الحركة الإسلامية وإشكالية القيادة

الرئيسية » بصائر الفكر » الحركة الإسلامية وإشكالية القيادة
leader5

لا جسد بغير رأس، ولا رأس بغير جسد.

فالرأس بغير جسد ما هي إلا أفكارا ورؤى لا جهد لها ولا قوة، والجسد بغير رأس قوة عمياء طائشة لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً . وقيادة الحركة الإسلامية هي الرأس منها، وإذا كانت الرأس هي الموكول بها الهداية والرشاد، فإنها يُرد إليها الضلال والعوج.

والمتابع للحركة الإسلامية سيرى إشكالاً كبيراً في بعضها حول القيادة فيها، من ناحية طريقة الاختيار، وطريقة الإدارة لدى هذه القيادة، وطريقة المراقبة والمحاسبة لها، ثم طريقة العزل والخلع إن توجّب ذلك، وأخيرا حال هذه القيادة بعد إبعادها أو ابتعادها.

فأما عن طريقة الاختيار، فما تزال تسيطر على الكثير من الأفراد في الحركة الإسلامية دوافع عجيبة لاختيار #القيادة والتفضيل فيما بينها، فتجد من يختار من المرشحين للقيادة الأقرب إليه بصرف النظر عن الكفاءة والأولوية، كما أن هناك من يختار للقيادة على أساس الجانب العبادي والتميز فيه لا غير، ولقد عايشت يوما اختياراً وتفضيلاً لأحدهم لمجرد انتظامه في صلاة الفجر في المسجد أكثر من الآخرين، ناهيك عن الاختيار على أساس الموالاة للقيادة الموجودة المتنّفذة ذات الثقل.

ما تزال تسيطر على الكثير من الأفراد في الحركة الإسلامية دوافع عجيبة لاختيار القيادة والتفضيل فيما بينها

وفكرة أن يزكي الفرد نفسه ويترشح هو لمسؤولية أو قيادة هي من الأفكار التي تخالف ظاهر النصوص النبوية الواضحة القاطعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم "إنا لا نولي هذا الأمر من طلبه" والحديث في الصحيحين، وفي رواية مسلم "لا نستعمل على عملنا من أراده". ولا مكان هنا للتأويل ولا لليّ عنق النصوص، إنما يُختار الفرد للقيادة ويُزكّى لها، لا لرغبة منه ولا لطمع فيه.

وأما عن طريقة إدارة القيادة، فإن مما يلفت الانتباه أن بعضاً من أفراد القيادة ينصّبون من أنفسهم أوصياء على بعض الجماعات، ويعتبرونها إرثاً خالصاً لهم ، مما يجعلهم يتجاوزون اللوائح في بعض الأحيان خوفا على انفراط العقد والحيد عن التوجهات الاستراتيجية والأصول التي قامت عليها الحركة وعاشت بها، وربما يتآمر البعض من هؤلاء تحت ذريعة مصلحة الحركة والحفاظ عليها لإبعاد بعض القيادات الأخرى وإخراجها من المشهد، ولا تخلو بعض النفوس في ذلك من حب الاستئثار بالقرار والتوجيه، والرغبة في عدم المنازعة والمشاكسة من أحد.

كما أن للشورى والتزامها وإعمالها حديث طويل، فما يزال الواقع المعاش في ناحية لزوم الشورى وإلزامها بعيدا -في بعض الحركات- إلى حد كبير عن المأمول والمفروض . وليس الحديث عن #الشورى في داخل قيادة الحركة الإسلامية مقتصراً على لزومها وإلزامها، وإنما يتطرق كذلك للحديث عن مؤسسات الشورى الموجودة وكيفية اختيارها وآلية عملها والقائمين عليها.

لا زالت تسيطر على البعض فكرة الثقة في القيادة، التي تعني إطلاق العِنان لها لتشرّق وتغرّب دون رقيب أو حسيب

وأما عن طريقة المراقبة والمحاسبة للقيادة، فما تزال هذه النقطة من أهم الإشكالات الموجودة.

فلا زالت تسيطر على البعض فكرة الثقة في القيادة، التي تعني إطلاق العِنان لها لتشرّق وتغرّب دون رقيب أو حسيب.

و#الثقة هذه إنما هي ثقتان في الحقيقة، فمن ناحيةٍ ثقةٌ في أهلية هذه القيادة وقدراتها بحيث يُخيل للبعض أنه لا يوجد أفضل من الموجود ولن يوجد، ومن ناحية أخرى ثقة في نوايا ودواخل هذه القيادة ونفي الفتنة مهما ظهر منها، وذلك من أكبر المهلكات، لأن القاعدة تقول أنه (لا تؤمن الفتنة على حيّ).

لا بد من المراقبة والمحاسبة الدائمة والمستمرة للقيادات على كافة الأصعدة، مراقبة لا تستبعد الحيد عن الأصول والاستراتيجيات من قبل هذه القيادات، ولا تستبعد كذلك تغير القلوب والنوايا.

ولا بد من محاسبة بعد ذلك لاتستثني أحدا، ولا تستصعب الخلع والإبعاد إن تحتّم ذلك، على أن يتم ذلك كله في إطار من المؤسسية الراسخة؛ حتى لا يكون الأمر تآمرا من هؤلاء على أولئك، وتآمرا مقابلا من أولئك على هؤلاء، ولا يستحيل في ذلك شيء، والأفراد في داخل الحركات الإسلامية بشر يجري عليهم ما يجري على كل البشر، ولا عصمة لأحد من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن قيادة الحركة الإسلامية بعد ابتعادها أو استبعادها أحاديث ذات شجون، وإن هذه المسألة من أكثر المسائل التي تثير الحيرة والدهشة، وتدفع للتساؤل والبحث.

تجد القائد –في بعض الحالات- من أشد المدافعين عن حركته وتوجهاتها وقراراتها ما دام هو في سدة قيادتها، فإذا ما أتى الاختيار بقيادة غيره، يتحول إلى ناقد ورافض، بل إلى ناكص ومعاد في بعض الأحيان

فتجد القائد –في بعض الحالات- من أشد المدافعين والمنافحين عن حركته وتوجهاتها وقراراتها ما دام هو في سدة قيادتها وعلى رأس توجيهها، فإذا ما أتى الاختيار بقيادة غيره في وقت ما، يتحول إلى ناقد ورافض، بل إلى ناكص ومعاد في بعض الأحيان.

لقد رأينا من يشيطنون حركتهم وقيادتها الحالية بعد إبعادهم عنها، إلى حد أن يقفوا مع العسكرية والعلمانية في الحرب على حركتهم، في صورة من الصور المدهشة التي تدفع للاستغراب والذهول.

لذا نحتاج إلى قيادة للحركة الإسلامية بحيث تكون قيادة واعية ومثقفة، يختارها الأفراد بحرية ونزاهة متعالية على الدوافع المعطوبة في الاختيار والتزكية، على أن لا يُزكّي أحد نفسه، ثم تلتزم هذه القيادة بالشورى ومؤسساتها، وتخضع للمراقبة والمحاسبة في أعلى صورها، وتُعزل من مناصبها إن استدعى الأمر ذلك في إطار المؤسسية، وتُستوعب قدرات هذه القيادات بعد ابتعادها أو إبعادها، ولا تترك حينها للبطالة القيادية الفاتنة والمهلكة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …