الأدب الإسلامي.. سيف ولكن في غمده!

الرئيسية » بصائر الفكر » الأدب الإسلامي.. سيف ولكن في غمده!
books29

في البدء، من نافلة القول التأكيد على أهمية الأدب في حياة الشعوب، وفي الدراسات الاجتماعية، وتلك المعنية بالأنثروبولوجية الثقافية؛ فإننا نجد أن من بين معايير تقدم الأمم، تقدمها في مجالات الفنون والآداب الهادفة التي تعكس هويتها الثقافية، والقيم الإنسانية العامة.

ولعل في جوائز نوبل السنوية ما يبرز هذه الأهمية للآداب بمختلف ألوانها في حياة الأمم؛ حيث إنه، وبالرغم من الأدوار المهمة التي تلعبها العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والطب، وعلوم الاقتصاد في نهضة الأمم، وتطورها؛ فإنه تبقى لجائزة نوبل للآداب قيمتها الخاصة التي تجعل العالم كله يترقبها.

ومنذ البدايات الأولى للحركة الإسلامية، وفي ظل شمولية نظرة جيل الآباء الأوائل للحركة الإسلامية، لحركة العمران البشري، وعوامل التطور الحضاري، كان الفن والإبداع الأدبي ضمن قائمة الاهتمامات الأصيلة.

وفي تجربة الإخوان المسلمين؛ كان هناك الفرق المسرحية والنوادي الأدبية، وكتب في مجلات الحركة الأولى، مثل مجلة "الإخوان المسلمون"، الكثير من رموز الأدب العربي، من نقاد ومبدعين.

وهو أمر كان في الإسلام منذ سنواته الأولى؛ حيث عرفت فترة البعثة النبوية شعراء كبار، مثل حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة.

كان الإبداع الأدبي طيلة التاريخ الإسلامي أحد أهم مظاهر الإبداع في مختلف المجالات، بل كان ممارسة حتى لغير الأدباء

وكان الإبداع الأدبي طيلة التاريخ الإسلامي أحد أهم مظاهر الإبداع في مختلف المجالات، بل كان ممارسة حتى لغير الأدباء، فنجد أن الطبيب ابن سينا، والفقيه المجدد صاحب المذهب، الإمام الشافعي، كان لهما إضافاتهما التي خلدها لهما التاريخ في مجال الشعر.
وفي عصرنا الراهن؛ نجد محمد إقبال، ومصطفى صادق الرافعي، وسيد قطب، وكثيرون آخرون، من رموز الحركة والتنوير الإسلامي، قد كتبوا أدبًا رفيعًا يعكس القيم الإسلامية الأخلاقية الرفيعة لمختلف الأمور، بما فيها العواطف النبيلة والحب العذري، وغير ذلك، من دون ابتذال.

وفي مجال #الأدب التاريخي؛ نجد أنفسنا أمام تجربة مهمة، ممثلة في نجيب الكيلاني، ولكنها لم تكتمل لاعتبارات عديدة، أهمها عدم وجود إطار مجتمعي يتقبل هذا اللون من ألوان الأدب بين قارئي اللغة العربية، مع عدم ملاءمة بيئة النشر في العالم العربي للأدب الإسلامي بشكل عام.

وهناك منظمة تُدعى "رابطة الأدب الإسلامي العالمية"، تأسست في العام 1984م، بعد سلسلة من اللقاءات التي جرت بمبادرة من المفكر الإسلامي، الشيخ أبي الحسن الندوي.

ويعرِّف الكاتب الإسلامي، محمد نور الإسلام، الأدب الإسلامي على أنه ذلك اللون من الأدب "الذي وُضع لبيان اعتقاد الإسلام وتعاليمه السَّمحَة بالمعنى الشامل، وهو ما يَنبع مِن روح الإسلام ومبادئه"، أو كما يقول الدكتور مأمون جرار، الأستاذ في جامعة عمان الأهلية، ورئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الأردن، أن الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يُقدِّم التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان ؛ وهناك يجب التركيز على شرط الأدبية والإسلامية معًا.

وخلال الفترة من الثمانينيات وحتى وقتنا الراهن، ظهرت العديد من التجارب التي حاولت منافسة ألوان الأدب العام الذي لا يحمل الصبغة الإسلامية، سواء في مجال أدب الأطفال، أو أدب الكبار.

فكانت محاولات شركة "سفير" المصرية – على سبيل المثال - لإصدار سلاسل من نوعية المغامرات والألغاز البوليسية والعلمية، تنافس بها تجارب أخرى قديمة كانت موجودة منذ الستينيات، مثل سلسلة "اللغز" التي كانت تصدرها "دار المعارف" المصرية، و"ملف المستقبل" التي كانت تصدرها المؤسسة العربية الحديثة.

إلا أن هذه التجربة حَوَت مشكلات عدة، مثل غياب الموهبة الإبداعية الحقيقية عن مؤلفيها، وطغيان الجانب التلقيني على سردياتها، مما لا يوجد في واقعنا الاجتماعي المعاصِر في الخطاب الأسري والاجتماعي العام؛ فجاءت مثالية، ومتسمة بالركاكة، فلم يُكتب لها كبير نجاح.

وحتى في مجال أدب الكبار؛ غاب عن الأدب الإسلامي تجارب وازنة، تستطيع أن تصمد في سوق الأدب لقارئي العربية، ربما بسبب غلبة المحاذير الشرعية، مما أنتج أعمالاً لا تلائم الذوق العام السائد الذي مال إلى الانحدار، وعدم الالتزام الأخلاقي، مما جعل الأعمال الأدبية التي تنتمي إلى هذا اللون من الكتابة، غير رائجة.

زاد من أزمة الأدب الإسلامي، ظهور أولويات أخرى أخطر وأكبر فرضت نفسها على الحركة، بعد دخولها في صراعات عدة مع قوى محلية ودولية تعارض المشروع الحضاري الإسلامي

وزاد من أزمة الأدب الإسلامي، بجانب العوامل الاجتماعية وظروف الطباعة والنشر، وتحول الذائقة، ظهور أولويات أخرى أخطر وأكبر فرضت نفسها على الحركة، بعد دخولها في صراعات عدة مع قوى محلية ودولية تعارض المشروع الحضاري الإسلامي، وصولاً إلى مرحلة الربيع العربي التي غطت منذ مرحلة الإعداد لها، ما يزيد على عشر سنوات من جهد الحركة الإسلامية، وغلبة الطابع السياسي على هذه المرحلة.

إلا أن هناك العديد من التطورات التي تفرض إعادة النظر في هذه الحالة، ومن بينها تنامي حملة التيارات الليبرالية والعلمانية، ضد ليس المشروع الإسلامي وجماعاته، وإنما كذلك ضد #الإسلام نفسه والطعن فيه من جانب غلاة العلمانيين والليبراليين المتطرفين.
فنرى الآن المطابع تفتح أبوابها لاستقبال كتب وأعمال هذه الفئة من الكُتَّاب، والتي ما لبثت أن بدأت في استعمال سلاح الأدب، من دون أية ضوابط أخلاقية أو الالتزام بما تفرضه القواعد العلمية عند تناول حدث تاريخي بعينه، يخص الحركة الإسلامية، وتاريخ دولة الخلافة، وحتى فترة الخلافة الراشدة.

فنجد لدينا قصص وروايات مثل "العائلة" و"الجماعة" للكاتب والسيناريست وحيد حامد، والمال والسلاح" للأديب والكاتب ثروت أباظة، قد تحولت إلى أعمال تليفزيونية "ناجحة" بالمعيار الجماهيري، مع اعتماد مختلف عوامل الجذب الدرامي لتحقيق هذه الجماهيرية، بما في ذلك اختيار نجوم سينما معروفين من بين ما يُعرَف بـ"نجوم الشِّبَّاك" أي أصحاب أعلى معدلات جذب جماهيري، للقيام بأدوار شخوص هذه الأعمال.

