انتشرت في الآونة الأخيرة وبشكل واسع برامج المسابقات الفنية والغنائية المستوحاة من البرامج الأجنبية واجتذبت عددًا كبيرًا من مشاركي وجمهور الوطن العربي، خاصة الشباب، بما قد يتجاوز عشرات الملايين، في خطوة تهدف لتغييب وعي الجيل الجديد من الشباب العربي وابعاده عن متابعة الأزمات التي تحدد مصير ومستقبل دولهم، حتى ولو على مستوى المناقشات وحضور الندوات والمؤتمرات.
وابتُلي شباب المسلمين بفتنةٍ عظيمة والبرامج الغنائية الماجنة التي باتت تتربع على عرش الكثير من الفضائيات العربية كبرنامج عرب أيدول، و(ذا فويس)، ولكن المُلفت للنظر هو مشاركات الشباب والشابات من المسلمين في هذه البرامج التي لا تتقيد بأي معايير شرعية.
وتدل مؤشرات القنوات العربية خلال العامين الماضيين، على أن برامج المسابقات التي غزت الفضائيات العربية اجتذبت ما يزيد على 50% من المشاهدين، بينما تراجع الاهتمام بمتابعة تطورات قضايا المنطقة، في الوقت الذي تتصدر فيه أرقام ضحايا الحرب في سوريا والنزاعات العراق ولبنان وليبيا وفلسطين الشاشات.
ودأبت هذه البرامج على التلاعب بمشاعر الشباب العربي من خلال رفع شعارات الدفاع عن القضايا العربية، وذلك بتأجيج المشاعر لدفع المشاهدين للتصويت لمتسابقين من فلسطين أو العراق أو سوريا، وصار الشغل الشاغل لبرامج مثل “آراب أيدول”، و”آرابز جوت تالنت”، و”ذا فويس”، هو كيفية استثمار المشاعر القومية لدفع الشباب لمزيد من التصويت وبالتالي لمزيد من المكاسب وجني الأرباح.

وأكد الدكتور سلمان الداية أستاذ مشارك بكلية الشريعة الإسلامية بالجامعة الإسلامية في غزة: أنه لا يجوز للمسلم مشاهدة مثل هذه البرامج التي تحوي المعصية ومركبة من جملة من المحظورات.
وقال في حديث لـ"بصائر": فيها العري والسفور وتبرج الجاهلية، وفيها الرقص الذي هو فعل الفساق وأهل المجون، وفيها الغناء الماجن، مستدلا بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33].
من جهته قال الدكتور صادق قنديل عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية في غزة: "إن الغناء غير المضبوط بالشرع، ولا تحكمه قيودٌ دينية وشرعية، فإن التصويت له وللمشاركين فيه هو غير مشروعٌ وغير جائز شرعًا لا سيما أن الغالب على الغناء المقدم منهم مثير للفتنة".

وأضاف في حديث مع "بصائر": "ومما لا شك فيه عدم مشروعية التصويت للمشاركين في برامج الغناء لما في ذلك من إعانة على الإثم وتقويةً لشوكة أهل الباطل، كما فيه تشريعٌ لهذه البرامج وكأن المصوت له يعطي شرعية للمجون والفجور".
ورغم محورية قضية فلسطين عربيا وإسلاميا، ووجود شباب يحمل فكر المقاومة سواء بالسلاح أو بالإعلام أو بتقديم الخدمات الطبية أو بالبحث العلمي، فإن الأغلبية العظمي من الشباب العربي انحصرت اهتماماتهم مؤخرا في متابعة المسابقات الفنية بالمشاركة أو المشاهدة أو التصويت، وأصبح ينظر للتصويت لمتسابق فلسطيني كعمل بطولي وواجب قومي.
ورد قنديل على ذلك بالقول: إن من يساهم في إنجاح هذا الشخص المشارك في برنامج يعمل على نشر الرذائل وتمرد المشاركين على الأخلاق والفضائل فهو "آثم "، كما أنه لا يدعو إلى الله، ولا يلتزم بأي ضوابط شرعية.
وأضاف بالقول: إن من ساهم في إنجاح هذا المتسابق، كمن ساهم في نشر سُنة سيئة، وبالتالي يناله شيء من وزرها ووزر من عمل بها.
واستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ في الإسلام سُنّةً حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً" (رواه مسلم).
وأشار إلى أن ذلك سببه أنه شجع على انتشار المجون، لأنه في حال عدم مشاركته في التصويت فإن صوته يؤثر على فوزه وتأهله، وبالتالي فإن مقاطعة المسلمين لمثل هذه البرامج تعد ضربةً للقائمين عليها.
وبين أنه كون المسلم يشارك في هذه البرامج غير الشرعية فهو يرتكب معصية، لتعاونه على الإثم والعدوان، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، كما أنه يحاسب على أعماله وآثارها، لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12].
ولفت قنديل إلى أن المشاهد لهذه البرامج له "إثم المشاهدة"، ولكن ينتهي إثمها بالاستغفار، نظرًا لأنه غير متعدٍ آثارها، بل هي قاصرة على الشخص نفسه رغم أنه قد يتأثر بالبرنامج ويُفتن، ولكن يمكنه التخلص منها بالتوبة والاستغفار، أما المُصوت لشخصٍ مشارك في البرنامج فإن إثمه ربما يكون مضاعفا؛ لأنه ساهم في إنشائها وفوزها فهو مستمر مع قيامه، وسيلحقه ذنب كل نشاط فني يقدمه الشخص الذي كان قد صوَّت له.