إنه لمن دواعي السرور أن أمثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فأتحدث فيه نيابة عن شيخنا فضيلة العلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، وعن شيخنا فضيلة الدكتور علي القرة داغي الأمين العام للاتحاد، وأن أبلغكم تحيات الاتحاد والذي يمثل علماء الأمة ومباركته لمبادرتكم الكريمة.
وأتوجه بالشكر والتقدير إلى معالي رئيس الشؤون الدينية البروفيسور الدكتور (محمد كورماز) وسعادة والي شانلي أورفا السيد (كونكور ازيم تونا) على هذه الدعوة الكريمة ولا شك أنه اختيار موفق ومناسب في مكانه وزمانه الدعوة للنظر في هذا الموضوع ذي الأهمية البالغة.
ولما كان موضوع ورقتي هذه حول الفرق بين الإرهاب الممنوع والجهاد المشروع، فسوف أتناوله في محاور، وقبلها أقدم بمقدمة حول موضوع المؤتمر وهو: رسالة الإسلام للعالم: السلام العدالة الحرية.
الدعوة إلى السلم من الضعيف في نظر القوي؛ استسلام وليس سلماً، والدعوة إلى الحرية إنما يعد تسولاً، والحرية تؤخذ ولا تعطى، والعدالة لا يحققها الضعفاء
أولاً: أقول ابتداء إن هذه الأسس والمبادئ والقيم الراقية تحتاج إلى آلية لابد منها لتحقيقها؛ ألا وهي القوة، وذلك لأن الدعوة إلى السلم من الضعيف في نظر القوي؛ استسلام وليس سلماً، والدعوة إلى الحرية إنما يعد تسولاً، والحرية تؤخذ ولا تعطى، والعدالة لا يحققها الضعفاء.
فلابد من امتلاك القوة كشرط لتحقيق السلام والعدالة والحرية، وامتلاك القوة ليس المراد منه الهيمنة والقتل، وإنما غرضها منع القتل ، فالله سبحانه وتعالى عندما قال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) أراد بالقوة إخافة المعتدين؛ لمنعهم من العدوان، فإنهم إذا علموا قوة المسلمين خافوا على أنفسهم فمتنعوا عن العدوان، وبهذا تصان دماؤهم ودماء المسلمين على حد سواء، ولذلك لم يقل الله تعالى: تقتلون عدو الله وعدوكم، وإنما قال: (ترهبون عدو الله وعدوكم) فالقوة بأيدي المسلمين تؤدي إلى صيانة النفوس وحماية البشرية من غرور الظالمين والمعتدين، فهو ردع استراتيجي.ثانياً: إن المؤثر الأول في إشاعة هذه المبادئ والقيم في أي زمان، والمسؤول الأول عن انعدامها هم أصحاب القوة، ولا ينسب انعدامها إلى غيرهم، ولا يحمل مسؤوليتها الكبرى أو الأولى غيرهم.
ولذلك لما كان #الإسلام والأمة المسلمة تتصدر البشرية كان الإرهاب في أضعف أحوال؛ لانتشار العدل، واليوم أعتقد أن القوى الكبرى في العالم هي التي ترعى #الإرهاب، وتنزع السلم العالمي، وتحطم أسس العدل بمعاييرها المزدوجة، وسلبها لحريات الشعوب، واعتدائها على كرامتهم وتمكينها للطغاة والظالمين، بل إنها مارست وما زالت تمارسه، وزرعت الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي، وأخرجت شعباً عريقاً من أرضه وإحلت شعباً آخر مكانه، بل جمعت المعتدين من شتى أنحاء الأرض وأحلتهم في أرض مكان أهلها بعد إخراجهم منها قصراً، إضافة إلى الوقوف مع الطغاة والمستبدين في العالم الإسلامي، ثم لما بقيت مقاومة المنطقة منضبطة ووفق الشرائع السماوية، ومنسجمة حتى مع القوانين الدولية، عملت أمريكا ودول الغرب والطائفيون على دعم قوى إرهابية؛ لتشويه صورة الإسلام بها وتشويه صورة المقاومة المشروعة.
