هل هناك علاقة بين تفكيك الألعاب والإبداع والموهبة؟

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » هل هناك علاقة بين تفكيك الألعاب والإبداع والموهبة؟
best_toy_stores

اشترى "أبو البراء" لُعبة غالية الثمن لابنه البكر "براء" ذي الخمس سنوات، ولم يكترث "أبو البراء" لغلاء ثمنها كونها لحبيب القلب "براء" وحيد أبويه، لكن بعد يومين فقط من شراء تلك اللعبة، تفاجأ "أبو البراء" بأن تلك اللعبة باتت مفككة وكل قطعة فيها أصبحت مستقلة بذاتها، فاشتاط غضباً، وبدأ بالصراخ على فلذة كبده وانقلب كل ذلك الحب إلى ضجر وتأفف مما فعله ابنه بتلك اللعبة الغالية التي كان يظُن أنها سيُكتب لها الخلود.

فـ"براء" مكتشف صغير يهوَى الفكَّ والتركيبَ؛ ويجعل دائماً من غرفتِه ميدانَ فَوضَى، ولا يكترث لثمن اللُعبة فكلها بنفس الميزان عنده، لأن هدفه الأساسي من تلك الألعاب هو تفكيكها والتحقُّقِ من كُنهِها وطبيعتِها واكتشاف ما بداخلها.

ويتساءل "أبو البراء" إن كان ابنه "مُخرباً صغيراً"؟ أو لديه ميول سادية؟ أم أن ذلك أمر طبيعي، ويقول: "هل صُنعت الألعاب لكي تُكسر؟، وهل يُكافئنا أطفالنا بحُبنا لهم واحضار الألعاب الغالية بتحطيمها وتفكيكها؟ وما الذي يستفيده عندما يفكك ألعابه بدلاً من أن يُحافظ عليها".

هذه الأسئلة وغيرها يُجيب عليها التقرير التالي:

الفضول والرغبة في الاكتشاف

الشياح: الطفل أحياناً يُفكك ألعابه بسبب فضوله ورغبته في اكتشاف ومعرفة ما بداخل اللعبة، وأغلب الأطفال في هذه الحالة يكون عندهم نسبة من الذكاء

من جهتها، قالت الأستاذة أمل الشياح مُعلمة المرحلة الأساسية في مَدرسة المتميزون الحديثة في قطاع غزة: "إن الطفل أحياناً يُفكك ألعابه أو يكسرها بسبب فضوله ورغبته في اكتشاف ومعرفة ما بداخل اللعبة، مشيرةً إلى أن ذلك الطفل لا يمكن اعتباره مُخرباً أو لديه ميول سادية بحسب ما يظن بعض الآباء، مؤكدةً على أن أغلب الأطفال في هذه الحالة يكون عندهم نسبة من الذكاء والهواية".

ولفتت الشياح إلى أن هناك نسبة قليلة من الأطفال يفككون ألعابهم ويكسرونها بدافع التخريب، مُشددةً على أنه في هذه الحالة لا يُمكن إطلاق كلمة "مُخرب" عليهم بل من الممكن اعتبارهم غير مدركين لما يفعلون.

أثر منع الطفل من تفكيك ألعابه

وحول الأثر الذي يتركه منع الطفل من تفكيك ألعابه واكتشافها، نوهت الشياح إلى أن ذلك يساهم في الحد من قدراتهم ومحاصرة موهبتهم.

وفيما يخص الفوائد التي يجنيها الطفل من اللعب، ذكرت الشياح أن اللعب الجماعي يساعد في نمو الطفل بشكل إيجابي من الجانب الاجتماعي، والقدرة الجيدة على التواصل مع الآخرين ، أما لو كان اللعب بشكل فردي فهو يساهم في تفريغ الطاقة عند الطفل بدلاً من الكبت، خاصة إذا قام الطفل بتمثيل الأدوار.

ونوهت الشياح إلى وجود بعض الألعاب التي تساهم في تنمية مهارات الطفل، مبينةً أنها تتمثل في ألعاب الذكاء، والألعاب التعليمية، وألعاب التركيب.

الشياح: مشاركة الوالدين لأطفالهم في اللعب أمر مُهم، كونه يزيد من ثقة الطفل بنفسه، ويُكسبه الجانب الروحي وهو الاستشعار بالحنان والحماية

وأوضحت أن مشاركة الوالدين لأطفالهم في اللعب أمر مُهم جداً، كونه يزيد من ثقة الطفل بنفسه، نظراً لاهتمام الوالدين برغبته في اللعب وإشعاره بأن ما يقوم به صحيح، مضيفةً أنه يُكسب الطفل أيضاً الجانب الروحي وهو الاستشعار بالحنان والحماية وتخطي العقبات بسبب مساعدة الوالدين له.

وأكدت الشياح على أن الألعاب بالنسبة للطفل تمثل عالمه المفضل، ومصدر السعادة له.

وقالت: "يظن بعض الآباء أن الألعاب التي يحضرونها لأطفالهم يجب أن يُكتب لها الخلود، ويتضجرون عندما يقوم أبنائهم بإتلافها وتفكيكها"، مؤكدةً على أن ذلك تقدير خاطئ.

