أجمل رباطٍ في الإسلام هو الذي يحكم علاقات الناس ببعضهم البعض، وهو رباط الحب الذي يُوجِد مجتمعاً متحاباً متآلفاً. على عكس ما يحتفل به بعض هذا الناس هذه الأيام بالأعياد التقليدية والمنقولة عن الغرب والتي تتعارض مع تعاليم الإسلام كعيد الحب أو ما يسمى الفالنتاين.
والحب في الله من مكملات حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ويعني حب الشخص الآخر له لأنه من خلق الله وفيه من سر الله لقوله تعالى: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" ولا يكون إلا لله دون أية مصلحة، وإنما طاعة لله وابتغاء لرضاه.
وإن للحب في الله ثواباً عظيماً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"( رواه الترمذي، وقال حسن صحيح). وفي الموطأ وصحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ".
يقول الداعية الإسلامي رمزي العرقان: "في الأساس الدين الإسلامي هو دين حبٍ وأمنٍ واطمئنانٍ وسلام، وتآلف، والحب في الله هو الحب الخالص لوجه الله تعالى، فلا تشوبه شائبة، إذ لا يقوم على مصالح دنيوية، لأنه علاقةٌ قائمة من أجل الله فيحبه لأخلاقه ودينه، أي أنها قائمة على الإخلاص لله فلا نفاق ولا رياء".
واستدل على ذلك من أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: "سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، أي أن العلاقة القائمة بينهما على محبة الله، لا يدخل فيها مال ولا جاه أو حسب ونسب، فكانت المحبة لطاعة الله وتجنبه لمحارمه، وطريقة معاملته وسلوكه.
وأوضح العرقان أن الحب في الله يوصل إلى محبة الله، ومحبة الله له تضع له القبول في الدنيا، ففي الحديث القدسي، يقول الله تعالى: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ".
وسائل وثمرات
وهناك وسائل كثيرة للحب في الله وتقوية هذا الحب، وقد أعلن عنها النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم! أفشوا السلام بينكم"، هذا بالإضافة إلى حفظ حقوق الآخرين، والصدقة والإنفاق والكرم، وعدم الاعتداء على حقوق الغير.
وحب الإنسان الصادق الخالص لوجه الله، له ثمرات وآثار طيبة يجنيها المتحابون في الله في حياتهم الدنيا والآخرة، ومن هذه الآثار محبة الله تعالى، فعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ"، كما أن أحبهما إلى الله أشدهم حبًا لصاحبه.
وتابع حديثه: "كما أنه من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة، ويكرمه الله بالإيمان، والعمل الصالح، وينعم عليه بكثير من النعم، لقوله عليه الصلاة والسلام: "ما من عبد أحبّ عبدا لله إلا أكرمه الله عز وجل"، كما أنه يجد بذلك طعم الإيمان، لقوله أيضًا: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".
ولفت إلى أن لهم في الآخرة مكانةً عظيمة عند الله، قريبين من عرشه، ولهم منابر من نور، ويغبطهم الأنبياء والشهداء، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الشهداء والنبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى، ومجلسهم منه"، فجثا أعرابيٌ على ركبتيه فقال: يا رسول الله صفهم لنا وجلِّهم لنا؟ قال: "قوم من أقناء الناس من نزّاع القبائل، تصادقوا في الله وتحابّوا فيه، يضع الله عزّ وجلّ لهم يوم القيامة منابر من نور، يخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء الله عزّ وجلّ الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
ضوابط الحب في الله
من جهته أشار الداعية الإسلامي عبد الباري خلة إلى أن هناك ضابطين تعرف منهما أن علاقتك بأخيك في الله أم لا، هما:
الأول: أن يزيد حبك له إذا زادت طاعته لله واستقامته على دينه، وأن يقل حبك له إذا خالف أمر الله وفرط في جنبه، فإن العلاقة القلبية التي لا تزيد ولا تقل بحسب القرب والبعد عن الله هي في الحقيقة هوى، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. ولا يكون لله محل في مثل هذه العلاقة، وإنما الحامل عليها هو الأنس بالصحبة والمشاكلة في الطباع والمشاركة في وجهات النظر.
الضابط الثاني: إذا حصل تعارض بين محبوب الله جل وتعالى ومحبوب الشخص فإنك تقدم مرضاة الله على من سواه، قال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.
حقوق وواجبات
وتطرق خلة الى حقوق وشروط التحابب في الله التي يجب توافرها حتى تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزعات الشيطان ويتقرب بها المؤمن إلى الله زلفى، وأشار إلى أن من هذه الحقوق:
- الحب والمناصرة والتأييد والمؤازرة ومحبة الخير لهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه».
- التواصي بالحق والصبر وأداء النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبيين الطريق له، وإعانته على الخير ودفعه إليه.
- القيام بالأمور التي تدعو إلى التوادد وزيادة الصلة، وأداء الحقوق، قال عليه الصلاة والسلام: «حقُّ المسلمِ على المسلمِ ستٌّ».قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه. وإذا دعاك فأَجِبْه. وإذا استنصحَك فانصحْ له. وإذا عطِس فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ. وإذا مرِضَ فعُدْهُ. وإذا مات فاتَّبِعْهُ» (رواه مسلم).
-من حقوق المسلم على المسلم: لين الجانب، وصفاء السريرة، وطلاقة الوجه، والتبسط في الحديث.
- من حقوق المسلم على المسلم: دلالته على الخير، وإعانته على الطاعة، وتحذيره من المعاصي والمنكرات، وردعه عن الظلم والعدوان.
- تقديم الهدية والحرص على أن تكون مفيدة ونافعة، مثل إهداء الكتاب الإسلامي، أو الشريط النافع، أو مسواك أو غيره.
وختم الداعية خلة حديثه بأن #المحبة تكتمل بين المؤمنين في صورة عجيبة ومحبة صادقة عندما يكونان متباعدين، وكل منهما يدعو للآخر بظهر الغيب في الحياة وبعد الممات، قال صلى الله عليه وسلم: «دعوةُ المسلمِ لأخيه بظهرِ الغيبِ مُستجابةٌ. عند رأسِه ملَكٌ مُوكَّلٌ، كلما دعا لأخيه بخيرٍ قال الملَكُ الموكلُ به: آمين. ولكَ بمِثله».