المشروع الإسلامي هو أمل هذه الأمة، ولا أمل لها في غيره، ولا عزة لها إلا به، وقديماً قال ابن الخطاب "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
والحركة الإسلامية هي أمل المشروع الإسلامي، فهي التي نذرت نفسها لحمله ونشره ومحاولة تطبيقه، وهي التي تدافع أعداءه من أنظمة باغية متسلطة، وتيارات ليبرالية ويسارية مغرّبة ومشرّقة.
فلا وزن للحركة الإسلامية ولا قوة لها إلا بشبابها، وكذلك لا وزن ولا قوة لأي حزب سياسي أو حركة فكرية إلا بالشباب.
ولذلك، فإن تكوين #الشباب وتربيتهم في داخل أي حزب سياسي أو حركة فكرية هو من أهم ما تتجه إليه أنظار وأفكار القادة والموجهين والمربين.
فإذا ما سلطنا الضوء هنا على التكوين والتربية لشباب الحركة الإسلامية خصوصاً، فإننا سنكون أمام أهم جانبين من جوانب التكوين نكتفي هنا بالإشارة إليهما إجمالاً.
لا وزن للحركة الإسلامية ولا قوة لها إلا بشبابها، وكذلك لا وزن ولا قوة لأي حزب سياسي أو حركة فكرية إلا بالشباب
أول ما يجب أن لا تغفله الحركة الإسلامية في تكوين شبابها هو الجانب العبادي، فإن رسالة الحركة الإسلامية الكبرى هي هداية الناس إلى ربهم وطاعته. هداية الناس جميعاً؛ في خارج الحركة الإسلامية، وفي داخلها بشكل أولى.
فشباب الحركة هم دعاة الناس إلى طريق الله، ولا يصح أن يكونوا دعاة لما لا يأتونه ولما ليس لهم بحال.
وإن الناظر في الحالة اليوم، سيجد أن هناك خللاً كبيراً في هذا الجانب عند شباب الحركة الإسلامية، وذلك لأن الشباب قد شغلتهم شواغل كثيرة أكلت منهم ليلهم ونهارهم، وأوقعتهم في حبائلها التي لا تنقطع ، فعالم النت ومواقع التواصل الاجتماعي والغرق في بحار الواقع الهائجة وأمواجه العاتية أضعف إلى حد كبير من عباداتهم.
لذا لا بد للحركة الإسلامية أن تتنبه لهذه الإشكالية بشكل كبير، فتضع لها الرؤى والخطط وآليات التنفيذ، ولا بد أن لا يشغلها الشأن السياسي والحركي عن هذه النقطة المحورية، فهي نقطة مفصلية وحاسمة وقاصمة، وإن شباب الحركة الإسلامية من غير عبادة وصلة شعائرية بالله هم أقرب إلى شباب الأحزاب والتجمعات السياسية الخالصة.
لقد كنا في بداية رحلتنا مع العمل الإسلامي نجتمع على أساسيات أسبوعية هي أهم ما نرتب له ونحافظ عليه ونحاسب لأجله.
نجتمع على حلقة القرآن في المسجد مرتين أسبوعيا، ونجتمع كذلك على صلاة القيام في المسجد ليلة من كل أسبوع، ونجتهد في إيقاظ بعضنا لصلاة الفجر ونضع لها آليات.
الصلة بالله هي الأساس لأبناء الحركة الإسلامية صلاة وصياماً وقرآنا وذكرا، ومن لا أساس له فلا قائمة له
فالصلة بالله هي الأساس لأبناء الحركة الإسلامية صلاة وصياما وقرآنا وذكرا، ومن لا أساس له فلا قائمة له.
ويأتي من بعد ذلك الجانب العلمي الشرعي في تكوين الشباب، ولا بد أن نؤكد هنا على أننا نتحدث عن شباب للحركة الإسلامية، التي تجعل أولى مهامها الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إليه، ثم تسعى من بعد ذلك بسندٍ من الناس لإقامة دولتها الإسلامية الموعودة، وتطبيق منهجها الإلهي المعصوم.
إذن، تظل دعوة الناس وهدايتهم وإرشادهم هي المهمة الأولى والأكبر لأبناء الحركة الإسلامية، ودعوة الناس وإرشادهم تحتاج إلى علم شرعي يتجاوز حدود العلم اللازم الذي لا يقوم أمر الفرد عباديا وسلوكيا إلا به، ويتعدى إلى إحاطة بعلوم التفسير والفقه والحديث والسيرة، إحاطة تعطي الفرد حصيلة يستطيع أن يخاطب بها الناس فيقول لهم (روى البخاري، وذكر ابن تيمية، وللشافعية رأي في ذلك.......) ومثل هذه الكلمات التي تجعل للحديث حلاوة وبريقاً، تدعو الأسماع للإصغاء له والقلوب للتعلق به.
لقد حملت الحركة الإسلامية على أكتافها حملاً تنوء بحمله الجبال، ذلك الحمل هو حمل العمل السياسي ومدافعة الأنظمة المستبدة الظالمة من أجل تحقيق الحلم بإقامة الدولة الإسلامية وتطبيق المنهج الإسلامي. وأثقل ذلك الحمل كاهل الحركة وكاهل أفرادها، حتى شغلهم شغلاً كبيراً عن الجانبين السابق ذكرهما؛ الجانب العبادي الشعائري، والجانب العلمي الشرعي، حتى أصبحنا نرى شبابا في الحركة يقضون ليلهم ونهارهم في متابعة الشأن السياسي وإجراء اللقاءات والحراك حوله، وهم مع ذلك لا يحسنون عبادة ولا يحملون علماً، فأصبحنا كأننا أمام حزب سياسي لا يقبس من قبس النور السماوي، وقبس النور السماوي يتمثل في أهم ما يتمثل فيه في عبادات نؤديها لله وعلم نتلقفه منه.
ولقد كنا زمناً طويلاً في لقاءاتنا التربوية في داخل الحركة الإسلامية نعمد إلى كتب العلوم الشرعية فنأتي بها، وننهل من معينها؛ ابن كثير والظلال في التفسير، وفقه السنة وغيره في الفقه، وجامع العلوم والحكم وغيره في الحديث، والرحيق المختوم وغيره في السيرة، وعقيدة المسلم وغيره في العقيدة.
ثم مضى الزمان، وأصبحت اللقاءات التربوية تعتمد على كتب مطبوعة مخصوصة، فيها مختصرات من التفسير والحديث والفقه والسيرة، فاختلت علاقة الشباب بكتب العلوم الشرعية الأصلية، حتى كادت هذه العلاقة أن تتلاشى، وكادت معرفة الشباب بهذه العلوم أن تتلاشى أيضاً.
ثم تأتي من بعد هاتين النقطتين نقطة يثور حولها جدال كبير، هذه النقطة هي نقطة تمكين الشباب، وهي في رأيي من النقاط التي نتجادل حولها تأثراً بضغط التيارات والأفكار الأخرى علينا، مع أنها قضية محسومة ولا تحتاج لكثير من الجدال.
الشباب قوة وفورة، لكن هذه القوة وهذه الفورة تحتاجان إلى ضوابط وحدود، وهذه الضوابط وهذه الحدود هي قيادة وتوجيه #الشيوخ.
ويعني ذلك أن يُخلّى بين الشباب وبين المسؤوليات التنفيذية والحركية، في ظل قيادة أعلى توجيهية من الشيوخ والآباء المؤسسين.
ولا توضع أي عراقيل تنظيمية لتولي الشباب المسؤوليات إن ظهرت أمارات القيادة على بعضهم، وكذلك لا توضع في اللوائح ما يوجب تقديم الشباب على غيرهم.
ولتترك جميع الاختيارات للشورى وللانتخاب، دون قيود من هنا أو من هناك.
فإن جاءت الشورى بقيادة شبابية فبها ونعمت، وإن أتت بقيادة من الشيوخ فبها ونعمت.
الصورة الأمثل أن تكون القيادات التنفيذية والحركية للشباب في ظل قيادة أعلى توجيهية حاكمة من الشيوخ
والصورة الأمثل أن تكون القيادات التنفيذية والحركية للشباب في ظل قيادة أعلى توجيهية حاكمة من الشيوخ.
وذلك ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد خلفائه الراشدين، فدائماً ما يلح الكثيرون على أن النبي قد أمّر أسامة وهو ابن الثمانية عشرة عاما، مع أنهم ينسون مع ذلك أن إمارة أسامة كانت إمارة حركية لجيش من المجاهدين، في ظل إمارة أعلى هي إمارة الأمة وقيادتها العامة والتي كان على رأسها الشيوخ، من نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق، ثم إلى عمر وعثمان وعلي، وكلهم كانوا شيوخاً.
أولى الناس بالقيادة العليا للحركة الإسلامية آباؤها المؤسسون، فهم صوت الحكمة والخبرة، على أن يشاركوا الشباب في قيادتهم وأن لا يتجاهلوا وجودهم ورؤاهم، وتبقى الشورى في النهاية هي الحكم والفيصل، ولها أن تأتي بما تأتي به، شيوخاً أو شباباً، على أن لا توضع العراقيل والقيود، وأن لا ننساق وراء الدعوات الهوجاء.وإن من أسوأ ما نودي به آخرا في بعض فروع الحركة الإسلامية، أن يتولى الشباب كافة المسؤوليات والقيادات، وأن يتنحى كل من جاوز الخمسين عاما، على اعتبار أنهم سبب المحنة التي وقعت لهذه الفروع، ولا أرى في ذلك إلا المهلكة لا محالة، فإن آلت القيادة يوماً للشباب خالصة، فإنه التغيير في كل شيء، الذي سيطال الأصول والمنطلقات، وسنكون ساعتها وبعد قليل من الزمان، أمام حركة مختلفة برؤى ومنطلقات مختلفة.