستكون رياح الضجيج التـي سعتصف بك.. ريحا مرسلة محملة بالخير كل الخير لك.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدون أردني مهتم بالشأن التربوي

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …