تعاني مجتمعاتنا اليوم من حالة من الجمود العاطفي والبرود وغياب السكينة، مما يؤثر بشكل سلبي ومباشر في مستقبل البيت المسلم الذي هو أساس البناء المجتمعي.
ونظراً لأن الأمة تتعرض لهجمة شرسة، فإنها تحتاج لبناء داخلي متماسك؛ كي تستطيع عبور أزمتها المعاصرة، والخروج من حالة الغياب الحضاري والشهود المنوط بها، لتبني حضارتها الخاصة، بل وتقود بها العالم وترتقي لتأخذ بمقاليد الأمور بما تحمله من مؤهلات تتيح لها تلك المهمة إن هي انتبهت وأدركت حجم ما تحمله من منهج يهتم بأدق التفاصيل التي تبني إنسانا كامل الأهلية لريادة ذاته وقيادة غيره.
وما ينقصنا اليوم هو تلك التربية التي تنبه كل فرد من أفراد العائلة بواجباته الخاصة تجاه الآخر؛ كي يكتمل ذلك البناء ويكون المحضن المناسب للقائد المحرك والجندي الواعي، وفي خضم حالة الاستبداد القائمة في بلاد المسلمين والتي اضطرت الجميع لأن يدور في فلك مستقل عن الآخر في سبيل الحصول على لقمة العيش تارة، أو بحجة القسوة من أجل التربية تارة أخرى، صار أفراد #الأسرة الواحدة عبارة عن جزر متفرقة، كل فرد فيها له عالمه الخاص بعيدا عن الآخر، بعيدا عن الدفء والأمان والتوجيه الراشد والتربية المناسبة، فازدادت الفجوة اتساعا، وازداد الأفراد بعداً عن ذلك الهدف المنشود المتمثل بإحياء الأمة.
ما ينقصنا اليوم هو تلك التربية التي تنبه كل فرد من أفراد العائلة بواجباته الخاصة تجاه الآخر؛ كي يكتمل ذلك البناء ويكون المحضن المناسب للقائد المحرك والجندي الواعي
والد متجهم
يعود من عمله بخطوط معوجة على جبينه، لم يُرَ مبتسمًا سوى مع الأصدقاء أو زملاء العمل، أما في البيت فهو يحسب أن الابتسامة ضعف ومفسدة للأبناء، فيتجهم ويكشر عن أنيابه تربية لهم من وجهة نظره، يتجنبه الأبناء، بل ويتخفون منه حتى يخرج من البيت فيصير فرحًا وراحة وتنفسًا، فلا أحد يتنفس بصوت، ولا يطلب منه احتياجاته الخاصة، والخطأ عنده غير مسموح، ولا يسمح بأي نوع من أنواع الترفيه أو الصداقات.
وإن حدث شيء من هذا فليس هناك سوى العصا، والصوت المرتفع، والإذلال الغير مبرر، ثم ينتهي الأمر بفجوة رهيبة لا تضيق أبدًا بين الأب وأبنائه، علاقة فيها نوع من الاستعباد الذي يغرس فيهم الجبن والخوف والقهر وقبول الاستكانة والإذلال والانبطاح، فينشأ فتىً طيعًا في يد المستبدين قابلاً لأن يكون شبه إنسان، أو إنساناً مشوهاً.
زوجة عنيدة مكتئبة متسلطة
هو عائد من عمله، تعب، مرهق ذهنيًّا وعصبيًّا، المتطلبات أكثر من قدرته على سدادها إن هو غفل قليلًا أو إن لم ينتبه لعجلة الزمن الدائرة حوله، تلك التي تدور وتأتي كل يوم بجديد، عائد يتلمس القليل من الهدوء النفسي والبدني حتى يستطيع المواصلة من عمل لعمل آخر.
وهي، لم تعد تلك البلسم الهادئ المهدئ، بل انضمت لمنظومة المنغصات في الحياة، أصبحت عونًا لها عليه، سببًا من أسباب التكدير لا الصفو، وعونًا على المواصلة..
أصبحت عائقًا لا دافعًا، فهي لم تعد منه، بل أصبحت عليه، تردد عليه العبارات التالية:
أريد المزيد
لم يعد يكفيني
أولادك،
جيرانك،
أمك،
تأخرك،...،
هي لم تعد تلك المحبة الشغوفة الملهوفة على حبيبها، الذي يعمل في خدمتها ليل نهار، هي لم تعد تدرك أنه جنتها ونارها فصار للبيت كارها، منه هاربا، يستثقل ساعات الراحة ليعدو هاربا في أول فرصة، يصمت ثم هو في النهاية يستسلم لتصير الحياة جليدا لا يطاق.
زوج مشغول
ترك أمر البيت كله عليها، نعم.. هو في عمله ولديه مسؤوليات، لكن الزوج ليس جابيًا للمال فقط، الزوج احتواء، دفء، أمان، ومعين على الاستمرار والتحمل، ولن يتم تحقيق أي من هذا كله إلا بالتواجد، قلبًا وقالبًا، روحًا وجسدًا، يعلم كل صغيرة وكبيرة في البيت الذي هو راعيه ومسؤول عنه، يشارك بعض الأمور، يسأل ويبحث ويراقب، يدفع بكلمة طيبة، يشجع بابتسامة، يربت على الجميع بقدرته التي حباه الله بها، فيحتوي هذا، ويضم ذاك، يكون حضوره راحة واستقرارا وملاذا للصغير والكبير.
