عزيزي القارئ، لنقف معًا عند هذه الحكاية لنرى ما العبرة المستفادة منها؟
ذهب ثلاثة من العلماء من بغداد للحج، فلما كانوا بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم وجدوا حلقة في المسجد فيها رجل ضرير يقصُّ ويعظ ويروي الأحاديث الموضوعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
أبو القاسم البغوي، أحد هؤلاء العلماء، اقترح على رفيقيه أن يمضوا إليه لينكروا عليه ذلك ويمنعونه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال له رفيقه ابن الأكفاني: يا أبا القاسم، إن كلامنا لا يؤثر مع هذا الجمع الكثير، والخلق العظيم، ولسنا ببغداد فيعرف لنا موضعنا، ونُنْزل منازلَنا.
لقد بيّن ابن الأكفاني العوائق التي تقف أمام إنكارهم لهذا #المنكر، ولكن هل كان يعني أن يمتنعوا عن إنكار النكر!!
بالطبع لا، فقد كان عنده اقتراح عملي للقضاء على المنكر وإيقافه، فماذا كان اقتراحه؟
كان معهم أبو بكر الأدمي، وكان مقرئًا، من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وأجهرهم بالقراءة، فقال له ابن الأكفاني: استعذ واقرأ.
فما هو إلا أن ابتدأ بالقراءة حتى لفت نظر الناس بجمال صوته وجودة قراءته، فانفضوا من حلقة الواعظ الكذاب، وتركوها وجاؤوا يسمعون القرآن بقراءة الأدمي هذا، وتركوا الواعظ الضرير وحده.
وهكذا نجحت الخطة، وتم إيقاف جلسة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة الذكية.
ما العبرة التي نستفيدها من هذه الحكاية؟؟؟
أسهل طريق لتغيير المنكر يكون بتقديم البديل الصحيح عنه
في كثير من الأحيان نرى المنكر، ونريد إنكاره، ولكن ذلك يصطدم بعقبات كأداء، وهذه الحكاية تفيدنا أن أسهل طريق لتغيير المنكر يكون بتقديم البديل الصحيح عنه.
لقد كان علماؤنا يقولون عن عملية التربية أنها تشمل التخلية والتحلية، والتخلية هي إزالة الأخلاق الباطلة، والتحلية هي التحلي بالأخلاق الحسنة، وقد قالوا ذلك عن تجربة، إذ الفراغ ضعف، فإن أبعدت شخصًا عن منكر كان فيه، وبقي فارغًا فسيعود له ما لم تقدم له ما تشغله به .
دورنا كدعاة لا يقتصر على إنكار المنكر، بل يجب أن نقدم للناس البديل الذي يلبي لهم حاجاتهم، حتى ينجح عملنا
أذكر أن المشايخ قديمًا عندما كانوا يهاجمون الأغاني الهابطة، وكان الفن الإسلامي يحبو في أول مراحله، ولا يقدم للناس بديلًا يلبي رغباتهم، كانت الاستجابة لهذا الإنكار ضعيفة، وعندما تحسن أداء الفن الإسلامي، تحسنت الاستجابة وابتعد كثيرون عن الفن الهابط؛ لأنهم وجدوا البديل.
دورنا كدعاة لا يقتصر على إنكار المنكر، بل يجب أن نقدم للناس البديل الذي يلبي لهم حاجاتهم، حتى ينجح عملنا.