الفردُ المُصْطَفى انتخابياً وسؤال اختيار الفريق

الرئيسية » بصائر الفكر » الفردُ المُصْطَفى انتخابياً وسؤال اختيار الفريق

من سنن الله سبحانه في الأمم والجماعات والمؤسسات أن تكون هناك ثلة تتكفّل بالقيادة والإدارة في كل تخصّص من تخصّصات الشريعة والحياة، تنفذ خططها، وتدير شؤونها، وترعى مصالحها بكل أمانة وصدق وإخلاص وتفانٍ؛ ففي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كانت هناك (أمَّة):{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}، وفي طلب العلم وتبليغه للناس؛ كان هناك (نفر): { فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}، وهكذا في كل تخصّص ومجال لا تستغني عنه الأمَّة أو الجماعة أو المؤسسة في إدارة شؤونها وتنفيذ منهجها وتحقيق مشروعها، ولتحقيق ذلك كانت الانتخابات السبيل الأمثل لاختيار الرّجل المناسب في المكان المناسب، عبر الاقتراع العام أو المباشر أو السرّي.

وأعتقد -في أغلب الحالات- أنَّ نتائج الانتخابات داخل المؤسسات التربوية والدعوية أو غيرها، تعدُّ بمثابة اصطفاء من القاعدة الانتخابية لهذا الفرد أو الثلة التي حصدت أعلى الأصوات، ومن ثمَّ، فإنَّ هذا الاصطفاء ما كان ليتم لولا تميّز هذا الفرد أو الثلة بمجموعة من الخصائص والصفات أهّلت أصحابها لهذا الاختيار أو الاصطفاء، فالاصطفاء هنا اصطفاء كسبي، جاء نتيجة ما يتمتع به الفرد من أمانة وصدق وغيرها من الصفات الخُلقية، من جهة، أو ما يمتلكه من خبرات وقدرات أو سبق أو تجارب ومهارات من جهة أخرى.

وللاصطفاء حينها من معناه اللغوي نصيب وافرٌ؛ فالاصطفاء في اللغة تناوُل صَفْوِ الشيء كما أنَّ الاخْتِيار تناول خيْرِه أنْ تأخذ أصْفى ما في الشيء اصطِفاء وأنْ تأْخذ أَخْيَر ما في الشيء اخْتِيار، وصَفْوَة الشَّيء ما صفا وخلص.

نتائج الانتخابات داخل المؤسسات التربوية والدعوية أو غيرها، تعدُّ بمثابة اصطفاء من القاعدة الانتخابية لهذا الفرد أو الثلة التي حصدت أعلى الأصوات

ومن سنّة الله اختيار ثلة من عباده ليكون أنبياء ورسلاً، أو لأداء مهمَّة ثقيلة، أو لتشريف ورفع مكانة، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ}، وقال تعالى:{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}.(فاطر:32)، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}.(آل عمران: 33)،وعن السيّدة مريم عليها السلام، قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ}.(آل عمران:42).

 

ويتضح جليّاً - ممّا سبق - أنَّ الاصطفاء قد يكون وَهْبياً من الله سبحانه، وقد يكون كسبياً يناله الفرد بما يتمتّع به من صفات وبما يمتلكه من مهارات وخبرات، وفي كلا الحالتين، فإنَّ الاصطفاء أمانة، وحملٌ ثقيل ومسؤولية كبيرة، وإنْ كانت في عُرف بعض النّاس اليوم ضربٌ من الوجاهة والشرف، وفتحٌ جديدٌ لمزيد من الامتيازات والمكاسب واقتناص الفرص، فمن اصطفاه الأفرادُ ضمن عملية انتخابية ليقود مؤسساتهم ويدير شؤونهم فهو على ثغرة كبيرة يُنتظر منه العمل الجاد وحسن الإدارة والتخطيط والتنفيذ والتطوير والتعامل الأمثل مع المستجدات والمعطيات لخدمة المؤسسة التي اصطفاه أفرادها ليكون مسؤولاً مباشراً عنها.

سؤال الاصطفاء:

الفردُ المصطفى في العملية الانتخابية رئيساً أو مسؤولاً لإدارة المؤسسة، لا يمكن أن يؤدّي دور الإدارة والإشراف والمتابعة وغيرها بمفرده، فقد يحتاج إلى فريق عمل أو نخبة من المستشارين أو ثلة من الحواريين - الذين أُخْلِصوا ونقوا من كل عيب- يساعدونه على أداء المهام، ويُوكل إليهم مجموعة من الأقسام أو الإدارات للإشراف عليها وتسييرها، وهنا يتعيّن عليه أن يكون أميناً في اصطفائهم، ودقيقاً في اختيارهم، وقوياً في فحص خبراتهم وقدراتهم، لأنَّ ذلك يرجع إليه انطلاقاً من خبرته وفراسته ونظرته للعمل والأفراد، وليس إلى عملية اقتراع وانتخاب التي لها طريقتها وأسسها المعروفة.

هذا الاصطفاء ما كان ليتم لولا تميّز هذا الفرد أو الثلة بمجموعة من الخصائص والصفات أهّلت أصحابها لهذا الاختيار أو الاصطفاء

إنَّ سؤال #الاصطفاء والاختيار للأفراد الذين سيشاركون الفرد المُصْطَفى - انتخابياً- في إدارة المؤسسة مهم جدّاً، ولا تقلّ أهميته عن سؤال الاختيار والاصطفاء في العملية الانتخابية، خصوصاً إذا غُيّبت المعايير الدقيقة في اصطفاء فريق العمل، وتمّ اللجوء إلى معايير جانبية أو هامشية أو شكلية بعيدة كل البعد عن معايير الأهلية والكفاءة، بحيث يُقصى فيها أهل الخبرة والاختصاص.

وأعتقد أنَّ مسؤولية الفرد المُصطفى مهمّة جليلة وخطيرة، تتطلّب منه وضع مواصفات واتخاذ معايير وضوابط لاختيار فريق عمله؛ حسب التخصّص والكفاءة، وحسب طبيعة عمل المؤسسة وخططها وأهدافها وواقعها والمرحلة التي تمرّ بها.

معالم الاصطفاء:

في القرآن الكريم نجد أنَّ هناك مجموعة من الملامح والمعالم لاصطفاء الأفراد في تأدية المهام والمشاركة في إدارة المؤسسة وتنفيذ البرامج والخطط، على الفرد المُصْطَفى – انتخابياً - أن يأخذ بها لاستكشاف الطاقات الكامنة في الأفراد وتفجيرها والاستفادة منها، والإعداد والتأهيل والتطوير الأمثل للأفراد قبل إيجاد المنصب ثمَّ البحث له عن فرد يشغله!

إنَّ الاصطفاء أمانة وحملٌ ثقيل ومسؤولية كبيرة، وإنْ كانت في عُرف بعض النّاس اليوم ضربٌ من الوجاهة والشرف، وفتحٌ جديد لمزيد من الامتيازات والمكاسب واقتناص الفرص

لا يمكن أن نضع في هذه الأسطر حدوداً للمعالم التي يقف عندها الفرد المصطفى لاختيار فريق عمله، وإنما يمكن أن نعطي بعض الملامح المستقاة من كتاب الله الكريم، وهي مبثوثة ومتعدّدة الألوان والصور في آيات الله سبحانه في الآفاق والأنفس، وفيها الزاد والعبرة لمن ألقى السمع وهو بصيرٌ شهيد:

أولاً: الإخلاص والطاعة والصبر : قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. (السجدة:24). {لما صبروا} فيه تكميل القوَّة العملية.{وكانوا بآياتنا يوقنون} تكميل القوة العلمية. وهناك تلازم في الآية بين القيادة والقدوة وبين تحقيق الصبر واليقين، قال سفيان الثوري: (لا ينبغي للرَّجل أن يكون إماماً يُقتدى به حتّى يتحامى عن الدنيا).

ثانياً: القدرة على تحمّل المحن والابتلاءات: قال الله سبحانه:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}. (البقرة:124).

ثالثاً: القوّة والأمانة: قال تعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}. (القصص:26). القوَّة في المعرفة والتخصّص وفي أداء العمل على أكمل وجه، والأمانة الشعور بالمسؤولية وتأدية المهام بإخلاص، وعدم استغلال الموقع لجرِّ منافع شخصيَّة.

رابعاً: الإيجابية والهمّة العالية والمبادرة والترفُّع عن حُطام الدنيا: قال سبحانه:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}. (يس:20).

خامساً: مجاهدة النفس والهوى، وإنكار الذات، وحبّ الخلق وخدمتهم: قال عزّ وجل:{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرِينَ}.(القصص: 86).

يتعيّن على الفرد المصطفى أن يكون أميناً في اصطفاء فريق عمله، دقيقاً في اختيارهم، قوياً في فحص خبراتهم وقدراتهم

سادساً: النأي بالنفس عن التنافس والتصارع على المسؤوليات: قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.(القصص:83).

سابعاً: الأمانة والعدل والإنصاف، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. (النساء: 58).

ثامناً: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}. (يوسف: 55). جاء في تفسير السعدي: (حفيظ للذي أتولاه، فلا يضيع منه شيء في غير محله، وضابط للداخل والخارج،عليم بكيفية التدبير والإعطاء والمنع، والتصرّف في جميع أنواع التصرّفات).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …