إلى المجتمعين في إسطنبول .. “يا زريف الطول وقف تا أقلك”

الرئيسية » خواطر تربوية » إلى المجتمعين في إسطنبول .. “يا زريف الطول وقف تا أقلك”
istanbul25

وصلتني دعوة المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج والذي يعقد هذه الأيام في تركيا وحبسني حابس الفيل فتخلفت وأنا أترنم (يا رايحين عا حلب قلبي معاكم راح) وأني أستغرب أن يكون هناك متقاعس بدون سبب! فحدث مثل هذا المؤتمر يجمع فلسطينيي الخارج من شتى أنحاء المعمورة لابد وأن يكون له ما بعده. ولو لم يكن فيه من الخير إلا تكثير سواد أهل الحق لكفى.

وقد سرني أنهم لم يذيلوا اسم المؤتمر برقم فلم يكن المؤتمر الشعبي (الأول) لفلسطينيي الخارج فلعل المنظمين لديهم من الأمل ما يدفعهم أنه سيكون الأول والأخير إذ بعده ستفرج وسنخرج بنتائج ونعود إلى وطننا الحلم دون تثنية للمؤتمر.

ولأن تخلفت عنكم فإنني أحملكم أيها المجتمعون باسمي وباسم كل فلسطينيي الخارج خاصة نحن الذين ولدنا خارجها وعشنا بعيدا عنها مسؤولية أن يصل صوتي صوت المرأة الفلسطينية في الخارج، صوت الشوق إلى حضن الوطن والانتماء إلى ثراه والعيش باسمه والحياة على أمل العودة إليه.

إن أول ما أرجو أن تنتبهوا له هي كمية الإمكانات التي تتوفر لدى الشعب الفلسطيني ولا تتوفر إلا لقلة من الشعوب غيره.

فالفلسطينيون يتوزعون على مستوى العالم بجميع قاراته وبلدانه، وربما لا تجد بلداً في العالم إلا وفيه جالية فلسطينية صغيرة أو كبيرة، وهذا ما يعطي لهم إمكانات هائلة في التأثير على الرأي العام في بلدان إقامتهم -لو أرادوا وعملوا بخطوات صحيحة مدروسة- وتحدي التشويهات المصنوعة يهودياً، وشرح القضية بشكلها الصحيح والواقعي بعيدا عن الإغراق في الرومانسية التي اشتهرنا بها نحن الفلسطينيين في التعامل مع الوطن وذكراه.

أول ما أرجو أن تنتبهوا له هي كمية الإمكانات التي تتوفر لدى الشعب الفلسطيني، وهذا ما يعطي لهم إمكانات هائلة في التأثير على الرأي العام في بلدان إقامتهم، وشرح القضية بشكلها الصحيح

ثم إن المآسي التي تعرض لها هذا الشعب صقلت الفلسطينيين وعركتهم وجعلتهم يسعون إلى التميز في كل مجال يدخلونه ليثبتوا وجودهم  بالرغم من استلاب الوطن، وهذا جعل أغلب أفراد الشعب أناساً مثقفين محبين للعلم محترفين واسعي الحيلة، فمن علماء في أعلى الدرجات العلمية، إلى خبراء في أغلب المجالات التقنية وحتى عمالة فنية خبيرة مدربة كفؤة، وهذه المقدرات على هذا المستوى لشعب مشرد هي كنز يجب أن يلتفت له ويوظف لصالح هذا الشعب.

ومعلوم أن الشعب الفلسطيني شعب مسيس في جميع مستوياته ويندر أن تجد فلسطينيا غير منتم لاتجاه سياسي -حقيقة أو ادعاء- ففي الداخل يأكل الفلسطيني السياسة مع رغيف خبزه المرهون بفتح المعبر!

ويشرب السياسة مع كأس الماء الذي ينتظر إذناً من الحكومة الصهيونية ليمر، وينير بالسياسة منزله الذي لا تصله الكهرباء إلا بموافقة أمنية على تشغيل محطة الكهرباء!

وفي الخارج يعيش السياسة يومياً بـ"كرت" المؤن الذي يوفر له لقيمات الذل، أو عدم وجود رقم وطني يعطيه حقوق مواطنة كاملة، أو ذكر مكان ميلاد الأب ليعرف أنه ليس أصيلا في بلد إقامته، وحملة الوثائق وما أدراك ما حملة الوثائق!

