تتميز الحركة الإسلامية بأنها حركة شورية، أي أنها تعتمد #الشورى أساساً ومنهجاً لاتخاذ الرأي، وتحقيق الإنجازات، وكل فرد فيها يعتبر صاحب قرار ومشاركاً في صناعته، وجزءاً لا يتجزأ من مشروع الحركة وغاياتها. كما أن الحركة الإسلامية لا تستطيع تحقيق أي هدف دون انخراط العاملين والأفراد في مشاريعها وبرامجها ، وإلا كانت كلها حبراً على ورق، وباتت موجودة إعلامياً فقط، دون أي تأثير على الواقع.
وفي الوقت نفسه فإن ما يعزز مفهوم الشورى داخل الحركة الإسلامية هو أن الانتساب إليها ليس إجبارياً، بل هو تطوع محض، بحيث يدخل الأفراد وينتظموا تحت لوائها بمحض إرادتهم ورغبتهم.
وبناء على ما سبق، تختلف الحركة الإسلامية عن غيرها، حيث تشكل القواسم الفكرية والرؤى والأهداف أرضية مشتركة للعاملين، بعيداً عن المصالح والفئوية والقبلية وغيرها من الأمور.
وهذا الأمر بدوره يحمل الحركة الإسلامية المزيد من العبء والمسؤولية في اختيار من يديرون شؤونها، حيث عليهم أن يترجموا تلك القواسم والأهداف إلى إنجازات يرغب كل فرد بتحقيقها، ويسعى لرؤيتها واقعاً على الأرض، في ظل حجم كبير من التحديات الحالية، التي تصعّب من مهمة تنفيذ هذه الأمور، وتجعل لتولي المناصب القيادية أمراً عظيماً بالغ الأهمية.
على من يديرون الحركة الإسلامية أن يترجموا القواسم المشتركة بين أبناء الحركة الإسلامية والأهداف إلى إنجازات يرغب كل فرد بتحقيقها، في ظل حجم كبير من التحديات
ويمكن أن نلخص أبرز التحديات التي تواجه الحركة الإسلامية في وقتنا الحالي، بالآتي:
1- الحفاظ على وحدة الصف، خصوصاً في ظل حالات الانقسام في بعض الدول، وظهور الخلافات بين بعض أبناء الحركة الإسلامية، وانتشار التيارات والتجمعات في بعضها، مما يهدد البنية التنظيمية المتينة التي اتسمت بها الحركة الإسلامية على مدار عقود عديدة.
2- تكريس الثقة بين الأفراد والقيادة، وزيادة الارتباط والتفاعل بينهما، حيث هناك حالة من اللامبالاة المنتشرة بين العديد من الأفراد في بعض الدول، ناهيك عن العزوف عن التفاعل مع الأنشطة الداخلية والخارجية، وتحميل المسؤولية لهذا أو ذاك، مما ينتج جنوداً خاملين لا يهمهم ما يحدث داخل الصف، ويقتصر دورهم على التظلم أو التشكّي، وفي المقابل، يحمل البعض الآخر المزيد من الأعباء التي ربما تفوق طاقتهم وقدراتهم.
من التحديات التي تواجه الحركة الإسلامية كيفية إدارة العلاقة مع الأنظمة الحاكمة التي جاهر بعضها بالعداوة، ناهيك عن المؤامرات التي تستهدف وجودها، مما يجعلها وكأنها تسير في حقل من الألغام
3- الحفاظ على الحركة من حيث الوجود الخارجي، سياسياً واجتماعياً وشعبياً وغير ذلك، ويتمثل هذا بإدارة ملف العلاقة مع الأنظمة الحاكمة التي جاهر بعضها بالعداوة، خصوصاً بعد ما آلت إليه الظروف في بعض دول الربيع العربي، ناهيك عن المؤامرات التي تستهدف وجود الحركة الإسلامية، مما يجعل الحركة وكأنها تسير في حقل من الألغام، تحتاج إلى حساب حركاتها وخطواتها بدقة، وتوقع الخطر والسيناريوهات المختلفة التي تتربص بها.
4- إعادة صياغة الرؤى والأهداف والسياسات بما يتماشى مع واقع الحال ومتغيراته، فالأصل أن تتم مراجعة الأهداف القابلة للتحقق وجدولة كيفية تنفيذها، وهذا بدوره يتطلب إعادة للنظر في الهيكلية واللوائح الداخلية للبنية التنظيمية، وآليات اتخاذ القرار وتنفيذه. ولا يعني هذا نقض الأصول التي تقوم عليها الحركة الإسلامية، لكن لابد من تقسيم الأهداف إلى مرحلية ونهائية، فما الذي تريده الحركة الإسلامية عام 2017 مثلاً، على المستوى الداخلي والخارجي في هذا البلد أو ذاك؟ وهكذا.
هذه أبرز التحديات التي لابد أن تهيمن على أذهان الجميع عند اختيار من يمثلونهم في المناصب القيادية داخل الحركة الإسلامية، ولأن الحركة هي حركة شورية، تقوم على الشورى والتي تعتبر حقاً وواجباً معاً، حيث إنها وظيفة تؤدي إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإن هذه التحديات بدورها تفرض عليها أن تجعل #الانتخاب وسيلة لمواجهتها، والسير بخطى ثابتة نحو الأهداف المرجوة.