ثالثا: يجب علينا معشر المسلمين ألا نعتقد أننا في موضع الدفاع عن أنفسنا وأن هناك تهمة لاصقة بنا نبحث كيف ندفعها، وهذا ما يلمس في خطابات وكلام كثير من المسؤولين السياسيين والمثقفين المسلمين، وحتى بعض العلماء، بالوقوف موقف المدافع عن الإسلام، وكأنه مدان أو في قفص الاتهام، فإنه وعلى الرغم من قيام بعض الجماعات المنسوبة للإسلام بأعمال هي من الإرهاب الممنوع بشكل واضح إلا أن هذا لا يجوز أن يشكل عندنا هاجس إدانة الإسلام والمسلمين بالإرهاب، وأننا لو قمنا بعمل إحصائي لأعمال الإرهاب التي قام بها منسوبون إلى اليهودية أو المسيحية أو البوذية أو الشيوعية لوجدنا أنها أكثر بكثير، وأن ضحاياها أكثر بكثير من الأعمال قام بها منسوبون إلى الإسلام، وكلها مدانة أياً كان مصدرها كما سنبين في المحاور التالية:
المحور الأول: مفهوم الإرهاب
فكم هو مثير للدهشة أن تعلن الدول الكبرى لا سيما أمريكا الحرب على الإرهاب قبل الاتفاق على تعريفه بل قبل تعريفه أصلاً، مما يجعلنا نوقن بأنَّ كلمة الإرهاب غدت شمّاعة يعلق عليها الكثيرون عدوانهم وانتقامهم من شعوبٍ بأكملها وأمم بأسرها.
إذ الخطوة الأولى في الحديث عن أيّة ظاهرة يجب أن تكون تحرير المفهوم والانطلاق منه إلى بناء المواقف تجاه الآخرين.
وهذا ما لم يتم إلى وقتنا هذا في سياق ما يسمى الحرب على الإرهاب، حيث لم يلقَ هذا المصطلح إلى الآن تعريفاً عالمياً متفقاً عليه من حيث المفهوم الاصطلاحي.
أما في اللغة العربية فالإرهاب جاء من الفعل المزيد أرهب، وأرهب فلاناً أي خوفه وأفزعه.
وفي قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" الأنفال/60، أي: تخوفون عدو الله وعدوكم.
وكذلك قال تعالى: "لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ" الحشر/13، قال ابن كثير: أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله تعالى.
أما المفهوم الاصطلاحي حيث أخفقت الجهود في الوصول إلى اتفاق موحد حول المعنى المراد منه، فالإرهابي في نظر البعض باحثٌ عن الحرية، طالبٌ للعدالة في نظر البعض الآخر.
وأورد هنا تعريف المجمع الفقهي للإرهاب إذ عرفه بأنه: "العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعلٍ من أفعال العنف، أو التهديد يقع تنفيذاً لمشروعٍ إجرامي فردي أو جماعي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم، أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه.
وبعد هذا التعريف فإنه لا بد لي من التأكيد على نِقاط يمكن أن تكون قواعد وأسس للحديث في موضوع الإرهاب:
الإرهاب يتعلق بالفعل أياً كان فاعله فالفعل الذي يوصف بالإرهاب، والشخص الإرهابي هو الذي يمارس أفعال الإرهاب بغض النظر عن انتمائه أو عرقه أو جنسيته أو دينه
أولاً: الإرهاب يتعلق بالفعل أياً كان فاعله فالفعل الذي يوصف بالإرهاب، والشخص الإرهابي هو الذي يمارس أفعال الإرهاب بغض النظر عن انتمائه أو عرقه أو جنسيته أو دينه، فالإرهاب لا دين له ولا وطن له ولا جغرافيا تحده.
ثانياً: الفعل الإرهابي يجب أن يوصف بأنه إرهاب بغض النظر عن الأشخاص الذين وقع عليهم، فلو وقع السلوك الإرهابي على المسلمين أو النصارى أو المجوس أو الملاحدة فهو فعلٌ إرهابي أما أن يوصف الفعل بأنه إرهاب عند وقوعه على غير المسلمين ثم يغض العالم (المتحضّر) الطرف عنه وتَخرس ألسنته عند وقوعه على المسلمين فهذه ازدواجية صادمة مقيتة.
ثالثاً: الإرهاب فعل يقع على الإنسان والأفكار والحقوق المعنوية والحريات والموارد الطبيعية، فهو قرين الإفساد في المصطلح القرآني، وهو وصف ملازم لمن قام بالفعل المعرف سواء أكان فرداً أم دولة، وسواء كانت دولة قوية لها منعة أم ضعيفة، أما أن يكون وصف الإرهاب يلاحق دولة لأنها ضعيفة إذا مارسته وتنجو منه دول تمارسه باستمرار لأنها قوية؛ فهذه ازدواجية كبيرة.
المحور الثاني: الفرق بين الإرهاب والجهاد والمقاومة المشروعة
إنَّ ما تفعله القوى العالمية الغربية اليوم من محاولة إلباس #الجهاد في سبيل الله تعالى بل إلباس الإسلام كلّه ثوب الإرهاب محاولةٌ بائسةٌ ويائسة لهدم تعاليمه وتشويه آثاره وتقويض أركانه، ومن ذلك محاولة المستشارة الألمانية -إنجيلا ميركل- تمرير مصطلح الإرهاب الإسلامي في لقائها الأخير مع فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان وقد جاء ردّ السيد الرئيس واضحاً مجلجلاً بأن الإرهاب لا دين له وليسَ من الإسلام.
وقال بوضوح: "أنا مسلم وكرئيس مسلم لا يمكنني أن أتقبل هذه الجملة التي تقرن الإسلام بالإرهاب، وقال: الإسلام والإرهاب لا يجتمعان، وكذلك ما يفعله الجهلة الأغبياء أذرع العملاء الجبناء من ترويع، وقتل عشوائي تحت لافتة الجهاد يهدف من حيث النتيجة إلى تشويه مفهوم الجهاد في الإسلام وتقديم خدمة مجانية لأعداء الإسلام بإعطائهم ذرائع لمحاربة الإسلام وأهله.
وإن هناك فروقاً جوهرية بين الإرهاب وبين الجهاد والمقاومة المشروعة وهذه الفروقات هي في المجالات كلها على النحو الآتي:
أولاً: الفرق من حيث المقصد
فالجهاد مقصده هو إقامة العدل في الأرض ورد العدوان ورفع الظلم وإحقاق الحق وإبطال الباطل والدفاع عن الدين وعن الأرض والنفس والعرض والمال والمقدسات، والوقوف إلى جانب المظلوم مسلماً كان أو غير مسلم، وما فتح مكة إلا انتصار لخزاعة التي اعتدت عليها قريش وحلفاؤها بنو بكر، فاستنجدت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن يومئذ خزاعة مسلمة.
أما الإرهاب فإن مقصده يقوم على الإفساد في الأرض وترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم والاعتداء على ديارهم وأموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم بغياً وظلماً، ومحو شعوب كاملة من الأرض وتشتيت شملهم لإحلال آخرين مكانهم ظلماً وعدواناً.
ثانياً: الفرق من حيث الأسلوب
ومن حيث الأسلوب فالإرهاب يقوم على الدموية المفزعة والقتل بهدف القتل ويهدف إلى ترويع أكبر قدر من الناس ، ولا يراعي حرمةً لا لإنسان ولا لسن ولا لدين ولا لبيئة ولا لشيء على الإطلاق.
