صعوبة كلمة "آسف" ليس منشؤها دائماً كبرياء صاحبها وتكبره عن التفوه بها. أحياناً وربما كثيراً يكون منشؤها ثقل وطأة الخطأ على نفس المخطئ، ورهافة حِس لا بلادة شعور هي التي تعقد لسانه بدل أن تطلقه. فاللسان الذي أثقلته الأوجاع تخرسه، وكم من قلب يموج بالأسى واللسان عاجز عن مجاراته، فهو ساكت عجزاً وغماً لا تكبراً ولا قلة اكتراث، وقد يبكي فيه من الألم كل شيء سوى عينيه!
أحيانا ينعقد اللسان عن لفظة "آسف" لأن حجم ما يعتمل في النفس من أسف ببساطة لا تسعه تلك الحروف الأربعة . لذلك من الظلم تحجير صورة #الاعتذار الوحيدة وتجلي الأسف الأوحد في نطق اللسان بتلك الأحرف الأربعة، فما قبل ذلك من بادرات وما بين ذاك من معاناة لا اعتداد به! ولو أن القلوب أصغت حق الإصغاء، وتجرّدت بعون الله من غل القلوب وكبرياء الأنفس، لبلغها من آيات الاعتذار من قلب صادق ما لن تعود معه بحاجة لتسمع بالأذنين ما صافح القلب في شوق من عَوْد جميل، وإن بخطوات خَجلَى. ولسمعت رسائل الرجاء المتكررة، تترقب بلهفة إذن المرور لتطرق الباب!لو أفاقت #القلوب من أخذة الغضب وسطوة الغِل وحدّة النفس، لرأت الكثير الكثير مما لا تسعه حروف أربعة. لرأت أن في تلك النظرة الخجلى من طفل يناولها ما طلبت، ترقب الولهان لبادرة ترحيب ليلقي بنفسه بين أحضانها باكيا بدموع كل واحدة أصدق من أختها في الاعتذار. ولرأى زوج في سَكَنات زوجته وهي تضع له طبقه في ترقب متوجس، لهفة مشفقة من وطأة الشرر من عينيه ترجو الإذن بأن تنحني لتقبل رأسه ويديه! ولرأت زوجة في الوردة الصغيرة التي يدسها لها زوجها، وفي خفوت نبرته أو سكوته حين تحتد في وجهه إكراما لخاطرها، رسولاً من قلبه يرجوها السماح لكن الكلمات اختلطت عليه فلم يدر كيف يُبين كما تريد.
إن القلب الآسف حقا لهو من أشد القلوب تعثراً في التعبير عن أسفه، فهو يستقل "الآسف" لأنه في حقيقته أسى وليس مجرد أسف، ويتراجع كسيراً في وجه ما يرى من زوابع تصد قاربه الصغير كلما همّ صادقا أن يخوض لُجَّة الاعتذار
إن القلب الآسف حقاً اجتمع عليه الخطأ والألم، فصاحبه يعاني من خطئه أشد من معاناة المخطَأ في حقه. إن القلب الآسف حقا لهو من أشد القلوب تعثراً في التعبير عن أسفه، فهو يستقل "الآسف" لأنه في حقيقته أسى وليس مجرد أسف، ويتراجع كسيراً في وجه ما يرى من زوابع تصد قاربه الصغير كلما همّ صادقا أن يخوض لُجَّة الاعتذار. فبقدر ما يكون على المخطئ حِمل الاعتذار وتَبِعة الإيلام، يكون على المُخْطَأ في حقه كِبر التمنّع وإثم الصُّدود، حتى لا يدع لصلح موضعاً ولا لمتذلل كرامة، كأنه هو نفسه لم يكن من قبل في لُجة، يتلهف بارقة أمل ليبحر نحو قلب قد آلمه!
ألا فليترفق كل منا بقارب صاحبه، فإن لُجة الاعتذار كلها وَحْشَة وانكسار، فلا تجمع على صاحبك وَحشة وظلمة وانكساراً وإذلالاً ، ودع له سراجاً يدله على مدخل لقلبك حين يَضِل به السبيل وتُعجِزه حيل الوصول؛ لأنك يوما ما لابد محتاج ذلك السراج لتخوض تلك اللجة العاتية، وبقدر ما يجعل الله في قلبك من نور يجد الآخرون طريقهم إليك هينا، وتجد طريقك إلى جنة ربك سهلا، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.لنتعاهد أن يترك كل منا للآخر سراجاً صغيراً، يدله حين يتعثر به الطريق، وحين يصل معتذراً يأخذ صاحبه بيديه مرحباً
ومهما يكن من خلاف أو اختلاف، فلنتعاهد كذلك أن يترك كل منا للآخر سراجاً صغيراً، يدله حين يتعثر به الطريق، وحين يصل معتذراً يأخذ صاحبه بيديه مرحباً، فتضم نظراتنا بعضها بعضا في شوق بين أهداب ساجية في رضا، وتتصافح قلوبنا في مودة ما لها من أذيال ضغائن.. فلا أنت آسف.. ولا أنا.