إن الدعوة الصادقة هي طريق النجاة لكل شخص يعمل في ميدان البناء ونهضة الشعوب واستنارتها، وهذه الدعوة تطهر القلوب وتنير العقول وتسكن الأرواح بما يبعث على العمل والنشاط ونشر الخير والنصح بين الناس بالحكمة والموعظة الحسنة وفق مراد الله تعالى ومراد رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم.
ولاشك أن #التجرد في حياة العاملين في الحقل الإسلامي هو من أعظم الصفات الواجب توافرها في الأفراد قادة كانوا أو أنصارا ومؤيدين، والحكمة أنه ترجمة لحالة صدق مع النفس أولا.
وفي هذا المقال سنسبح في التجرد وأثره الطيب على الدعاة في حياتهم الدعوية.
إن التجرد كتعريف متعدد وكثير، لكن التعريف الذى أميل اليه بأنه: "التجرد من الأهواء المذهبية أو العنصرية أو القومية أو السياسية، بأن يخلص المرء نفسه لله".
وعرفه الإمام البنا رحمه الله: "أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص، لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها".
هذا بإيجاز شديد، ولذلك فمن الطبيعى أن يكون من ضمن صفات المسلم السليم العقيدة الصحيح العبادة، فهو لا غنى عنه في المسير إلى الله عبر طريق الدعوات. لكن هنا سؤال، لماذا التجرد هام في حياة الدعاة والمصلحين؟
التجرد هام في حياتنا، لأنه هو الداء والدواء لكل تقدم وتغير حقيقي
أولاً، لأننا نحيا مرحلة خطيرة في حياة الأوطان والدعوات والحركات الإسلامية على وجه الخصوص، وكمية المكر المركب بنا كسلمين بداية وكدعاة ثانيا هوله عظيم، ولا يجب أن يعبث الشيطان بنا وتتلوث النوايا والأفكار، ومن ثم فسيكون حظ النفس قائداً لنا دون شعور، لذا فالتجرد هو الداء والدواء لكل تقدم وتغير حقيقي.
الأمر الثاني، أننا في دنيا الناس الصفوف ممتلئة بالبشر، وكلهم يدعي صدقه وإخلاصه، وأنا والله لدي حسن ظن في الجميع، لكني لست ساذجا، والمقال ليس لإطلاق أحكام على أحد بقدر ما هو ترجمة لواقع نحياه، فالدعوات حتماً تنفي خبثها المعطل والمخون والمفسد رغم أنوفهم طال الزمان أو قصر، وحتماً سيتمحص الجميع ليبقى التقي النقي قائدا ناجحا.
وهنا ألفت نظر الجميع أن الشقاق والتخوين والعطل والكسل نوع من ضعف هذا الركن في النفوس والعقول والقلوب فلا زالت الوساوس تأمر وتنهى وهذا من كيد الشيطان بنا، ونجاحه ورسوبنا.
إن التجرد صفة من صفات الأنبياء، وهو السبيل القويم لثبات أصحاب الدعوات في مجتمع #التغيير الجاري من حولنا، والتجرد يعزز الثقة بالبناء والبنيان والمسير والمسار، خصوصاً إذا ظهر ممن يقود أو يوجه، فالتجرد عند القائد صمام أمن وأمان وحسن فهم، لذلك يجب أن يتجرد قلب الأخ تماما، هذا إن أراد النجاة.
وهنا لأستعير ما قاله الإمام أبو الحسن الندوي رحمه الله في حديثه للإخوان المسلمين ولكل العاملين في الحقل الدعوي: "من مزايا الأنبياء والدعاة إلى الله: التجردُ للدعوة والتفرغُ لها بالقلب والقالب، والنفس والنفيس، والوقت والقوة، فمن شأنهم أنهم يركِّزون جهودَهم ومواهبَهم ويوفِّرون أوقاتِهم وقواهم لهذه الدعوة ونشرِها والجهادِ في سبيلها، ويعطونها كلَّهم ولا يَضِنُّون عليها بشيء مما عندهم، ولا يحتفظون بشيء ولا يُؤْثِرون عليها شيئا؛ لا وطناً ولا أهلاً ولا عشيرةً ولا هوىً ولا مالاً، حتى تثمر جهودهم".
إن الطريق إلى التجرد شاق وطويل؛ كونه من أسمى الصفات والأركان الإيمانية في تكوين وتربية الشخص المسلم فضلاً عن الداعية الذي يحمل فكرا يسعى به لتعبيد الناس لرب العالمين، وتحرير الأوطان من كل مستعمر خارجي، ولنا في حياة الراحلين من الذين سبقونا إلى الله على هذا الطريق مواقف كثيرة نستخلص منها كم كانوا صادقين أنقياء أتقياء لا يرون في أنفسهم إلا دعاة للدين وأصحاب رسالة، مهما قابلهم هذا بمحن وضيق ومعسرات في الطريق.
فهذا يتمنى أن يلقى الله ويضرب برصاصة في صدره ويقول لولده: أخشى أن أكون ممن قال الله فيهم: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} فتأتيه رصاصة في نفس المكان الذي أشار إليه.
وآخر تسأله زوجته أن لا يخرج فالجو صعب والقتل على أشده بلا رحمة أو هوادة والأخبار تنشر فزعا وتخويفا، ولكنه قال كلمة سطرت بنور: "اليوم ليس يوم القعود"، فخرج فقتلته يد الظلم والخيانة فلقي ربه شهيدا مبتسما.
وهناك الكثير الكثير من هذه المواقف، والعبرة بالخواتيم، وهؤلاء الرجال سطروا بتجردهم لربهم وتجرد قلوبهم وعقولهم أسمى معاني الفخر والانتماء لنا كشباب لهذه المظلة الربانية.
ختاما أحبابي نحن من نحتاج التجرد لله ولدعوته؛ لأن فيها النجاة والفلاح، فلن نخلد في الدنيا، فالمرد إلى الله حتما ولن ينفعنا إلا عملنا وإخلاصنا وصدق قلوبنا وعقولنا {وكلكم آتيه يوم القيامة فردا}.
نحتاج أن تتجرد العقول للفكرة الصافية لتبعث على العمل والإبداع والتغيير
نحتاج أن تتجرد العقول للفكرة الصافية لتبعث على العمل والإبداع والتغيير.
نحتاج أن تتجرد الألسن لربها مسبحة له وناصحة لصالح المسلمين.
نحتاج أن نتجرد من أطماعنا بوضوح، وأن نعلي من قيم الرجوع للحق والاعتراف بالأخطاء.
نحتاج أن نتجرد في النصح بحرص، ويرفق كبيرنا بصغيرنا ويوقر صغيرنا كبيرنا في جو من الود والألفة، فنحن الذين تعانقت أجسادهم في الدنيا على طاعة الله، ونتمنى أن تتعانق الأرواح يوما في روضة المحبين ومكرمة الله لعباده الصادقين المتجردين له العاملين لدعوته في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك ومولاه.
نحتاج أن نتجرد ونلين لبعضنا سعيا في لم الشمل والشتات، فالكل خاسر ومجروح، وطال الانتظار، والله المستعان.