إلزام الطفل بالمحافظة على ألعابه يُربي الخوف

وتابعت "يعتقد الوالدين أن إلزام أطفالهم بالمحافظة على ألعابهم ومنعها من الخدش حتى، دليل على حُسن التربية، ولكنه لم يعلم أنه يُربي طفله على الخوف الدائم، وزيادة الحرص القاتل".

وختمت الشياح حديثها، برسالةٍ وجهتها للآباء الذين يضيقون على أبنائهم بالأوامر والتوجيهات الكثيرة، ويودون من أبنائهم أن يحتفظوا بألعابهم لتبقى كالآثار، قائلةً: "ثق بطفلك واتركه حراً ليُبدع".

اللعب علاج

كساب: تفكيك الألعاب بدافع الاستطلاع مُرتبط بعمر معين وهو ما بين 5-7 سنوات، وإذا كان الطفل أكبر من ذلك ويقوم بتكسير ألعابه فهو يندرج تحت مسمى العدوانية

ومن ناحيتها، قالت عايدة كساب أخصائية علم النفس من برنامج غزة للصحة النفسية: "إن أغلب الأطفال الذين يُفككون ألعابهم يطبقوا ما يُعرف في علم النفس بـ"حب الاستطلاع"، مشيرةً إلى أن تفكيك الألعاب بدافع الاستطلاع مُرتبط بعمر معين وهو ما بين 5-7 سنوات، منوهةً إلى أنه إذا كان الطفل أكبر من ذلك ويقوم بتكسير ألعابه أو إتلافها فهو يندرج تحت مسمى "العدوانية".

وأضافت أن الطفل في سن الروضة يسعى إلى التعرف على العالم، فتراه يُفكك ألعابه أو بعض الأجهزة الموجودة داخل البيت ، ويسأل عن مسماها ووظيفتها وإذا كان بالإمكان أن يستخدمها.

وأكدت كساب على أن الطفل يُعالج نفسه باللعب، منوهةً إلى أن اللعب يُبرز القدرات العقلية والجسمية والنفسية للطفل، ويعمل على تنشيط وترفيه ووقاية الطفل، "فالطفل الذي لا يلعب لا يُعتبر طفلاً سليماً صحياً وجسمياً ونفسياً ".
وذكرت أن كثرة سؤال الطفل عما حوله في جميع الأعمار دليل على ذكائه.

لا تُساوم طفلك مقابل اللعب

كساب: يجب عدم مساومة الطفل ومطالبته بترتيب ألعابه وغرفته مُقابل السماح له باللعب، لأنك بذلك تخلق عنده شخصية وسواسية ونظامية بشكل معقد

وأضافت: "يجب عدم مساومة الطفل ومطالبته بترتيب ألعابه وغرفته مُقابل السماح له باللعب، لأنك بذلك تخلق عنده شخصية وسواسية ونظامية بشكل معقد"، موضحةً أنه يمكن السماح له باللعب وبعد انتهائه يمكن سؤاله إن كانت لديه رغبة بالترتيب دون إلزامه.

وقالت كساب لـ"بصائر": "إن الكثير من الأهالي يُلزمون أطفالهم بالمحافظة على ألعابهم وهذا أمر خاطئ، فالأولى أن ننصحهم بأن تلك اللعبة جميلة وأنت من اختارها ليحافظ عليها بدافع نفسي ولحبه لها وليس بالتوبيخ والعقاب والعنف".

وتابعت "إذا طلب الطفل لُعبة معينة وأنت لا تريد شراءها، لا بد أن تُبرر له سبب المنع، بالقول مثلاً ظروفنا المادية لا تسمح، أو لأن هذه اللعبة خطيرة ولا تناسب عمرك، أو لوجود مثلها في البيت".

وأردفت قائلة: "إن منعت طفلك عن لُعبة معينة دون تبرير سبب المنع، ستترك علامة استفهام في ذهن طفلك ، وإن كان عنيداً سيذهب لمصدرٍ آخر للحصول عليها".

وأشارت كساب إلى أنه يمكن استخدام الألعاب في التعزيز الإيجابي للطفل، مبينةً أن الطفل الذي يتمتع بالحركة الزائدة مثلاً يمكن أن أعطيه اللُعبة المناسبة له لتفريغ طاقته بدلاً من منعه من الحركة وتقييده.

تناسب اللُعبة مع عمر الطفل وجنسه وبيئته

وشددت على ضرورة أن تتناسب اللعبة مع العمر العقلي والجسمي للطفل، بالإضافة إلى أن تتناسب اللعبة مع جنس الطفل سواء كان ذكراً أو أنثى.

واستكملت حديثها بالقول: "كما يجب أن تتناسب اللعبة مع البيئة المحيطة، فمثلاً شعبنا الفلسطيني خاض ثلاثة حروب، ونجد أطفالنا يختارون الألعاب التي تميل للعنف مثل المُسدس أو الطائرة أو الكلاشنكوف، ولا نستطيع منعهم لأن هذا واقع يعيشونه، وإن منعتهم ربما يسرقون من أصدقائهم أو يذهبون للعب بها عند الجيران وسيبحثون عن مصدر آخر".

وحذرت كساب من "جريمة" معاقبة الطفل بلُعبته، لافتةً إلى أن بعض الأهالي يُعاقبون الطفل بكسر لعبته المفضلة أو إتلافها، قائلةً: "أنت بذلك كسرت طفلك، لأن لعبته تُمثل عالمه الخاص وأنت بفعلتك دمرت ذلك العالم".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …