ومن يطفئ حرائق سوريا؟

الرئيسية » حصاد الفكر » ومن يطفئ حرائق سوريا؟
thumb

على شفا جرف الهاوية يتحدث العربان والأعراب والأغراب عن سراب النجاة ووهم الوحدة، ويتراقصون جميعهم على سيمفونية الوطنية والمجد للأوغاد في مشفى الأمراض النفسية.

فمن يعتقد أن الراكعين في المساجد سينتصرون على خصمهم الذى جهز العتاد والسلاح فهو واهم، إن الله لا ينصر إلا المتوكلين الذى أخذوا بسبب النصر فتجهزوا لمعركتهم وكثفوا دعائهم وملؤوا جنبات المساجد تكبيرا لأول سلاح قد صنعته أيديهم ومن ظن خلاف ذلك فقد أساء الظن بالله. فيا أيها العابثون بجسد الحقيقة كفاكم دروشة فإن الدراويش لا يحيون إلا بعد الموت.

تجسدت البلاهة والحمق في التعقيب على الحريق الذى اشتعل في الأراضي المحتلة التي اغتصبتها العصابة الصهيونية، فمنهم من قال إنه انتقام الرب بعد أن منع الصهاينة الأذان من أن يصدح في المساجد، ومنهم من قال إنها دعوة مظلوم همس به في أذن الأرض فسمعتها السماء، ومنهم من قال إن الصهاينة سيعلمون الأن أنهم راحلون وإن طال الزمان؟

والله إن سوريا قد تهدمت فيها المساجد وسقطت مآذنها على رؤوس المصلين، وقاتلهم من بني جلدتهم عربي كما هم!! إلا أن الله في ظنونهم لا يقبل دعاء عربي على عربي مثله! حاشا الله تعالى عما يظنون، كم أذان منع؟ وكم إمام مسجد قتل؟ وكم من المصلين ذهبوا إلى الآخرة بيد قاتلهم العربي؟

من يعتقد أن الراكعين فى المساجد سينتصرون على خصمهم الذى جهز العتاد والسلاح فهو واهم

نحن لا نشكك في دعاء المظلوم ونؤمن تماماً باستجابة الله، ولكن شروط الإجابة أن يكون المظلوم عاجز عن أخذ حقه وإلا فهو من سبيل التواكل والتخفي خلف المطالبة المخنثة التي تتذبذب ما بين ثبات الموقف وتراقص أولئك من هم على منوال حسب الحسب وتبع التبع.

إلى ذلك الذى ظن أن الحرائق التي شبت فى الأراضي المحتلة بدعوة مظلوم، هلا تدلنا على ذلك الداعي فيدعوا أن يعيد الله لنا الجولان والقدس والضفة ودمشق والقاهرة وعدن وطرابلس وكل شبر سرق منا إما فعليا أو جسديا!!

إن سوريا تعاني منذ ما يربو على خمسة سنوات، فهل مل وفتر الداعون عن دعائهم أم أن السماء ترد الدعاء على أبناء الوطن الواحد؟ في سوريا تجد عربيا يسرق مال أخيه العربي ثم يأتي بسلاح من أعدائه ليؤمن عرشه إن اقترب منه أخاه، وإن لم يستجب فإنه يقتله إما محروقا أو مصلوبا أو بدم بارد ثم يقولون الدعاء.

إن أقصى درجات العجز والهوان تتمثل في أن نجعل من الزلازل والبراكين والحرائق والعواصف نصرا عظيما على أعدائنا، وحينما تصيبنا نازلة نقول إن المؤمن مبتلى وأن تلك النوازل أتت لتنقينا من ذنوبنا فيا أيها العباد أتعبدون الله على حرف؟!

إن الذين كانوا يستترون بعجزهم خلف أوراق الزيتون في الأراضي المحتلة، قد ظهرت سوءاتهم حينما احترق الورق واحترق معه ثياب الستر، ذلك الثياب الذي توارثه العرب جيلا جيل فالآونة الأخيرة، وكأني الآن أرى عمار بن ياسر وقد نزل به من العذاب ما تنوء به الجبال، فهل كف ذلك الصحابي عن الدعاء أو أوقفه السوط عن مناجاة ربه أو شلت يد معذبه؟

بالطبع لا ولكنه تحمل واصطبر حتى قويت شوكة المسلمين ثم عادوا إلى مكة ودخلوها بقوتهم فانتصروا دون رفع الأسلحة، إن الدعاء يحتاج إلى عمل ثم تجربة ثم محاولة صادقة وعزيمة متقدة ثم دعاء وتوكل ثم انتصار.. هكذا يكون الظن بنصر الله.

ما من نبي إلا وأخرجه قومه وحاربوه فتحمل من الابتلاء ومعاناة كبيرة ولكنه أخذ بالأسباب حتى نصره الله وأظهر رسالته.

قرأت أن امرأة سورية سقط بيتها على إثر برميل متفجر أصاب عشاءها، فاختلط دم ابنها بدم زوجها وامتزجت دماء الجميع بحليب العشاء، فاستحال لونه أحمرا بمذاق الموت، قصة تكررت مئات المرات. أعتقد أن الأذان قد توقف لأنه لم يجد رجل يعتلي المئذنة؟

ومراهقة أخرى كانت تحلم بحياة كحياة البسطاء، حياة هادئة تلك الحياة التي تبتعد كثيراً عن قصور الأغنياء ورفاهية كلابهم، كانت تحلم بشاب في مثل عمرها إلا أن صاروخا قد ضل طريق المئذنة وأصاب جسده الصغير فتناثرت أحشاؤه في حارة الطفولة لتختلط بأحشاء أقرانه ممن كانوا يلعبون في ذلك الركن الذي يبعد قليلا عن المسجد، فذبلت زهرة الفتاة ودب وهن العجز في وجهها وأطرافها.

ثمل لا يعرف أن دينه أمره بالحفاظ على عرضه وأرضه ولم يأمره أن يتسول النصر على أعتاب المسجد دون أن يؤدي فرض الصلاة

فكم فتاة فقدت من تحب وكم من زوجة فقدت زوجها وأبناءها؟ وكم من طفل فقد أبويه وإخوته وأرسل بصره مرغما يشيعهم جميعاً ليحيا كظيم العين مقتول القلب؟

أعلنت الصحف على صفحاتها الإلكترونية أن حريقا ضخم قد شب فى الأراضي المحتلة، وعلى الفور تكالبت الحكومات العربية على إرسال طلبات تود المساعدة في إخماد الحرائق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العصابة الصهيونية تمتلك وحدة إطفاء تعد من أكثر الوحدات تقدما، إلا أنها تفضلت عليهم بقبول المساعدة لينالوا شرف إطفاء شجرة الزيتون ذات الجذر العربي الأصيل.

إن عجز العرب يتمثل في أمرين أحدهما تقديم المساعدة للعدو ثم التنصل منها أمام استنكار الرأي العام، والأمر الثاني يأتي على لسان ثمل لا يعرف أن دينه أمره بالحفاظ على عرضه وأرضه ولم يأمره أن يتسول النصر على أعتاب المسجد دون أن يؤدي فرض الصلاة.

إن السعي والأخذ بالأسباب فرض لا يقل عن الصيام والصلاة.. فكفوا عن التسول بالدعاء ولا تفتروا على الله الكذب، فما كان الله لينصر قوما اعتكفوا في المساجد وتركوا أعراضهم دون ستر وأطفالهم دون حماية وأمان.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • مدونات الجزيرة
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …