عندما تسيل الدماء وتقطع الأوصال، وترى آلام الشيوخ ومعاناة النساء والأطفال، كل ذلك يجعلك تبذل كل وسعك لرفع ذلك البلاء عنهم، بل قد يدفعك للتراجع عن بعض آرائك ووسائلك، فإراقة دماء المسلمين أعظم عند الله من هدم بيت الله الحرام.
فكيف بالله عليك إذا كانت الفرقة هي سبب المصيبة والهزيمة!! فما يحصل في أرض الشام عجيب، فمع أنهار الدماء وسيل الأشلاء ترى فرقة عجيبة غريبة واختلافاً مستهجناً ، ألم ترق قلوب أولئك القادة لحجم معاناة أهل الشام؟! ماذا يريدون أكثر مما حصل حتى تجتمع كلمتهم ويتوحد صفهم؟
فأهل غزة ليسوا ببعيدين عنهم، ففي حروبهم مع الصهاينة وخاصة معركة العصف المأكول عام 2014م، تحيّر العدو من تلك اللحمة التي سطرها أهل غزة، ولم يجدوا باباً يدخلون منه، فقد اجتمعت كلمة الفصائل لقيادة كتائب القسام، مما كان له الأثر الكبير في هزيمة العدو الصهيوني، ولعل القضية والهمّ الواحد بالإضافة لجراح الشعب الفلسطيني هو الذي وحّدهم وزاد من تماسكهم، فما سبب فرقة الفصائل في الشام؟ وما هو السبيل لوحدتهم وتماسك صفهم؟
في حرب العصف المأكول، تحيّر العدو من تلك اللحمة التي سطرها أهل غزة، فقد اجتمعت كلمة الفصائل لقيادة كتائب القسام، مما كان له الأثر الكبير في هزيمة العدو الصهيوني
هنا لا شك أن لتلك الفرقة جوانب متعددة، وهنا أتطرق للأسباب المتعلقة بالتربية والسلوك دون الخوض في جوانب السياسة فتلك لها أهلها والمتخصصون بها.
أولاً: عدم نضوج بعض القادة تربوياً وسلوكياً: فبعضهم متمسك بالقيادة والرياسة فهي مقدمة على كل شيء، حتى على المبادئ والأفكار، ولو أدى ذلك لفناء شعب بأكمله، فحبه للقيادة مرض أصاب قلبه وهو غير مستعد للتفكير حتى بالتخلي عنها، ولو كان أتباعه بالعشرات، فكيف إذا رأى نفسه يقود الألوف والمئات؟!
ثانياً: تشدد بعض الفصائل الإسلامية ونظرتها الدونية لباقي الفصائل: وتزكيتها لأعمالها واعتبار غيرها مخطئ في تفكيره ووسائله، فلا مجال للخضوع أو التخلي عن القيادة، فتلك في فكرهم خيانة للأمانة، وهذه النظرة كانت من أكبر موانع التوحد أو الاندماج بين الفصائل.
ثالثاً: التمسك بالرأي واعتباره أفضل الأفكار فلا مجال للتغيير والتبديل، أضف لذلك عدم إتقان فن الحوار أو قلته وضعفه، والتحاور بالسلاح في بعض الأحيان، وهذا مبدأ كل خلاف .
أصبح لكل فصيل له دولة جيشاً وقضاة وشرطة وأصبح كل منهم يسعى للظهور على غيره من الفصائل
رابعاً: نتج عن كل ما سبق اختلاف الأهداف والرؤى وتشتت الأفكار فكل فصيل أصبحت له دولة، وجيشاً وقضاة وشرطة حتى أصبح كل منهم يسعى للظهور على غيره من الفصائل.
خامساً: قلة العلم وظهور الجهل لا سيما في الأمور التربوية والشرعية، حتى أصبح يقود بعض الفصائل جهلة يتألهون على الله، ويقاتلون على غير منهج الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
اقتراحات عملية:
لا ريب أن لوحدة الشعب السوري وفصائله دور كبير في حل مشاكله وتخفيف معاناته ، خاصة أنه يتعامل مع ظالم مستبد لا حدود لعدوانه وغطرسته، فليس مشكلة الشعب السوري بالرجال ولا بالسلاح بل هو تشتت الجهود وتضادها، واستمرار الفرقة أتاح للنظام المستبد التفرد بأبناء الشعب السوري، والتعامل معهم على أساس تلك الفرقة وهو ما ساعد على سقوط المدن والقرى واحدة تلو الأخرى، مما يهدد ثورة الشعب الحر، وهذه بعض الحلول والاقتراحات:استمرار الفرقة أتاح للنظام المستبد التفرد بأبناء الشعب السوري، والتعامل معهم على أساس تلك الفرقة وهو ما ساعد على سقوط المدن والقرى واحدة تلو الأخرى
1- التركيز على تربية الأفراد والقادة وتزكية النفوس، وهنا يظهر أهمية وجود محاضن تربوية وفكرية معتدلة، فقبل أن يتعلم الأفراد حمل السلاح والقتال، عليهم تعلم فقه الجهاد، والتربية على الأخلاق الحميدة، وتأدية الفروض والنوافل كالالتزام بالصلاة وتلاوة القرآن وتفسير جزء منه، وهنا أتساءل عن المربين والدعاة الذين انسحبوا من أرض المعركة لعدم قدرتهم على القتال، ولكن جهدهم التربوي والدعوي مؤثر ومهم جداً في الإرتقاء بأولئك المقاتلين.
قبل أن يتعلم الأفراد حمل السلاح والقتال، عليهم تعلم فقه الجهاد، والتربية على الأخلاق الحميدة، وتأدية الفروض والنوافل
2- السعي لوضع رؤيا واحدة وهدف واحد من تلك الفصائل، وتنحية الخلافات الجانبية، وخاصة فيما يتعلق بفروع الفقه والعقيدة فلا يقوم عليها عمل أو فائدة، وتعظيم القواسم المشتركة بينهم وهي كثيرة، وفهم الواقع بأنه وقت ضرورة، وفيه أحكام تختلف عن السلم والطمأنينة.
3- جعل الحوار سبيلاً لحل المشكلات وتقريب وجهات النظر وقبول الرأي الآخر، والتعامل بتواضع مع المسلمين، قال تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة:54].
ختاماً.. إن الشعوب تنجح ثوراتها بتوحدها واجتماع كلمتها ، فثورة الشعب الجزائري كانت أشد على المستعمر الفرنسي لما توحدت الكلمة، حتى أصبحت ناراً هزمت العدو، ونالت من ورائها حريتها وإرادتها.
وليعلم قادة تلك الفصائل الشامية بأن الشعوب لا ترحم، فإذا لم يغيروا ويبدلوا فإن من ورائهم ثورة لن تتركهم وستقتلعهم من جذورهم، فالشعوب إذا أرادت انتصرت وإذا قالت فعلت، وثورة الشعب السوري بإذن الله منتصرة.