هل تغيير الأشخاص مطلوب؟
ليس المطلوب تغيير الوجوه بقدر ما يطلب تغيير من لا يستطيع تحمل عبء المسؤولية الكبيرة الملقاة عليه ، سواء أكان قد أخفق في إدارة ذات الملف، أو لا يحمل المؤهلات الكافية لإدارته كما سيتم بيانه لاحقاً.وقبل أن أفصل القول في هذا لابد أن أفرق بين الجانب الشخصي للأفراد ومدى إيمانهم ومستوى التقوى والورع، وبين حجم القدرة على الإنجاز، وإدارة الملف والمسؤولية المكلف بها حتى لو كان الأمر بسيطاً وسهلاً.
إن المشكلة التي يقع فيها الكثير من الأفراد داخل الصف الدعوي تتمثل بالتساهل مع المسؤوليات الصغيرة، مما ينعكس بدوره على التي أكبر منها. من خلال الاعتياد على تفضيل من أعرفه على صاحب الكفاءة، وفي الوقت نفسه يؤدي التساهل في المناصب الأدنى إلى زيادة حالة الترهل والفجوة الكبيرة بين القيادة والقاعدة ، ولا يخفى على أحد حجم النتائج السلبية المترتبة على ذلك.
إن #التغيير المطلوب هو اختيار "رجل الوقت" في كل منصب، لاختلاف نوعية الأعباء الجسام وحجم التحديات وظروف الوقت، ولاقتضائها كفاءات ومؤهلات معينة.
كل منصب يحتاج إلى شخص قادر على النجاح به في ظل المتغيرات التي تفرضها البيئة، والإقليم، والبلد، والتحديات التي تواجه المسؤول عن هذا الملف، وغير ذلك
وهذا بدوره يعني أن كل منصب يحتاج إلى شخص قادر على النجاح به في ظل المتغيرات التي تفرضها البيئة، والإقليم، والبلد، والتحديات التي تواجه المسؤول عن هذا الملف، وغير ذلك.
وهذا المبدأ قد نص عليه فقهاؤنا في اختيار الإمام، والذي يندرج ضمنه جميع المسؤوليات، لاتحاد العلة وهي المسؤولية والولاية. يقول القاضي أبو يعلى الفراء: (..إن كان أحدهما أعلم، والآخر أشجع، فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهور البغاة كان الأشجع أحق، وإن كانت الحاجة إلى فضل العلم، لسكون الدهماء وظهور أهل البدع، كان الأعلم أحق).
إن غياب الفهم الصحيح للاختيار، كرّس لدى البعض حب الاستيلاء على بعض المناصب الدعوية ، فلا يتزحزح عن مكانه إلا بالعجز أو الوفاة، في حين يسعى البعض إلى النفوذ والسيطرة، فيدعم استمرار وجود الأول لييسر له الأول منصباً في مكان آخر، أو يعطيه نفوذاً وصلاحيات في هذا الملف أو تلك المنطقة، مما يجعل الدعوة أشبه بشبكة من المصالح بعيداً عن الغاية المرجوة من وجودها. بل نجد البعض يربط نفسه بشخص معين، فإذا انتقل الأول إلى مكان ما، انتقل الثاني معه، بغض النظر عن كفاءته لإدارة العمل الجديد، ما يعني غياب مفهوم التخصصية والنجاح. وهذا ما ينبغي أن يتغير في نظرتنا للانتخاب، فلسنا بحاجة إلى انتخاب أناس يجعلون أنفسهم أوصياء على المناصب وفي نفس الوقت أخفقوا في إدارة تلك الملفات، ومع حبنا لهم، وتقديرنا لإخوتنا، إلا أن مصالح الدعوة أسمى وأهم.لسنا بحاجة إلى انتخاب أناس يجعلون أنفسهم أوصياء على المناصب وفي نفس الوقت أخفقوا في إدارة تلك الملفات، ومع حبنا لهم، إلا أن مصالح الدعوة أسمى وأهم
كيف أنتخب بشكل صحيح؟
1- عليك قبل أن تنتخب أن تتذكر أن صوتك مؤثر، وأنك جزء لا يتجزأ من هذه الحركة، مما يعني أن اختيارك سبب لنجاح الحركة في هذا الجانب، وسوء اختيارك عامل من عوامل الفشل، فلا تستهن بصوتك، أو تجعله مرهوناً بيد فلان أو غيره.
2- افهم طبيعة المنصب الذي تريد أن تختار له مرشحاً من مجموعة المرشحين، وما هي أبرز التحديات التي تواجه هذا المنصب.
3- إذا كانت هناك تقارير منشورة عن المنصب فالاطلاع عليها سيزيد من معرفتك ويسهل عليك طريقة الاختيار والتفضيل بين المرشحين.
4- اطلع على أسماء المرشحين وتعرف على برامجهم- إن كان المنصب يتطلب ذلك- ومن الأفضل أن تطلع على مؤهلاتهم وسيرتهم، وإن لم يكن لديك معرفة عنهم، فاسأل أكثر من شخص، ولا تستبعد أسماءهم بمجرد أنك سمعت بهم لأول مرة!
5- وازن بين المرشحين من خلال الأمور التالية:
- الجماهيرية والعمل.
- الحزم والتأني.
- المواجهة والحوار.
- الجانب التربوي والكفاءة.
- الشعبية الداخلية، والإبداع.
- الاستيعاب والإقصاء.
ختاماً.. بقي أن أشير إلى أن الأمر كله في النهاية هو محض اجتهاد، قد نصيب أو نخطئ، ولا عيب في خطئنا طالما بذلنا جهدنا في الاختيار والمفاضلة بين إخواننا. والذي لابد أن لا يكون مفصولاً عن عملية التقييم والمحاسبة وتوجيه النصيحة والنقد، فالوضع يحتاج منا إلى تضافر الجهود، وحسن التخطيط والمسير، لتبقى الراية خفاقة مرفوعة بإذن الله.