حكايات من التراث (5).. من هو محمودٌ الكلب؟!

الرئيسية » خواطر تربوية » حكايات من التراث (5).. من هو محمودٌ الكلب؟!
do'aa25

أتدرون عن من كان يتكلم صاحب هذا الكلام؟؟
لقد كان يتكلم عن الملك العادل (نور الدين محمود زنكي)، ذلك الملك الذي قال عنه ابن الأثير: طَالعتُ السِّيَر، فَلَمْ أَرَ فِيْهَا بَعْد الخُلَفَاء الرَّاشدين وَعُمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ أَحْسَنَ مِنْ سِيرته، وَلاَ أَكْثَر تَحرِّياً مِنْهُ لِلْعدل.

ذلك الملك العادل الذي كان عابدًا مخبتًا لله، ملتزمًا بالسنة، محافظًا على قيام الليل، ولكن بما لا يشغله عن أداء مهامه في الحكم، يأكل من عمل يده، ومن دخلٍ كان يأتيه من أجرة دكاكين اشتراها من نصيبه من المغانم.

ولكن فلنقف لحظة ونتساءل: من الذي يجرؤ على أن يقول هذا الكلام عن مثل هذا الرجل؟؟

حتى نعرف ذلك فلنستمع إلى القصة.

في أيام الحروب الصليبية شنّ الفرنجة حربًا على مصر، وكان ذلك سنة 565 هـ، فاحتلوا (دمياط)، وظلوا فيها نحو (50) يومًا، وكانت مصر تحت حكم (صلاح الدين) نائبًا عن نور الدين زنكي، فحاربهم صلاح الدين حتى استطاع إخراجهم من (دمياط) وإفشال مخططهم.
كان نور الدين في دمشق، يرسل المدد تلو المدد إلى صلاح الدين، وفي لَيْلَة النصر ورحيل الفرنج عَن دمياط رأى أحدهم فِي مَنَامه النَّبِي صلى الله عليه وسلم يأمره بإعلام نور الدّين بأَن الفرنج قد رحلوا عَن دمياط فِي هَذِه اللَّيْلَة.

فَقَالَ الرجل في الرؤيا: يَا رَسُول الله، رُبمَا لَا يصدقني، فاذكر لي عَلامَة يعرفهَا.

فَقَالَ له صلى الله عليه وسلم: قل لَهُ: بعلامة مَا سجدت على (تلِّ حارم) وَقلت: يَا رب انصر دينك، وَلَا تنصر مَحْمُودًا، من هُوَ مَحْمُود الْكَلْب حَتَّى ينصر.

إذًا ها قد عرفنا الذي قال ذلك، إنه نور الدين نفسُه، قالها في مناجاته لربه طالبًا النصر..

فلنكمل الحكاية..

يقول صاحب الرؤيا:

فانتبهت وَنزلت إِلَى الْمَسْجِد، وَكَانَ من عَادَة نور الدّين أَنه ينزل إِلَيْهِ بِغَلَس وَلَا يزَال يتركع فِيهِ حَتَّى يُصَلِّي الصُّبْح. قَالَ: فتعرضت لَهُ، فَسَأَلَنِي عَن أَمْرِي، فَأَخْبَرته بالمنام، وَذكرت لَهُ الْعَلامَة، إِلَّا أنني لم أذكر لَفْظَة الْكَلْب.

فَقَالَ نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى: اذكر الْعَلامَة كلهَا، وألح عَليّ فِي ذَلِك، فقلتها، فَبكى رَحمَه الله وصدَّق الرُّؤْيَا.

وأرخت تِلْكَ اللَّيْلَة فجَاء الْخَبَر برحيل الفرنج بعد ذَلِك فِي تِلْكَ اللَّيْلَة.

أما قصة (تل حارم) فقد كانت قلعة حارم قلعة منيعة بيد الفرنج، فحاصرها نور الدين سنة 559 هـ، فتجمع ملوك الفرنجة من كل مكان لنجدتها، وحدثت عندها معركة عظيمة، هزم فيها الفرنجة، وأسر كثير من ملوكهم.

ويومها حين اشتدت المعركة والتقى الْجَمْعَانِ انْفَرد نور الدين تَحت تل حارم وَسجد لرَبه عز وَجل ومرغ وَجهه وتضرع، وَقَالَ:
يَا رب؛ هَؤُلَاءِ عبيدك وهم أولياؤك – عن جنده - ، وَهَؤُلَاء عبيدك وهم أعداؤك – عن الفرنجة -، فانصر أولياءك على أعدائك، إيش فضول مَحْمُود فِي الْوسط؟

اللَّهُمَّ انصر دينك وَلَا تنصر مَحْمُودًا، من هُوَ مَحْمُود الْكَلْب حَتَّى ينصر؟.

أين لنا في حكامنا هذه الأيام من هو مثل (نور الدين بن زنكي)؟؟

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
باحث فلسطيني. حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة، وشهادة ماجستير في الفقه وأصوله.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …