لاشك أن اليأس و#الأمل يأتيان من الواقع والأحداث، ولذلك كان التوصيف الحقيقي للأمل أنه شعور عاطفي يتفاءل به الإنسان ويرجو فيه نتائج إيجابية لحوادث الدهر أو تقلباته.
ولايخفى على عاقل أن #المحن تزداد و#اليأس يعلو معها، ووتيرة التشاؤم واضحة الخطاب، لكننا فى هذا المقال سنركز على الأمل من الألم، وكيف نعي جيدا آمال وآلام حياتنا، وكيف نستخلص من المحن انطلاقات للحياة الطيبة بموعود ربنا وبشريات نبيه.
إن الناظر لحجم التحديات والضيق الذي تعرض له الدعاة والمصلحون على مر التاريخ يجده متعدد الوسائل والأشكال، لكن السعي كان لنتيجة واحدة هي الإبادة والتعطيل والزوال والاندثار، وكلها نتائج تبعث على الفزع والركود. ولعل تناول القران الكريم والسيرة المطهرة لهذه المحن فى قصص ونماذج؛ إنما هو تثبيت لقلوب المومنين وتحقير لمكر الظالمين.
بدأت المحن فى تاريخ الدعاة مبكرا مع أول نصيحة نبوية من النبي عليه السلام لقومه في بطحاء مكة لما صدع بالحق وطالبهم باتباعه، حيث كان التكذيب والأذى على مدار الساعة
لقد بدأت المحن فى تاريخ الدعاة مبكرا مع أول نصيحة نبوية من النبي الأكرم لقومه في بطحاء مكة بعد أن أقسموا أنه لديهم صادق أمين ولا غبار على شخصه، فلما صدع بالحق وطالبهم باتباعه كان التكذيب والويل والكيد والأذى على مدار الساعة، وهنا أثبت قناعتي بأنه كلما كان الطريق صعب كلما كان المسار صحيح، فالله تحدث فى محكم التنزيل {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}.
إن الأمل هو رمانة ميزان فهم الفرد ، واليأس سريعاً من تقلبات الأوضاع يحتاج لمراجعات، لكن العامل البشري له عوامله، وكلنا نتعرض لهذه الكبوات، وأحيانا يكون الضيق من أذى الجاهلين وكلامهم وسخريتهم، فيضيق الصدر كما ضاق لخير البرية النبي الأكرم، لكن كان الدواء الرباني ناجزا {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون* فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}.أيها الرجال العاملون للدين الحاملون للفكرة النقية، هذا هو الدواء الرباني، لقد وظف النبي الأكرم حالات الضيق والحصار إلى طاقات إيجابية تدفع للبشرى والأمل فى نفوس الصحابة الكرام، والتاريخ خير شاهد، وموقف الخندق أكبر معبر عن الفهم الحقيقى للقائد المحب لأنصاره الخائف عليهم الملم بفطرتهم البشرية، فمن كان يظن أن يبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفتوحات كسرى وملك قيصر، والرجل منهم لا يأمن على نفسه أو قضاء حاجته؟ لكنه الفهم النبوي لمجريات الأمور، والبصمة القيادية في أتون المحنة الثقيلة، والدفعة البشرية بالأمل والتفاؤل ومن ثم العمل والحماسة والجهاد، فكان نصراً عزيزاً للمسلمين.
