الاحتفال بمناسبة ما في تاريخ معين من البدع التي يصعب تحديد بداياتها، ولكن يسهل كثيرًا دحضها والرد عليها. ففي الإسلام، لا تاريخ معين للخير والعطاء، فلا يوم مخصص للاهتمام بالـ "الأم"، ولا مناسبة للعناية بالـ "الأرض"، ولا يوم بعينه للتعبير عن "الحب"! وقد ظهرت نتيجة لهذا الإجراء عيوب تفوق المميزات بكثير، نلخص هنا بعضًا منها:
1- الإحجام عن الخير:
فقد بتنا نلحظ أن البعض قد يمتنع عن إعطاء الهدايا، وإسعاد من حوله خاصة من أفراد أسرته، اللهم إلا في أيام الميلاد، أو "يوم الحب"، أو "الأم" أو غيرها من الأيام. وهذا الأمر ليس من مبادئ الإسلام في شيء. فإسلامنا يعلمنا أن الإحسان والبر لا موعد ولا تاريخ لهما، وأن تقديم الخير والمعروف يكون في كل وقت ومع أي شخص ، ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا. كما أن تحديد تاريخ معين للتعبير عن مشاعر الحب والمودة، يزيد من درجة التجاهل والبعد، حيث يضع الشخص في الحسبان أنه سيأتي اليوم "الموعود"، للتعويض عن كل ما فات من التجاهل والإهمال!
تحديد تاريخ معين للتعبير عن مشاعر الحب والمودة، يزيد من درجة التجاهل والبعد، حيث يضع الشخص في الحسبان أنه سيأتي اليوم "الموعود"، للتعويض عن كل ما فات من التجاهل والإهمال
وإذا ما ضربنا المثل بيوم #الأم مثلًا، فلربما نلحظ تجاهل الكثيرين للبرِّ أو جلب الهدايا لأمهاتهم أو الاهتمام بهن، اللهم إلا في يوم الأم ذاك! ونفس الشيء يقال عن يوم الحب، فلربما تجد بعض الأزواج لا يحرصون على الصحبة والجلوس سويًّا، ثم يأتي يوم الاحتفال السنوي بالزواج ليغير كل شيء ليوم واحد، وسرعان ما يمضي اليوم ويعود كل لسابق عهده.
2- تناسي أن العطاء هو الأصل:
فكما ذكرنا آنفًا، فإن الأصل في ديننا هو دوام الخير والعطاء. والسبب هو أن الإنسان لا يدري متى يلقى ربه. لذا فإن تأجيل الإحسان والبر لن يكون في صالحه إذا وافته المنية. فكما نقرأ في القرآن الكريم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ{. [سورة المؤمنون: الآية 99-100]. هذا علاوة على أن الأساس في خلق المسلم هو دوام البر والحرص على عمل الصالحات في كل وقت وحين. وتحديد تواريخ للعطاء والإحسان يضيِّع من قيمة وأهمية هذا المبدأ النبيل والجوهري. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". [صحيح البخاري ومسلم].
الأساس في خلق المسلم هو دوام البر والحرص على عمل الصالحات في كل وقت وحين. وتحديد تواريخ للعطاء والإحسان يضيِّع من قيمة وأهمية هذا المبدأ النبيل والجوهري
3- التمييز بين أهمية الأشياء:
فحين نحدد يومًا للأم لا للأب، أو يومًا للتعبير عن مشاعر الحب، لا يومًا للصَّدقة أو الصدق، فإننا بهذا نحجر العطاء والمشاعر الإنسانية لتشمل فئة معينة من الناس، ونوعًا محددًا من الأعمال، ولا ريب أن في هذا تمييز كبير، وعدم إنصاف بيِّن! فديننا أمرنا بالبر تجاه كلا الوالدين، والإحسان لمن عرفنا ولمن لم نعرف، ولمن أحببنا أو حتى أبغضنا!
كما أن للأعمال الصالحة قائمة إذا بدأت لا تنتهي، وكثيرًا ما لا نجد تفاضلًا بين عمل صالح وآخر، اللهم إلا بدرجة صدق الإنسان وصحة نيته. كما أن بعض هذه المناسبات التي يتم تحديد يوم محدد لها، لا تعد أكثر جوهرية من غيرها، فلا ريب أن الصدقة والإحسان والعفو والرحمة أعمق وأهم من مجرد التعبير عن مشاعر الحب . ومع ذلك، فإننا لا نرى يومًا يخصص لمثل هذه المعاني والقيم والأعمال الجليلة، حتى من باب الحث عليها!
الجانب الإيجابي:
ربما يتضح الجانب الإيجابي لتحديد التواريخ في التشجيع على الاهتمام بالمقربين من حولنا، وبعض المعاني والقيم الإنسانية السامية. وربما يساعد كذلك على فهم ظروف الطرف الآخر وما يتعرض له، تمامًا كيوم الحجاب الذي تخصصه أستراليا لمساندة المحجبات حول العالم. فتقول الكثيرات من غير المسلمات واللاتي جربن ارتداء الحجاب في ذلك اليوم، أنهن قمن بهذا الأمر في رغبة منهن لمعرفة مشاعر المحجبة، وما تمر به من تحديات في وسط عالم يعتبر حجابها رمزًا للتطرف.
وأخيرًا نذكر حديث نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا" .[صحيح البخاري] فإن كان العمل الصالح لا ينتهي بقيام الساعة، فمن باب أولى ألا نمتنع عنه، ونربطه بيوم معين، وفي العمر ما فيه من رحابة وسَعة!