الإمام حسن #البنا من أصل مصري، ولد في (المحمودية) سنة 1324للهجرة، لأسرة مصرية ريفية متوسطة الحال، وعرفت باسم الشهرة "الساعاتي".
تتلمذ البنا منذ نعومة أظفاره على يد والده الذي درس علوم الشريعة وكان يدرك الأهمية الإيجابية للاختلافات الفقهية بين أصحاب المذاهب المتعددة، فجعل كل واحد من أبنائه يدرس واحداً من المذاهب الفقهية، فكان المذهب الحنفي من نصيب البنا.
فهم مميز
تميز البنا بفهم واسع، وذكاء متقد، وذاكرة قوية، حيث أصبح سكرتيراً للجمعية الحصافية للبر وهو في عمر الثالثة عشر من عمره، وكان حريصاً على الصلاة وأداء الشعائر الدينية، يجيد فن الحوار والإقناع، تميز بالشجاعة الأدبية واللباقة في الأسلوب، وإضافة لذلك كانت لديه فكرة لتغيير النظم بما يتوافق مع رؤيته ومفهومه المعاصر للإسلام.
الإسلام عقيدة وعادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة وروحانية، ومصحف وسيف
للبنا فهمه الخاص لمفهوم الإسلام حيث كان يقول: "الإسلام عقيدة وعادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة وروحانية، ومصحف وسيف"، جامعاً بهذا التعريف جميع جوانب الحياة، ومستخدما كافة الأساليب والأدوات للخروج بتعريف شامل وغني ومعاصر للإسلام.
درس البنا مثل كل أبناء عصره في الكتّاب، اللافت في الأمر أنه لم يكن يحب الكتّاب كثيرا وكان ينتقل من واحدٍ لآخر، وكانت المدة التي قضاها في الكتاتيب قصيرة حفظ فيها نصف القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة، ثم انتقل للمدرسة الإعدادية رغم معارضة والده إلا أنه تعهد له بإتمام حفظ القران الكريم في المنزل مقابل ذلك.
لا عجب بشخصية قيادية أسست أكبر جماعة عرفها التاريخ واستطاعت الصمود لعمر طويل رغم كل ما لاقته من ويلات واضطهاد وتنكيل، لا عجب أن يكون ذا شخصية فذة متفوقة في كل مراحل الحياة، حيث عُرف البنا بتفوقه الدائم في دراسته، حصل على المركز الأول في مدرسة المعلمين وهو في السادسة عشر من عمره، وكان يحفظ ثمانية عشر ألف بيت من الشعر والنثر.
تخرج البنا من دار العلوم سنة 1927م، وقد حاز من العلوم: علوم الحياة ونظم الحكومات والاقتصاد السياسي واللغة والأدب والشريعة والجغرافيا والتاريخ.
"إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أمل خاص وأمل عام. فالخاص: هو إسعاد أسرتي وقرابتي ما استطعت لذلك سبيلا، والعام: هو أن أكون مرشدا معلما"، هكذا بدأ البنا موضوع إنشائه الذي طلب منه وهو طالب في دار العلوم وكان بعنوان "ما هي آمالك في الحياة بعد أن تتخرج؟"، كان واضحا ن فكرة تكوين جماعة الإخوان قد تبلورت في رأسه منذ دراسته في دار العلوم.
لم يكن غريباً على شخصية البنا ولادة مثل هكذا فكرة في رأسه، فمنذ كان طالبا في الإعدادية وحتى تعيينه مدرساً في مدارس الإسماعيلية لم يتوقف عن دعوته، وكان يصور الحياة الإسلامية على أنها بناء يقوم على أربعة أعمدة: الحكومة، الأمة، الأسرة، الفرد.
أبٌ ومرشدٌ
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في آذار/ مارس سنة 1928م، حيث كانت البيعة، وتأسست مدرسة التهذيب لحفظ القران وشرح السور وحفظ وشرح الأحاديث النبوية وآداب الإسلام، وصارت المدرسة مقراً للإخوان.
كان البنا يؤكد دائماً أن جماعته ليست حزباً سياسياً، بل هي فكرة تجمع كل الأفكار الإصلاحية، وتسعى إلى العودة إلى الإسلام واتخاذه منهجا شاملاً للحياة
كان البنا يؤكد دائماً أن جماعته ليست حزباً سياسياً، بل هي فكرة تجمع كل الأفكار الإصلاحية، وتسعى إلى العودة إلى الإسلام واتخاذه منهجا شاملاً للحياة، والتدرج في إحداث التغيير من خلال تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم ثم الحكومة المسلمة فالدولة فالخلافة الإسلامية وأخيرا الوصول إلى أستاذية العالم، والمقصود أن يكون الإخوان هم القدوة والقبلة التي يجب أن تتجه إليها الأنظار لتتعلم منها وتنهل منها.
بعيدا عن السياسة والجماعة، كان البنا ربّ أسرة بجدارة وتفان، كان يكتب بنفسه الطلبات التي يحتاجها المنزل كل شهر ويرسلها لصاحب البقالة ليوفرها، كان ماهرا في جعل أبنائه يطيعونه من غير أمر، أما مع زوجته فكان يفاجئها كل يوم بأنه زار أحداً يمتّ لها بصلة قربى واطمئن عليه، وحين كان يعود لبيته ليلا كان يحرص على دخول البيت بدقة وهدوء حتى لا يزعج أحدا من النائمين.
يقول أحمد سيف الإسلام الابن الأكبر للبنا: "إن ما يعلمه الناس من أمر البنا أقل بكثير من حقيقته، وباطنه أفضل آلاف المرات من ظاهره، هو شخصية واحدة داخل بيته وخارجه".
كان من عادة البنا أن يعتمد في تربية أبنائه الأسلوب غير المباشر، أسلوب التعريض وليس الطلب المباشر
كما كان البنا من عادته أن يعتمد في تربيته لأبنائه الأسلوب غير المباشر، أسلوب التعريض وليس الطلب المباشر، في رمضان كان في بعض الأوقات يطلب من بعض أبنائه أن يراجعوا له ما يحفظ من القران، وقد أدرك الأبناء لما كبروا أن هدفه كان تعليمهم من حيث لا يدرون كيف يتلون القرآن الكريم.
يصف الشيخ علي الطنطاوي البنّا قائلا: "عرفته هادئ الطبع رضي الخلق، صادق الإيمان طليق اللسان، آتاه الله قدرة عجيبة على الإقناع، وطبع الله له محبة في القلوب"، في حين يصفه الشيخ محمد الغزالي بكلمتين فقط "الرجل الفذّ".
للبنا العديد من المؤلفات والكتب أهمها: الوصايا العشر، مذكرات الدعوة والداعية، السلام في الإسلام، ومن الرسائل: رسالة المنهج، رسالة التعاليم، رسالة الانتخابات وغيرها من الكتب.
في الساعة الثامنة من مساء يوم السبت لعام 1949م، استقرت سبع رصاصات في جسد البنا رحمه الله أمام باب جمعية الشبان المسلمين، توفي بعدها بساعات في مستشفى قصر العيني، بتهمة وجهتها الحكومة آنذاك إليه بأن الجماعة كانت وراء اغتيال رئيس الوزراء النقراشي، علماً أن الهدف كان التخلص منه وتوجيه ضربة قاصمة للجماعة، التي استمرت وبقيت متصدرة المشهد الدعوي والسياسي حتى وقتنا الحالي، رغم كل المعوقات التي كانت وما زالت تواجهها.