في مسارات الحياة المختلفة والمتشابكة التي تكثر فيها الأحداث وتتزاحم فيها الواجبات، وتتراكم على امتدادها المهمات، ومع تنوع الخطط والبرامج المستهدفة واتساع رقعتها، لا بد وأن يُصاحب كل ذلك مشاكل وصعوبات تواجهنا، وعوائق تتصدى لنا، ومنعطفات صعبة علينا عبورها، بالإضافة إلى تلك الكمية الهائلة من القرارات التي علينا قطعها في إطار جملة من التقديرات "البشرية" التي تتأرجح بنا على جناحي الخطأ والصواب، تارة بالتحليق العالي في سماء النجاح وأخرى بالسقوط الحر في وحل الفشل. وفي ظل هذه الأجواء والظروف يُصبح لزاماً علينا أن نتهيأ لأمر واقع في حياتنا ألا وهو الأخطاء وسوء التقديرات.
فالأخطاء بندٌ واردٌ في حسابات كل متحرك عامل هجر الراحة والكسل ، يسعى لتحقيق ما يطمح إليه سواء كان ذلك على مستواه الفردي أو الأسري أو حتى على المستوى المجتمعي العام، تتعدد أسبابها وتختلف معطياتها، فبعضها تكون نتيجة واقع ومعطيات، وبعضها مفتعلة بمصالح شخصية فئوية وبعضها الآخر عائد إلى سوء في التقديرات وسعة الآمال، فهي أمر وارد إذن في يوميات الحياة التي نعيشها، وكما قيل "من لا يعمل لا يخطئ".وبالرغم من بديهية وقوع الأخطاء وحصولها، إلا أنها حين حدوثها تؤدي إلى إنتاج ظاهرة اجتماعية وفن يتقنه البعض، يتمثل في الاختباء والمراوغة، والقدرة على التنصل والهروب، خوفاً من تحمل المسؤوليات والعقبات، ذلك هو التلاوم أو فن الاتهام: وهو أسلوب التفافي للنجاة بنفسك وإرضائها، يستند إلى المسارعة في اتهام المقابل مهما كان فرداً أو مؤسسة أو جماعة، ملقياً عليه -أي المقابل- كل اللوم دون الوقوف مع النفس ومحاسبتها، متفادياً تحمل أية مسؤولية تذكر تجاه ما حصل أو يحصل.
فن الاتهام اليوم هو من أبرز الظواهر السلبية في ميادين العمل كلها، كبيرها وصغيرها، وهو أول الحاضرين في صالونات التقييم وحوارات النقد ، وعليه يكون مدار نجاح المؤسسات أو نكوصها ونقض غزلها من بعد قوة، وهو صورة من صور الإنكار السلبي الذي يرتبط بالأنانية والأثرة، والمكابرة والهروب من المسؤولية والتقاعس عن الإصلاح والتغيير.فن الاتهام هو أسلوب التفافي للنجاة بنفسك وإرضائها، يستند إلى المسارعة في اتهام المقابل، ملقياً عليه كل اللوم دون الوقوف مع النفس ومحاسبتها
لابد أن نحسن التعامل مع الأخطاء بقراءتها واستيعابها وأخذ الدروس منها، فهي مادة خام لصناعة سلم النجاح
ومن غير المعقول اليوم أن نغرق في غياهب التلاوم وتبادل الاتهامات وقد فسدت حياتنا وتوقفت مشاريعنا، وتعطلت عجلة التغيير في مجتمعاتنا، بل علينا أن نضع في حساباتنا احتمالية وقوع الأخطاء وإمكانية حدوثها، ولا بد أن نحسن التعامل معها بقراءتها واستيعابها وأخذ الدروس منها، فالأخطاء مادة خام لصناعة سلم النجاح، لا أن نتهرب من مسؤولياتنا متقنين لفن الاتهام، باحثين عن حياة خالية من الأعباء، نلقي باللوم في كل إخفاق نعيشه على غيرنا وعلى من حولنا، بل علينا أن نواجه الأخطاء ونتحمل عواقب ذلك، لنتعلم ونتطور بها ، فإن فعلنا ذلك سنعيش مع كل خطأ يقع أو تقصير يحصل، بروح إيجابية مشرقة نعالج فيها الأخطاء ونصحح المسار، ونحطم أسوار الفرقة والخلاف، ولذلك لا بد أن نتمرن على اتهام ذواتنا في كل واقعة وعند كل خطأ، وأن نسارع بوضع أنفسنا في قفص "الاتهام الذاتي"، وبعدها سيكون لنا خطوة صحيحة نخطوها على طريق التغيير، ورقيٌ حقيقي على سلّم التطوير.
بلوغ الغايات وتحقيق الطموحات لا ينال بكثرة التلاوم، ولا اتهام الآخرين، وإنما يكون بالجد والعمل، واغتنام الفرص واستثمارها
ولتبدأ بنفسك أولاً ولتكن نقطة تحول وانعطاف إيجابي؛ لذا كن أنت المتهم الأول على اختلاف مسارات الحياة، وابحث على الدوام عن مخرج وحلول، وادفع باتجاه الإيجاب دوماً، وعش بـ(نعم للاتهام الذاتي لا للاتهام التهربي)، حاول ذلك وتأكد أنك جزء من النجاح ولا بأس من المراجعة والمحاسبة والوقوف مع النفس، فربما كان في الاتهام خير، إن كان للتطوير والتحسين، والمضي قدماً نحو التجديد والبناء.
واجه الحياة بصدر رحب، توقع الأخطاء وتقدم، وضع في حسابك معالجتها والوقوف معها، فبلوغ الغايات وتحقيق الطموحات لا ينال بكثرة التلاوم، ولا اتهام الآخرين، وإنما يكون بالجد والعمل، وترك الراحة والكسل، واغتنام الفرص واستثمارها.
وصرف الله عنك السوء وعشت إيجابياً بريء النفس والهوى عند كل اتهام.