هل من المقبول أن يقع العاملون لهذا الدين في فخ الخلاف البغيض بحجة ومحاولة كل طرف من الأطراف أن يختصر الإسلام في فكرته هو دون غيره؟ ألم يعد شائناً ذلك الموقف الغريب الذي تتخذه الجماعات الإسلامية المتشرذمة في التفرغ إحداها للتضييق على الأخرى بالانتقاد الشديد حد العداء؟
بين الاختلاف والاعتصام
وإذا تحدثت عن وحدة الهدف والاصطفاف تجاه غاية كبرى تجدهم يحتجون بآية الخلاف وكأنه قدر على المسلمين فيما بينهم : {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:118-119].
ولو عاد هؤلاء لكتب التفسير لعلموا أن الاختلاف يكون بين الناس عامة، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، منهم من اختار طريق الهداية ومنهم من اختار طريق الضلال، فهو التكليف الرباني الاختياري بالإيمان أو الكفر.
أما داخل دائرة الإيمان، فقد حض الله تعالى المؤمنين على الاعتصام بحبله المتين، وعلى التعاون على البر والتقوى، فلو كان قدر الله هو الاختلاف بين الناس، فقدره هو الوحدة بين المؤمنين، فالله عز وجل يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عليكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [آل عمران:103].
حض الله المؤمنين على الاعتصام بحبله المتين، وعلى التعاون على البر والتقوى، فلو كان قدر الله هو الاختلاف بين الناس، فقدره هو الوحدة بين المؤمنين
والله سبحانه الذي قال: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} هو نفسه الذي أمرهم بالاعتصام بحبله ودعاهم إلى التعاون.
وسيلة التقريب الفكري بين الحركات الإسلامية
إن الحديث عن الائتلاف الإسلامي لم يعد حديثاً عن مسألة فرعية أو شأن يخص فئة دون الأخرى، وإنما عن حتمية وضرورة يتوقف خروج الأمة من كبوتها الحالية عليه، ولذلك فنحن نتحدث عن واجب الوقت الذي يجب أن يشغل تفكير مسؤولي الحركة الإسلامية على وجه الخصوص.
وحتى نصل إلى ذلك الهدف فليس له إلا سبيل واحد، ألا وهو الحوار الجاد لتحقيق أمرين:
أولا: التقارب الفكري بين أطراف الحركة الإسلامية المختلفة.
ثانيا: إزالة الشبهات العالقة بالأذهان تجاه كل طرف.
ولست أسعر هنا لتحقيق الاندماج الكامل بين الحركات الإسلامية وليس مطلوبا ذلك، فهذا ضد طبيعة الأشياء نظراً لمعطيات متعددة واختلاف الظروف الحياتية، ولذلك نجد أن بالفقه سعة تغطي تلك الجوانب، لكننا هنا نتحدث في وحدة الهدف والتقارب الفكري للوصول لفقه واقع الأمة والتعاون على وضع وسائل مشتركة لحل أزماتها دون أن يمس ذلك خصوصية أي حركة إلا بما تتنازل عنه لصالح الأمة والعمل المشترك لصالحها.
وأهمية الحوار تتبلور في الاستنارة برأي العاملين بعضهم ببعض، غير أنه يزيل الشبهات تجاه الآخر كما أسلفنا بأن يكشف اللثام عن فكره فإما يصححه وإما يتبناه وإما يوجهه.
وما يساعد على نجاح عملية الحوار ما يأتي:
على جميع الحركات الإسلامية أن تعي أنه إذا كان الاختلاف بين البشر سنة ربانية، فالاتفاق بين المؤمنين فريضة ربانية كذلك
- أن يتبني علماء الأمة تلك الدعوة خارج حدود التنظيمات وضيقها.
- أن تعي الأطراف المتحاورة أنه إذا كان الاختلاف بين البشر سنة ربانية، فالاتفاق بين المؤمنين فريضة ربانية كذلك.
- أن يلتقي الجميع على الأصول ولا يجادلوا في الفروع، وأن يلتقوا على الأهداف بغض النظر عن الوسائل.
- يجب أن يدرك العاملون للإسلام أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم .
- يجب أن تدرك الحركات الإسلامية أنها تواجه عدواً مشتركاً، عدواً داخلياً من فساد للأنظمة وجهل الشعوب وفقرها، وعدواً خارجياً من مستعمر ما زال يعبث في بلادنا، وصهاينة يتحكمون في مقدساتنا.
- يجب أن تتفق الحركات الإسلامية على أن مرجعيتها واحدة وثابتة، وأن الاحتكام إنما يكون لكتاب الله تعالى ثم سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- يجب على الجميع إيثارا لمصلحة الأمة ودينها أن يتعالوا على نقاط الخلاف التاريخية والناشئة عن اختلاف المناهج التربوية لكل حركة على حدة، ويخفضوا جناح التواضع وحسن الاستماع من الآخر لا عنه؛ حتى يتسنى لهم تغيير صورة مكونة بالفعل عبر سنوات عديدة.
ورسالتي الأخيرة للعاملين في الحقل الإسلامي أنه لا يختلف أحد من المسلمين أن الإسلام دين عالمي وأنه يوم ما سيحكم العالم وسيملأ الأرض عدلا، وأن المسلمين تقع على عواتقهم مهمة إنقاذ البشرية من دمار محقق نتيجة الحضارة المادية العرجاء وأننا يجب أن نحيي العقيدة في نفوس الناس وأنه بغير إحياء لتلك العقيدة فلا أمل قريب في الخروج من المنعطف الحالي.