أمومة غائبة
فتاة في مُقتَبَل الحياة تبحث عمن يعلمها كيف هي الاستقامة، وكيف هو الحب، وكيف هي الحياة، تبحث في البيت عن أم تحتوي بحضن، ومتابعة، أو حتى قسوة، فلا تجد، فالأم دومًا مشغولة، ربما هي تعمل في سبيل البحث عن حياة أفضل لهم، إما مشاركة لزوجها، وإما بديلًا عنه إن لم يكن موجودًا لسبب ما!
تبحث الفتاة فلا تجد سوى أمٍّ متعبة، مرهقة، ليس لديها استعداد للاستماع، وتحسب أنه لمجرد أنها متعبة فيصبح لزامًا على ابنتها، أو أبنائها أن يصيروا كما تريد، متناسية أنهم كيانات إنسانية وليسوا آلات تدار بآلة تحكم، يبحثون فلا يجدونها، من العمل الخارجي إلى صفحات الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي لتحكي وترحب وتصاحب وتبتسم وتعلق ثم هي لا تطيق كلمة من ابنتها التي تقاطع تلك الجلسات لأمر يخصها، فيكون البحث في مكان آخر، وفي الأغلب هو غير آمن، فتضيع الفتاة، ويتوه الفتى.
ولد فاسد
مُنْهكَانِ هُمَا من أجله، تعبَا كثيرًا، وبذلَا كثيرًا، ودلَّلا كثيرًا، وكانت كل رغبتهما في الحياة أن يكون إنسانًا صالحًا نافعًا لنفسه ولغيره.
هو كنز، هكذا أرادا له، هو كل ما ادَّخراهُ معًا للزمن؛ كي يكون سندًا لهما في وقت ضعف، بذلت صحتها وبذل هو كل ما يملك، أب وأم ليس لهما بعد الله غيره..
لكن للأسف، نشأ هو والجحود في بؤرة واحدة، كان يأخذ وينكر الأخذ، يبذلا ويطلب المزيد، يتمنيان الرضا ليزداد تمردًا، فيصيرا ليلهما دموعا ونهارهما حيرة.
داعية ضيق الأفق
#الداعية هو صمام أمان المجتمع، إن صلح واقترب وتفهم وأخلص لله، أصلح الله بين يديه، وجمع القلوب عليه، وأصلح له وبه، وهناك من الدعاة نراهم في كل زمن، يكونون عامل هدم لا عامل بناء، يصدون الشباب عن الالتزام بسوء خلقه، وضيق أفقه، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم، والتشديد على الناس، والتهوين من أمور هي لُبُّ الدين. فضيق أفق بعض الدعاة في عدم معرفة طبائع الناس ومعاملة كل إنسان بما يفهمه ويتناسب مع شخصيته؛ يكون داعيًا لأن ينبذ هؤلاء الفكرة كلها، ويبتعدون عنها.
معلم أحمق
والمعلم الذي لم يعد همه سوى جلب المال بأي وسيلة، فهو في داخل فصله الدراسي لا يهتم سوى بمن يتلقى عنده الدروس الخصوصية، ويهين من لا يفعل، ليصير محل احتقار وتهوين من شأنه أمام طلابه، فلم يعد قدوة، أو مصدرًا للتعلم إلا بالسلب.
وهكذا، كل فئات المجتمع بعضها تجاه البعض، فهناك علاقة الجار بجاره، وعلاقة القريب بالقريب، والطبيب بمرضاه، وغيرها من العلاقات الإنسانية المتشعبة..
الكل يلقي باللوم على الآخر
الكل لم يعد يعرف كيف يتعامل مع الآخر إنسانيًّا
الكل يدعي أنه لا يجيد لغة الحب وينتظرها من الآخر
الكثير يتعلل بأنه لا يجيد لغة الحب، مع أنه يعلم أن نظرة العين، ولهفة القلب، وحنان الصوت، ودفء اللمسة، ورقة الطبع، هي لغات كثيرة سوف يعلمها لك الحب، فقط إن كنت صادقًا
الكثير يتعلل بأنه لا يجيد لغة الحب، مع أنه يعلم أن نظرة العين، ولهفة القلب، وحنان الصوت، ودفء اللمسة، ورقة الطبع، هي لغات كثيرة سوف يعلمها لك الحب، فقط إن كنت صادقًا.
ما أشد احتياج مجتمعاتنا إلى #الحب والترابط والاندماج والفهم والاستيعاب الإنساني، والتعبير لمن نحبهم عن حبنا لهم بالطريقة الصحيحة التي تعبر عن تلك المشاعر الصادقة المفتقدة، اهتمام الوالد ليس مالاً يبذل كمصرف ثم يمضي لحاله، حب الأم ليس طعاما وشرابا وملبسا نظيفا، الولد تجاه والديه روح لهما لا يغنيهما عن بره أموال الدنيا مجتمعة، الداعية الإنسان والمعلم القدوة، كلها نماذج نحتاجها لبناء مجتمع وأسر متينة تصلح للمهمة الكبرى، فهل من قلوب تعي؟