إن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج شعب رتع السياسة وخبر مجاهلها واطلع على قذارتها وبات الكثير من أفراد الشعب في موقف اليأس من الحلول السياسية التقليدية، ويبحث عن مخرج جديد لقضاياه غير ما درج عليه النفاق السياسي والبرتوكولات الشكلية الفارغة. والمطلوب صيغة جديدة غير مسبوقة تراعي احتياجات الشعب الفلسطيني في الخارج وتصل ما انقطع ما بين الداخل والخارج ، صيغة تتخلص من التسوية السلمية كثياب ضاقت على صاحبها –وقد كانت كذلك من الأساس- فرماها في أقرب مكب نفايات؛ لأنها باتت تضايقه وتعيق حركته وتكتم أنفاسه. صيغة لامة مجمعة لا تترك لفصيل مهمة الأستذة أو الأخ الكبير، بل تترك التسميات وتحجب الألقاب ولا يسأل عن انتماء إلا الانتماء لثوابت جامعة لا يتلاحى عليها اثنان وأن تكون ثوابت حقيقية بعيداً عن تفسير المسميات بغير معناها، أو لي أعناق النصوص لتخدم مبتغى مشبوهاً.

لابد من وجود صيغة تتخلص من التسوية السلمية، وتنتج ثوابت جامعة وتكون ثوابت حقيقية بعيداً عن تفسير المسميات بغير معناها، أو لي أعناق النصوص لتخدم مبتغى مشبوهاً

أما قدسية القضية الفلسطينية لكونها تعنى بأرض مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين عامة وليس الفلسطينيين فقط فهي من أقوى الأسباب الجامعة لشعوب الأرض حول #القضية الفلسطينية والاتفاق على هذه القدسية يقود إلى جعل هذه القضية رأس الحربة في المواجهة الحضارية الحتمية بين الحضارة العربية الإسلامية وغيرها من الحضارات.

وأكرر حتمية حتى لو دفننا رؤوسنا في الرمال ألف قدم تحت مسميات التعايش وادعاءات السلام وغيرها ولنفرض جدلاً أن السلام قائم والتعايش واقع أليس من الأفضل أن نكون مستعدين لأي طارئ أو تغيير في وجهة نظر الآخر أو طريقته في التعايش؟

إن النموذج الأمريكي أكبر برهان على حتمية هذه المواجهة، فالقارة التي اتسعت لشذاذ الأفاق وصهرتهم في بوتقة واحدة تحت العلم الأمريكي وحكمتهم بالديمقراطية المزعومة، ضاقت على امرأة تغطي رأسها وكأن حجابها هو الذي يخنق ديمقراطيتهم!

ولعل أخشى ما يخشى في هذه المرحلة اندساس أصحاب الأجندة الخفية بين المجتمعين ومحاولاتهم لتمرير نقاط وربما قرارات تخدم جهات مصلحية داخلية أو خارجية تلعب بأوراق المنطقة وتتمنى لو كانت الورقة الفلسطينية في يدها.

المصلحة الوحيدة التي يجب أن يكرَّس لها العمل هي مصلحة الشعب الفلسطيني وخدمة القضية الفلسطينية وإعادة الحقوق المشروعة إلى أصحابها بأيدي أصحابها، وبرعاية إطار عربي إسلامي داعم

إن المصلحة الوحيدة التي يجب أن يكرَّس لها العمل هي مصلحة الشعب الفلسطيني داخلياً وخارجياً وخدمة القضية الفلسطينية وإعادة الحقوق المشروعة إلى أصحابها بأيدي أصحابها وبرعاية إطار عربي إسلامي راع وداعم.

وقد عانى الفلسطينيون في الشتات الأمرَّين في العقدين الماضيين، فمن جهة غربة وتشتت وتشرد في بلاد تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية على أحسن تقدير -حتى ولو حملوا جنسيات تلك البلاد- إلى تغييب لدورهم في تحديد مصيرهم ومستقبلهم والضغط عليهم لقبول الواقع والرضا بما وصلوا إليه في بلاد الغربة، وصولاً بهم إلى الرضا بالوطن البديل. وآن الأوان ليكون لهم دور في قضيتهم وربما تكون غربتهم سبباً في اطلاعهم على ثقافات الغير وأسلوب حياتهم مما يوسع آفاقهم في إيجاد حلول واقعية ممكنة لمشاكل هذا الشعب.

ولهذا فإن على المؤتمر أن يجد صيغة عملية لدور واضح لأهل الشتات في حل قضاياهم المتعلقة بدورهم في بلدان الشتات خاصة العربية منها ، وتبني قضاياهم ودراسة أوضاعهم المعيشية فيها وصولا إلى شكل مقبول لوجودهم يحفظ كرامتهم ويرعى إنسانيتهم ومصالحهم ويطمئن مستضيفيهم أن ليس من الأهداف إحلالهم محل سكان البلاد في الوظائف أو الأرض، بل وضع مؤقت حتى نصل إلى التحرير.