ولذلك؛ ومع اختيار التوقيت الدقيق للعرض – مثل شهر رمضان؛ حيث أكبر نسبة مشاهدة جماهيرية للتلفاز – فقد تركت أعظم الأثر، فيما يخص الصورة الذهنية للمتلقي بشأن الإسلاميين والجماعات الإسلامية، مع مساواتها جميعًا، سواء ما يتبنى العنف منها، أو لا يتبناه، في ظل كون التلفاز لا يزال أحد أهم وسائل الإعلام الجماهيري.

ووصل الأمر - كما في حالة رواية إبراهيم عيسى الأخيرة؛ "القتلة الأوائل" – إلى اتهام الصحابة الكِرام رضوان الله تعالى عليهم، بأنهم تكفيريون، وأصل الإرهاب المعاصر الذي يعاني منه المسلمون أكثر من غيرهم.

في المقابل لا نجد في فضائنا الإسلامي مثل هذه الأعمال التي تتمتع بمختلف عناصر الجذب الجماهيري هذه.

ولربما جاءت محاولات الأتراك في المجال التليفزيوني والسينمائي، لإنتاج مسلسلات وأفلام تاريخية وملحمية، بصورة التزمت بقواعد الجذب الجماهيري المتعارف عليها في عالم الصورة والألوان، لكي توضح المقصد ها هنا.

ولكنها تجربة تعترضها مشكلتان أساسيتان، الأولى هي الوقوع في بعض المحاذير المتعلقة بالسرد التاريخي والجوانب الشرعية، استجابة لاعتبارات تفرضها عوامل الجذب الدرامي، وكذلك الاعتبارات السياسية المتعلقة بالمشكلة الثانية، وهي أنها تبقى أعمال "تركية" الهوية بالأساس، حتى ولو كانت في قالب إسلامي، وليست وفق الهوية الإسلامية الجامعة لنا جميعًا كأمة، فيما العرب وغير العرب من مختلف الأقوام التي تنتمي إلى أمة الإسلام الجامعة.

وهذا الكلام ليس منبتَّ الصلة عن موضوعنا الرئيسي، فالأدب، كما يرى الكاتب الإسلامي عمر عبيد حسنة، هو أحد ألوان الفنون، وأكثرها شيوعًا وتأثيرًا؛ حيث الفن هو كل ما يتعلق بالإنتاج الإبداعي للإنسان، سواء ما عبَّر فيه عنه نفسه، أو عن البيئة المحيطة به ، أو عن نظرته العامة للكون من حوله، ومختلف شؤون الإنسان.

في تجربتنا الحركية الإسلامية، نفتقد إلى الأدب الإسلامي من زاويتَيْن؛ الأولى هي الكتابة الإبداعية نفسها، والثانية، تحويل هذه الأعمال والكتابات التي تنتمي إلى هذا اللون من ألوان الأدب؛ الأدب الإسلامي، إلى أعمال فنية جاذبة

ووفق هذا الكلام؛ فإننا في تجربتنا الحركية الإسلامية، نفتقد إلى الأدب الإسلامي من زاويتَيْن؛ الأولى هي الكتابة الإبداعية نفسها، والثانية، تحويل هذه الأعمال والكتابات التي تنتمي إلى هذا اللون من ألوان الأدب؛ الأدب الإسلامي، إلى أعمال فنية جاذبة.

إن هذا الوضع، في ظل تطورات الحرب الراهنة على المشروع الحضاري الإسلامي بالكامل، يجب أن يُعاد النظر فيه، بحيث يُعاد الاعتبار للأدب الإسلامي كأداة من أدوات المواجهة، التي لا تختلف في تأثيرها عن سلاح الإعلام والكلمة؛ بل هو في صُلب معركة الكلمة والمعتَقد، ولا نجد أي مبرر لإهماله على هذا النحو.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

هل يصح الشك بوابة لليقين؟ (2-2)

سبق في الجزء الأول بيان منشأ مذهب الشك على يد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وآثار …