إن عاقبة اليأس موات قلبي، وتشتت عقلي، وهذيان روحي
أحبابي، إن عاقبة اليأس موات قلبي، وتشتت عقلي، وهذيان روحي، فما معنى القعود أو التكاسل إلا أن اليأس تسلل واستقر فى الجوارح، فعطل العقل عن التفكير، والقلب عن اليقظة، والروح عن محرابها، وهنا تكمن الكارثة؛ لأننا لو قبلنا باليأس لعوامل بشرية، فإن النتيجة أن نلوذ بمحراب ربنا بما فينا من ضيق وهم وغم وندعوا تضرعا بزواله، لكن أن يصيب اليأس الروح بالعزوف عن محراب ربها، ويقبل العقل هذا العزوف، ولا يلبي القلب داعي الإيمان، فتلك هي الهزيمة الحقيقة، وهنا وكأني بالشيطان يرقص فرحا لأنه تمكن من بني آدم فأحزنه وأقعده وأبكاه، وهو الذي قعد قديما لخير الرجال من الصحابة فى طريق الإسلام فعصوه وأسلموا، ثم فى الهجرة فعصوه وهاجروا، لماذا؟! لأنه وجد أمامه طاقات أمل وعمل، وصلة ربانية لا تعطلها كوارث أو صعوبات فى الحياة!
إن الأمل فى حياة الدعاة بمثابة الهواء الذي يتنفسونه ، فهم يحملون مشاعل الأمل فى عقولهم وقلوبهم وخطابهم والتعلق يكون بهم من خلال هذا الباب مع إخلاصهم وصدق تجردهم لله ولرسوله ودعوتهم.إن الخطوات نحو بناء أمل عقلي وقلبي وروحي ينتج ثمرة جهد ونشاط يتبلور فى عدة أمور، أولها أن تتحلى بقوة الإيمان والعقيدة، فهما طوق النجاة في الدنيا والآخرة ومن دونهما تصبح شخصاً أجوف القلب والعقل.
الأمر الثانى عليك أن تسأل نفسك باستمرار لماذا؟ فهو توجيه استفهامي سيدفع للتفكير والإبداع وفتح باب للأجوبة وتعددها، وتلك ثمرة فى مسار الأمل الذي نرجوه وننشده.
نحو بناء خطوات الأمل عليك أن تجد من يدعمك، وتكون محاطا بهم، لأن وجود هذه الحاضنة من الأقرباء أو الأسرة أو الأصدقاء بمثابة محو الحزن وتخفيفه من الحياة
الأمر الثالث نحو بناء خطوات الأمل عليك أن تجد من يدعمك، وتكون محاطا بهم، وهنا يبقى المثال الراقي فى السيدة خديجة ومدى دعمها للنبي صلى الله عليه وسلم، فنقلته بخطابها من الحزن إلى العمل بطاقة جبارة وقوية، ووجود هذه الحاضنة من الأقرباء أو الأسرة أو الأصدقاء بمثابة محو الحزن وتخفيفه من الحياة.
أخي الكريم، إن الأمل فى حياة الدعوات والأفكار هو الأصل، وما دونه فرع؛ لأن الأمور تقاس بنتائجها، والأمل فى حياة القادة هام جدا لكنه موقوف على حسن استخدامه وتوظيفه في توجيه الصف والأفراد مهما عظمت المحنة، فموقف القائد النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الجليل خباب بن الأرت قمة الفهم والأمل، واستدعائه للتاريخ السابق من التنكيل بالمصلحين ثم بشارته بأن التمكين لهذا الدين رغم كل هذا الكيد والتآمر المركب.
وأيضا كم كان مبدعا الإمام البنا لما تحدث "إن أحلام الأمس هي حقائق اليوم وأحلام اليوم حقائق الغد".
ثق أخي بأن القادم مشرق، وأن الله جاعل لهذا الضيق فرجا ومخرجا فاستعن بالله ولا تجزع.
وأختم بكلمات شيخنا القرضاوي
عجبت لهم قالوا: تماديت في المنى ... وفي المثل العليا وفي المرتقى الصعب
فاقصر ولا تجهد يراعـك إنمـا ... ستبذر حباً في ثرى ليس بالخصــب
فقلت لهم: مهلاً فما اليأس شيمتي ... سأبذر حبي والثمار مـن الـــرب
إذا أنا أبلغت الرسـالة جاهــداً ... ولم أجد السمع المجيب فما ذنبـي؟