يوم أن بدأ الفلسطينيون رحلة الشتات كانت في أذهانهم رحلة قصيرة، ربما لن تستغرق أسابيع ولا أشهرا، بل أياما، حتى إن عددا كبيرا من آبائنا وأمهاتنا كان يأبى أن يقوم بأي تصرف يوحي بأنه يميل إلى الاستقرار بعيدا عن مهجته وفؤاده فلسطين، فكأن يأبى أن يغادر الخيمة، أو أن يشتري أرضا أو بيتا، بل بقي قابضا على مفتاح بيته كالقابض على الجمر، فأصبحت هويته مفتاح وخيمة، وعندما يساومه أحد على القيام بأي فعل يبعده عن العودة يقول: "كلها أيام وراجعين".
حلم ما زال يتجسد في كل لاجئ ونازح فلسطيني، ولكن طريق الشتات طال، وما زالت معاناة فلسطينيي الخارج مستمرة في أكثر من مكان: في لبنان، وفي الأردن، وضمن مهجري سوريا، سواء على صعيد العمل، أو على صعيد الحياة الكريمة، فلا حقوق ولا حريات، ولا جوازات سفر، ولا إقامة.
ومما زاد الطين بلة، أن من كان يفترض فيهم أنهم يعملون لعودة فلسطينيي الشتات إلى فلسطين، ومن كان يفترض فيهم أن يداووا جراحهم ويكفكفوا دموعهم، ومن كان يفترض فيهم أن يجعلوا عودتهم أقرب، ويسعوا لتحقيق حلم عودتهم، أضحوا يتآمرون على حلم العودة، ويضعون حق العودة على طاولة المفاوضات، وباتت التضحية به أسهل من التنازل عن بطاقة كبار الشخصيات الصادرة من إدارة الاحتلال، بل إن رئيس السلطة أعلن تنازله بنفسه عن حق العودة إلى بلده صفد.
مؤتمر فلسطيني الخارج الذي يتنادى بعضهم لعقده خلال الأيام القادمة يرسم بداية الطريق في تقديري، ولابد أن تتلوه خطوات ومؤسسات، تجمع شتات فلسطينيي الخارج
ولا يخفى على أحد مستوى التهميش الذي تعرض له فلسطينيو الخارج، بعد اتفاقات أوسلو، لأن حضورهم كان يعني حضور حق العودة، وهذا من أخطر حقوق الفلسطينيين الذي يشكل خطراً وجودياً على العدو الصهيوني، وهذا لا ينسجم قطعاً مع ما أرادت أوسلو تحقيقه.
لا بد من الإقرار ابتداء بأن فلسطينيي الشتات الذين همشوا أصبحوا اليوم يشكلون نصف الشعب الفلسطيني، ولا بد من الإقرار بأن الشعب الفلسطيني في الشتات لقي إهمالا من القيادات السياسية الفلسطينية، وتحديدا من السلطة الوطنية الفلسطينية، بقدر لا يقل ألما عما لقيه من أنظمة الدول العربية، وأنهم أي فلسطينيو الشتات، قد ظلموا أنفسهم، فزادوا شتاتهم شتاتا، ببقائهم غير مشاركين بشكل كثيف ومباشر في تحقيق حلم العودة والتحرير، فوزنهم في مؤسسات منظمة التحرير لا يكاد يذكر، وصوتهم لا يكاد يسمع، رغم آهاتهم وأناتهم، ومفاتيح بيوتهم المرفوعة في وجه المتنازلين، ورغم ألم الجوع والحرمان الذي ما زالوا يعانونه في أصقاع العالم، وفي الدول العربية أكثر من غيرها.
أقول رغم كل ذلك فصوت فلسطينيي الشتات، ودورهم السياسي، ورأيهم المتمسك بحق العودة والتعويض، ورأيهم في كل ما يجري منذ اتفاقات أوسلو حتى وقتنا الراهن، صوتهم ما زال خافتاً وغير مسموع، ولا أشك في أن شتات فلسطينيي الشتات، هو الذي أوصلهم إلى هذه الحال، وما لم يتداركوا أنفسهم ودورهم، فإن حلم العودة سيصبح أبعد، فالعودة ليست مجرد حلم ننتظر من يحققه لنا، بل حلم نحتاج نحن أن نحوله حقيقة، وأن ننحت الصخر؛ للحفاظ على حقوقنا وثوابتنا.
ومؤتمر فلسطيني الخارج الذي يتنادى بعضهم لعقده خلال الأيام القادمة يرسم بداية الطريق في تقديري، حري بهم أن يشاركوا فيه بفاعلية، ولابد أن تتلوه خطوات ومؤسسات، تجمع شتات فلسطيني الخارج، وتؤطر دورهم، وتضع حلمهم على طاولة السياسيين، وتضعهم على خارطة السياسة الفلسطينية والعربية والدولية، وتُسمِع صوتهم، لعل هذا يغير في الحال، ويجعل حلم العودة أقرب.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- مدونات الجزيرة