أما الجهاد فإنه موجه فقط إلى المعتدين المحاربين الذين يدخلون ساحة المواجهة ، ويربي أتباعه على وجوب مراعاة حرمة الإنسان غير المعتدي أو الطفل والمرأة والحيوان، ولا يتجرف في ردات فعله مهما وقع عليه الظلم والعدوان، فمن الجهاد وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لجيوش المسلمين الذي غدت دستوراً دائماً لهم في الجهاد: (لا تقتلوا صبياً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً، ولا تقطعوا مثمراً، ولا تخربوا عامراً، ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرةً إلا لمأكل، ولا تفرقوا نحلاً ولا تحرقوه).ومن الإرهاب سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها قوات الاحتلال الفرنسي في الجزائر والايطالي في ليبيا والصهيوني في غزة، وما فعلته القنابل النووية في هروشيما ونكازاكي من محو كل شيء على الإطلاق، ومنه أيضاً ممارسات مدعي الجهاد ممن يقتلون الأطفال ويذبحون الكبار والنساء في مناطق متعددة.
ومن الإرهاب أن يحتل الصليبيون مدينة القدس وأرض فلسطين وبلاد المسلمين فيقتلون في القدس وحدها خلال أيام أكثر من سبعين ألف مسلم ويمنعون الصلاة والأذان في المسجد الأقصى المبارك 92 سنة ويحولون المسجد الأقصى إلى اسطبلات للخيل.
ومن الجهاد:
عندما حرر المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس سنة 583 هـ ويقوم صلاح الدين الأيوبي بسقي الأسرى بيده الماء المثلج ثم يعفو عنهم جميعاً.
ومن الإرهاب:
أن يقوم الإسبان باسم الصليب بعد خروج المسلمين من الأندلس بتحويل جميع المساجد إلى كنائس وقتل المسلمين وتعذيبهم في محاكم التفتيش، وكذلك أن يقوم اليهود والصهاينة بتحويل المساجد في فلسطين المحتلة إلى حظائر واسطبلات للخيل ويدمرون في الحرب الأخيرة على غزة أكثر من 42 مسجداً تدميراً كاملاً.
ومن الجهاد في سبيل الله:
عندما يدخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة القدس فاتحاً مستلماً مفاتيحه من صفرونيوس ويدخل إلى كنيسة القيامة ويحين وقت صلاة الظهر ولا يرضى أن يصلي فيها رغم جواز ذلك في الإسلام؛ كي لا يأتي مِن بعده مَن يقول: هنا صلى عمر فيحول الكنيسة إلى مسجد.
ومن الإرهاب:
أن يقوم اليهود والصهاينة ببقر بطون النساء الحوامل في مجازر دير ياسين، وقتل الأطفال في مدرسة بحر البقر، وقتل آلاف الأطفال في مدارسهم في غزة والضفة الغربية ولبنان.
ومن الجهاد:
أن يصعد مجاهد لتنفيذ عملية في مواجهة الصهاينة المعتدين المحتلين لأرضه إلى حافلة ويكون قادراً على تفجيرها، لكنه يعدِلُ عن ذلك وينزل بعد أن يرى فيها أطفالاً.
ومن الجهاد أن يقتحم شابان مجاهدان مستوطنة "إيلي سيناي" التي كانت تجثم على صدر قطاع غزة العزة، فيدخلان منزلاً يتحصنان به، فيجدان فيه امرأة مع أطفالها الثلاثة فتقول المرأة: "كان الشاب لطيفا قال لنا: لا تخافوا لا نريد أن نؤذيكم، وادخلونا إلى الحمام الذي كان بعيداً عن مكانهما، وأغلقوا علينا الباب، وقالوا: لا تخرجوا من هنا؛ حتى لا يصيبنا أي أذى"، ثم واجهوا الجنود حتى قتلوا في سبيل الله تعالى.
ومن الجهاد:
أن يقوم المجاهدون باعتراض سيارة جندي صهيوني في مدن الضفة الغربية ومعه أطفاله فيحرصون ألا يصيبوا الأطفال بأي أذى، ويستهدفون الجندي.
المجاهدون الحقيقيون يتحلون بإنسانية عالية، فهمُّهم الأول رفع الظلم وصد العدوان وعدم إراقة الدماء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فالدماء ليست شهوة عندهم بل إن القتال يأتي على خلاف هوى نفسهم، وقد كتبه الله عليهم وهو كره لهم؛ لأنه صار السبيل إلى رد المعتدين
أما الجهاد فهو شرعة قائمة على قواعد وأسس أهمها حفظ كرامة الإنسان والدفاع عنه، والمجاهدون الحقيقيون الصادقون يتحلون بإنسانية عالية وبمشاعر صادقة، فهمُّهم الأول رفع الظلم وصد العدوان وعدم إراقة الدماء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فالدماء ليست شهوة عندهم بل إن القتال يأتي على خلاف هوى نفسهم، وقد كتبه الله عليهم وهو كره لهم؛ لأنه صار السبيل إلى رد المعتدين وكف أذاهم.
المحور الثالث: من صور إرهاب أتباع الديانات والدول والأنظمة
وفي سياق ما قدمته في المقدمة أودّ هنا أن أوضّح بالأمثلة الواقعية بعض صور الإرهاب التي وقعت من المنتسبين إلى الأديان كلها، على وجه يبين أن الإرهاب ليس له دين، وأن الإسلام أبعد الأديان عن الإرهاب، حتى بعد فعل بعض الجماعات المنتسبة إليه أفعالاً مرفوضة.
فإنّ من أشد ما مُني به وصف الإرهاب من الظلم هو قصره على المسلمين وإلباسه الإسلام زوراً وبهتاناً، وإنَّ هذا لم يكن على الإطلاق محضَ صدفة، وإنما هو تدبير ومكرٌ من أعداء الإسلام الذين يستخدمون الأساليب والوسائل كافة من أجل تشويه معالمه وتحريف تعاليمه وتأليب العالم ضده، وتسويغ العدوان عليه وعلى أبنائه.
ولكن قليلاً من النظر والتبصر والتفكير يجعلنا نلحظ بما لا يدع مجالاً للشك بأن الإرهاب لا دين له ولا وطن، ولنا أن نتوقف مع صور على سبيل المثال لا الحصر توضح وقائع إرهاب وحوادث من ملل شتى:
وإننا قبل أن نشرع في بيان بعض الصور نؤكد على ما أكد عليه فضيلة الأمين العام للاتحاد العالمي لعماء المسلمين الشيخ علي قرة داغي؛ بأن وصف أحد الأديان السماوية بالإرهاب أو الفاشية يحدث لأول مرة بإطلاق السياسيين الميكافيلين وصف الإرهاب على الإسلام، حيث لم نسمع أن أحدا من المسلمين وصف النصرانية: كاثوليك أو بروتستانت أو أرثوذكس بالإرهاب أو الفاشية على الرغم مما فعله بعض اتباعها من الجرائم التي ترتقي إلى الجرائم ضد الإنسانية، وإليكم بعض الصور:
أولاً: من صور إرهاب اليهود:
إنّ الإرهاب الذي قام به اليهود في العالم على مر تاريخهم أكبر من أن تحصره أسطر معينة ويمكن ذكر نقاط سريعة في هذا المجال:
1. التوراة (التي هي العهد القديم) والذي نعتقد أنها كلمة الله تعالى التي قاموا بتحريفها وتزوير الكثير من تعاليمها، جعلها أحبارهم ورجال دينهم مصدراً للإرهاب والعدوان، فهي تؤكد على أن اليهود هم شعب الله المختار، وأن بقية الشعوب ما هي إلا نجس وعبيد خلقهم الله تعالى لخدمة اليهود، كما تصرح باستحقاق من ليس يهودياً للقتل والطرد و..
2. تفكيك الخلافة العثمانية بعد أن رفض السلطان عبد الحميد السماح هجرة اليهود إلى فلسطين.
3. قام اليهود باحتلال فلسطين باسم الدين، وأطلقوا على دولتهم اسم (إسرائيل) وهو يعقوب عليه السلام، وحرضوا أتباعهم على الهجرة من أنحاء العالم وطرد سكان الأرض الأصليين منها، وإحلال أناس من كل أنحاء العالم مكان شعب مستقر على أرضه آلاف السنين.
4. أقام اليهود دولتهم المزعومة على الإرهاب فارتكبوا مئات المجازر في عام 1948م، من أجل إرهاب الناس وتهجيرهم من قراهم.
5. ما يزال اليهود يمارسون الإرهاب على أصحاب المعتقدات الأخرى فحولوا مئات المساجد إلى إسطبلات للخيل وأماكن لبيع الخمور، وكذا اعتدوا على الكنائس.
6. شنَّ اليهود الحروب على البلاد الإسلامية المختلفة سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر وتونس، وارتكبوا فيها المجازر وقتلوا الأبرياء الآمنين.
7. خلال السنوات الستة الماضية شنَّ اليهود ثلاثة حروب على قطاع غزة، قتلوا خلالها آلافاً من المسلمين ودمروا عشرات آلاف المنازل.
8. يحاصر اليهود قطاع غزة من أكثر من عشر سنوات في أبشع حصارٍ وأطول حصارٍ شهده التاريخ المعاصر، ومع ذلك لا نسمع أحداً من دول العالم أو سياسييها يقول الإرهاب اليهودي، بل إنهم ما برحوا يتبجحون بإطلاق عبارة الإرهاب الإسلامي، أما اليهود فإنهم ضحايا؛ من أجل عيونهم تقلب الحقائق، ويزوّر التاريخ، وتُدْرَسُ كل مبادئ الديمقراطية.
ثانياً: إرهاب أتباع الديانة المسيحية
جاء السيد المسيح عليه الصلاة والسلام برسالة المحبة والسلام، إلا أن بعض أتباعه خرجوا على هذه التعاليم ومارسوا الإرهاب باسم المسيحية والمسيحية الحقيقة منهم براء، ومن أمثلة ذلك:
1. إعلان الكنائس في أوروبا الحرب على بلاد المسلمين بحجة حماية المسيحيين في الشرق وتسمية هذه الحروب (الحروب الصليبية) وهو مصطلح أطلقه المؤرخون ورجال الدين المسيحيون، بينما المؤرخون المسلمون يسمونها حروب الفرنجة.
2. في الأندلس بعد انتهاء حكم المسلمين فيها مارس المسيحيون نوعاً من الإرهاب تشيب له الأجنة في الأرحام، من خلال قتل المسلمين في محاكم التفتيش وتعذيبهم بوسائل غير مسبوقة وإجبارهم على التحول إلى النصرانية واجتثاثهم اجتثاثاً كاملاً، وتحويل جميع المساجد إلى كنائس ومنع الأسماء الإسلامية منعاً مطلقاً.
3. قتل الصليبيون عند احتلال مدينة القدس سبعين ألفاً من المسلمين، حتى جرت دماؤهم في باحات الأقصى، ولكن المسلمين عندما حرروا القدس منهم لم يسيئوا لأحد منهم بل قام صلاح الدين بنفسه بسقيهم الماء المثلج.
4. بقي المسجد الأقصى المبارك 92 سنة ممنوعة فيه الصلاة والأذان وقد رفع الصليب الذهبي على قبة الصخرة وتم تحويل قسم منه إلى اسطبلات للخيل أو أماكن لمعاقرة الخمر.
5. ذكر الأمير شكيب أرسلان في كتابه (لماذا تأخر المسلمون؟) بأن نشيد الجنود الإيطاليين عام 1911م، وهم ذاهبون إلى ليبيا لاحتلالها هو: "أماه أتمي صلاتك ولا تبكي بل اضحكي وتأملي، ألا تعلمين بأن إيطاليا تدعوني، وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحاً مسروراً؛ لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ولأحارب الديانة الإسلامية.. سأقتل بكل قوتي لمحو القرآن، ليس بأهل للمجد من لم يمت إيطالياً حقاً، أماه أنا مسافر أنا ذاهب إلى طرابلس مسروراً، وإن لم أرجع فلا تبكي على ولدك، ولكن اذهبي كل مساء وزوري المقبرة وإن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه: إنه مات في محاربة الإسلام".
6. أما في العصر الحاضر فنحن أمام حروب كثيرة شنّت باسم الصليب والمسيحية فبعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية أعلن جورج بوش الابن الحرب التي سماها حرباً صليبية على العالم الإسلامي وقتل الملايين من المسلمين جراءها في أفغانستان والعراق.
7. ماذا يمكن أن نسمي ما جاء في تقرير قناة الجزيرة يوم 7/7/2004م، بأن محققي معتقل غوانتنامو كانوا يتعمدون إهانة المصحف أثناء التحقيق مع المعتقلين برميه في الخلاء أو وضعه تحت أقدام الكلاب؟!.
بل ماذا يمكن أن نسمي وجود معتقل غوانتنامو كله غير أنه إرهاب.
ثالثاً: الإرهاب الشيوعي والإلحادي
لا يفتأ الشيوعيون والإلحاديون يلصقون تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين ولكنهم كانوا وما زالوا من أكثر من مارس الإرهاب بأشكاله المتعددة ومن صور ذلك:
أ- الإرهاب الأحمر: وهو حملة القتل الجماعي والتعذيب والقمع المنظم التي شنها البلاشفة بعد استيلائهم على السلطة في روسية عام 1917م، وبدأت الحملة بإعلانها رسمياً في سبتمبر عام 1918م، وانتهت في اكتوبر من نفس العام، وكان عدد القتلى في هذه الحملة وصل إلى مليون ونصف قتيل من أتباع الديانات المختلفة.
ب- حزب العمال الكردستاني وما يمارسه من عمليات قتل وإرهاب وتدمير في بلدان عديدة لا سيما في تركيا.
المحور الرابع: الإرهاب الواقع باسم الإسلام من بعض أتباعه بل أدعيائه
لقد اتضح لنا من خلال ما تقدم أنَّ الإرهاب ليس خاصاً بالمسلمين، وكون بعض أتباع الإسلام يمارسونه فهذا لا يعني أنَّ الإسلام إرهابي أو أن المسلمين إرهابيون، بل إننا نرى بكل وضوح بأنّ الإرهاب والإفساد وقع من غير المسلمين في الزمن الغابر والوقت الحاضر أضعاف مضاعفة مما وقع من المسلمين .
وحالة الغلو والتطرف في الواقع الإسلامي موجودةٌ ولا يمكن إنكارها ولها أسباب عدة، منها أسباب سياسية تتعلق بالاستبداد والقمع الذي يولد ردّة فعلٍ عنيفة في أسلوب التغيير وكسر القيد، ومنها أسباب اقتصادية تتعلق بالفقر والظلم المعيشي الذي يصاحبه جهل وتغييب علمي غالباً، ومنها أسباب فكرية تتعلق بسوء فهم الإسلام وسوء عرضه وسوء في التعامل معه، فالجهل عدوّ.
التنظيمات والقوى الإرهابية التي ترفع الإسلام شعاراً مخترقة في صفوفها الأولى من قبل أعداء المسلمين، وتعمل على استثمار دماء الشباب الجاهل المتحمس في تنفيذ مشاريعها الإجرامية
ولكنَّ العامل الأهمَّ في تحريك هؤلاء الجهلة وترتيب صفوفهم وتوجيههم لتقويض أي مشروع إسلامي رائدٍ، وتشويه تعاليم الإسلام الحنيف: هو اليد الخبيثة الماكرة التي ترسلهم لاختراق الصف الإسلامي من داخله، فهذه التنظيمات والقوى الإرهابية التي ترفع الإسلام شعاراً مخترقة في صفوفها الأولى من قبل أعداء المسلمين، وتعمل على استثمار دماء الشباب الجاهل المتحمس في تنفيذ مشاريعها الإجرامية، وقد صدق الشيخ محمد الغزالي في قوله: "ليس بالضرورة أن تكون عميلاً لتخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبياً"، وهؤلاء الأغبياء الجهلة الذي تحركهم الأيدي الخبيثة الماكرة باسم الإسلام مستثمرة حماستهم وغيرتهم غير الراشدة، ما هم إلا وقود لمعركةٍ ضد الإسلام ولهدم أركانه وتقويض شعائره.