"أنا أشعر معك بالثقة والأمان" عفوا، هذه ليست عبارة من فيلم سينمائي أو مسلسل اجتماعي، لكنها كلمة تقولها الفتاة في مرحلة الخطبة ونعرفها فى الإرشاد الأسري بأنها تمام الرضى والحب والوفاء وصدق التعلق، لكن لماذا أستعيرها الآن فى هذا المقال؟!! لأنني وبوضوح شديد أتكلم عن ما يشابه الأمر أو الشعور لكن في معرفة أخرى أو ركن آخر وهو الثقة مع فارق الميول أو الموقف عموماً.
لكن المشترك بينهما شيء كبير وهو العاطفة، وهذا أمر كاف للمقارنة.
إن الثقة فى الحركات والدعوات الإسلامية تعبر عن مكنون قوي لمتانة البناء وصحة المسير وحسن المنهج والطريق وهي بلا شك ترجمة في المقام الأول لحالة حب وإجلال ووقار في من يقود أو يوجه أو ينصح أو حتى يصحح مسار أفكار عقلية ترسخت منذ القدم، وحتى لا نغرد بعيدا أو ندغدغ المشاعر بكلمات عاطفية أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع نعرّف الركن من منظور دعوي وعلى لسان الإمام المؤسس "حسن البنا" عليه سحائب الرحمة:
(وأريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه، اطمئناناً عميقاً ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}).
البعض حول ركن الثقة لقرآن وسنة وجعله شيئاً مقدساً فى مسير العاملين فى الحقل الدعوي والحركي
هذا هو تعريف الرجل الذي أسس أكبر كيان إسلامي جامع، لكن من المتعارف عليه أن الثقة عبارة عن ثقة متبادلة بين الصف والقيادة، فالصف بحاجة لقيادة بناءة يتواصل معها ويثق فيها ومن ثم ينفذ توجيهاتها، والقيادة بحاجة لصف واع ملم بفكرته ناصح لهم مذكر واثق فيهم لكن السؤال: لماذا الآن الحديث عن هذا الركن؟ أقول وبمنتهى الوضوح: لأن البعض حول ركن الثقة لقرآن وسنة وجعله شيئاً مقدساً فى مسير العاملين فى الحقل الدعوي والحركي.
إن التفكير في التغيير لبعض السياسات، أو تطوير العمل، هو لا يتنافى أبداً مع هذا الركن، بقدر ما هو تقدير عالٍ في القيادات؛ لأن الأمر مسؤولية ثقيلة والتخفيف عنها طوق نجاة لهم. ويدخل فيها تغيير من لم يفلح منهم أو لم يحقق المرجو والمأمول من قبل إخوانه، لأن مصلحة الدعوة وأفرادها فوق كل اعتبار.
البعض حول الثقة في القيادات إلى معيار للإيمان بالفكرة نفسها أو العداء لها وهذا لغو لا يجب الرد عليه
طبعاً.. أنا هنا لا ألمح أبدا للطعن لكن أتحدث بشكل صريح فالقيادات نفوس بشرية، وهنا سيكون الرد وهل أخبرك أحد أنهم ملائكة؟ والجواب: طبعا لا، لكن البعض حول الثقة في القيادات إلى معيار للإيمان بالفكرة نفسها أو العداء لها وهذا لغو لا يجب الرد عليه.
والسؤال الآن الذي يفرض نفسه سواء من تلقاء نفسه أو من طرح البعض له، ما هي القيادة التي نريدها؟ وبلا شك فالسؤال ثقيل جدا لكن أقول، أن الأثقل منه هي المسئولية والأمانة التي تضيع مع رغبات البعض – أحياناً-!
إن القيادة الحقيقية التي نريدها جميعا ونرجوها هى نفس بشرية تواقة للخير والعمل والبناء والتواصل والاستيعاب.
نريد قيادة ربانية بمحراب الفهم والعمل، وبارعة فى الوصول للقلوب والعقول، ومن ثم فالثقة بها فخر وشرف.
نريد قيادة ربانية نثق في علمها وفهمها، ونثق في المصارحة معها، وتضم الصف إلى قلبها وعقلها وتئن له كأنين الأم المجروحة التي فقدت ولدها في سوق البيع والشراء.
نريد قيادة نثق فيها ثقة مبصرة نحاسبها ونسحب منها هذه الثقة إن أخطأت، وتعي التاريخ والواقع وتلبي طموحات أبنائها بالبناء القويم المتين الصلة ببعضه الوثيق برابطته المحب لشبابه المقدر لنسائه ودور كل قالب فى هذا الصرح الرائد.
نريد قيادة تحدثنا عن فهم النبي عليه السلام وصحابته الكرام للقصاص والعدل وشمولية الفهم. لا قيادة ترفع راية الاستكانة والخنوع
نريد قيادة تحدثنا عن فهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام للقصاص والعدل وشمولية الفهم. لا قيادة ترفع راية الاستكانة والخنوع بدعوى زائفة.
نريد قيادة ربانية على خطى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في احتواء الشباب وتوظيفهم .نريد قيادة نثق فيها وتثق فينا وتقبل الأعذار وترحب بالأفكار وتعلن أنها أخطأت، في حال وقوعها في الخطأ، وتحاسب من قصر وتهاون أو كذب أو ضلل ولو بحسن نية.
نريد قيادة شابة يافعة تعلي من قيم الإصلاح على أساس الفهم والعمل، وتفتح أبواب الحياة الفكرية والثقافية عبر نوافذ التغيير والتحديث . نريد قيادة تصارح الشباب ولا تخفي عليهم أو تقلل من شأنهم .ختاما.. إن الثقة الحقيقية هي التي تبني وتشيد صرحاً صحيح الفهم والفكر، وتتغلل في القلوب والعقول والأرواح لتصبح مهجة للسالكين في هذا الدرب.
وأؤكد على أمر ثابت عندي يعلم الله كم أحب الأفراد قيادات كانوا أو صفاً، لكن حبي للحق أعظم وأجل، لذلك سأظل ناصحا مذكرا كاتباً لعلي أجد آذاناً صاغية.
فاللهم ارزقنا قيادة على درب نبيك محمدا -صلى الله وعليه وسلم- ووفق كل من يسعى للتغيير والتطوير وارزقه الإخلاص والقبول.