وعليكم أن تهتموا بدور الشباب الذين يشكلون الجيل الرابع بعد النكبة، والذين لا يعرفون عن #فلسطين إلا ذكريات ضبابية لدى أجدادهم وحكايات أسطورية لدى آبائهم. الجيل الذي لم ير بحر حيفا ولو أنه يغني له في كل أعراسه، ولا رأى غزة ولو أنه يبعث لها سلاما في كل مناسباته، ولا سجد على أرض الصخرة ولو أنه يشطر دعواته بين نفسه وبينها في كل صلاة.

الجيل الذي يشرب المرمية في كل كأس شاي ولا يعرفها إلا مغلفة في السوق، ويزين المائدة بالنرجس ولا يعرف إلا أن أصل أبصاله من براري الضفة، ويتناول زيت الزيتون في كل أطباقه ولم ير شجرته التي عصر منها في حياته.

بشاب يرتدي الكوفية ويفتخر بها ويحملها هوية له في كل المحافل. بصبية ترتدي الثوب الفلسطيني المطرز في المناسبات وهي لا تعرف أي أيد طاهرة طرزته. بشباب يدبكون على أنغام الدلعونا وهم يتغنون بالشهداء والأسرى أعمام آبائهم وأخوالهم الذين لم يروهم في حياتهم ولولا مواقع التواصل الاجتماعي لما عرفوهم أبدا!

نحن بحاجة إلى مؤسسات شبابية رائدة تستوعب الخلافات وتلعب على وتر الوحدة، وتستغل الاختلافات والتمايزات في نسج لوحة ملونة جميلة مفعمة بالحياة والإبداع

ولا ننس تأثير الربيع العربي على الشباب الفلسطيني وكل الشباب العربي وما وضع في نفوسهم من إحباط ونزوع إلى التطرف والعنصرية، مما يجعلنا بحاجة إلى مؤسسات شبابية رائدة تستوعب الخلافات وتلعب على وتر الوحدة، وتستغل الاختلافات والتمايزات في نسج لوحة ملونة جميلة مفعمة بالحياة والإبداع.

ومن أهم ما نطلبه إسقاط مفهوم الممثل الشرعي والوحيد لأي جهة -ولا أقصد بذلك منظمة التحرير خصوصاً- ذلك لأن هذه التسمية ترفع عمن أطلقت عليه المحاسبية وتجعله بعيدا عن القانون مهما أخطأ، وليكن عوضاً عن ذلك هيئة ممثلة للشعب بشتى أطيافه دون جعلها وحيدة أو ممثلة منفردة على الساحة؛ حتى لا يخوّن من يحاسبها أو يوقفها عند حدها إذا تجاوزت.

ونحتاج إلى إعادة كتابة للتاريخ الفلسطيني على مستوى لغة الخطاب العالمية وذكر الأحداث كما حصلت على أرض الواقع  وليس بتخيلات أو آراء أو وجهات نظر تحلل التاريخ.

إننا نواجه مشكلة حقيقية في أن الكثيرين -حتى من أشقائنا العرب- يتبنون الرواية الصهيونية للأحداث، مثل أن أهالينا اختاروا أن يبيعوا أراضيهم لليهود ولم يقاوموا، وأنهم خرجوا بمحض إرادتهم دون تخويف أو تهديد أو قتل أو تشريد. وهذا يحتاج إلى مؤسسات علمية تعتمد على الأساليب الحديثة والإحصائيات الدقيقة تأخذ الروايات ممن عاصرها، وتكتب القصص ممن عايشها ومن بقي من هذا الجيل الآن كبر سنه وهدته الليالي، وبالتالي فإن الوقت ليس في صالحنا وعلينا أن نسرع قدر الإمكان.

ولا يفوتكم وأنتم في ضيافة أحفاد السلاطين العثمانيين أن تشكروهم عنا وتترحموا على السلطان عبد الحميد آخر خليفة مسلم والذي دفع سلطانه ثمناً لفلسطين، وتجددوا شكركم لهم أن فتحوا أرضهم لكم في وقت أغلق فيه أقرب الأهل أبوابهم وقلوبهم في وجوه أشرافكم.

وأنتم هناك في رحاب إسطنبول العريقة عيشوا بما اصطحبتم من خيرات فلسطين، فلا تفطروا إلا بزيت زيتون من جنين، وزعتر من الخليل، بخبز طابون من بيت لحم، واشربوا شايا بمرمية من الجليل، وعند الضحى كلوا من برتقال يافا، وموز أريحا، وتمور الأغوار، وتغدوا سماقية غزاوية، ومسخناً من طولكرم، وحلّوا بكنافة نابلسية، وتعشوا دقة من بئر السبع، وجبنة نابلسية، وزيتوناً من كل فلسطين، وقبل أن تناموا يمموا نحو الأرض المباركة وقولوا عليك مني السلام يا أرض أجدادي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة فلسطينية

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …