ما الذي ترجوه عند الله؟

الرئيسية » بصائر تربوية » ما الذي ترجوه عند الله؟
question30

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ: يَا بِلَالُ:" حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْفَعَةً، فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ بِلَالٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا فِي الْإِسْلَامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ "(متفق عليه).

في ثنايا هذه القصة عبرة خفية، ومعيار أكيد لضبط الأولويات لمن شاء أن يسدد سعيه:

كلمتان: "أرْجَى عندي.."

ما الذي تعمله في حياتك؟ ما الذي ترجوه عند الله مما تعمله في حياتك؟

إننا نعمل أعمالاً كثيرة في يومنا، وأسبوعنا، وشهرنا، وعامنا؛ لكن كم من هذه الأعمال وأيها نرجوه عند الله؟  هل يستوقفنا هذا السؤال في عملنا بقدر ما تطمح إليه آمالنا؟ أم أننا نحيا حياة غير الحياة ونتمنى على الله الأماني؟ بإسقاط هذا التساؤل (ما الذي أرجوه عند الله؟) على ما تفعله بالفعل يمكنك أن تميز الغث من السمين، وتعيد ترتيب أولوياتك وتخفيف الأعباء الجوفاء.

بإسقاط هذا التساؤل (ما الذي أرجوه عند الله؟) على ما تفعله بالفعل يمكنك أن تميز الغث من السمين، وتعيد ترتيب أولوياتك وتخفيف الأعباء الجوفاء.

فإذا جربتَّ أن تعمل قائمة بما سترجوه عند الله لو توفّاك الآن، لعله يدهشك أن تتبين أنك منشغل شغلاً كاذباً بما لا ترجو ثوابه عند الله، وما ترجوه حقاً أنت عنه غافل أو غير مهتم به كفاية. وأول ما يتصدر قائمة الرجاء حقيقة هي أساسيات، كثيراً ما لا يدع لنا سير الحياة المشحون – الذي نختاره - وقتًا للإتيان بها على وجهها:

• الفرائض التي نخطفها خطفا بحركات وقصار السور التي "لا وقت لدينا" لأكثر منها أو غيرها.
• البر بالأهل الذين ننصرف عنهم ولا وقت لدينا لحقوقهم ولا طاقة بنا على حسن معاملتهم في مقابل المجاملات الخارجية، والرسول قد وضع المعيار، فإنك لم تخترهم وإنما امتحنك الله بهم كما امتحنهم بك لذلك معاملتك معهم هي أصدق ما يكشف حقيقة طبعك.
• القرآن الذي "نستقطع" له بالكاد من وقتنا "الثمين"، وما نستقطعه لا نكاد نحضر فيه ذهناً ولا قلباً.
• أوراد الذكر والتسبيح والاستغفار.
• الدعاء والمناجاة.
• طلب العلم النافع حقاً، والانتفاع به حقاً، والنفع به حقاً؛ وليس أي علم أو كل طلب يمكنك أن ترجوه حقيقة عند الله.

ما الذي تنشغل به في يومك وأيامك؟
ما الوجهة التي لها يومياً تزداد قرباً أو عنها بعداً؟
ما الذي تعنيه لك حياتك؟ وعمرك ووقتك؟
فيم تنفقهم ولأي غاية تنفقهم؟
ماذا بعد الدراسة، والوظيفة والزواج؟
ما القالب التالي الذي ستغرق فيه... القبر؟!
ما الذي أعمله في حياتي؟
ما الذي أرجوه عند الله مما أعمل في حياتي؟

أسهل ما تهرب إليه النفوس عند مواجهة هذا السؤال المصيري هو الانغماس التلقائي في القوالب الحياتية الجاهزية، وتعقيد ما خلقه الله بسيطاً واضحاً من متطلبات العيش، والخلط بين متطلبات العيش ومتطلبات الحياة، وفرض معايير نجاح وإنجاز في الدنيا غير التي تراد لها الدنيا وعلى أساسها الحساب الأبدي، وشحن الأوقات بإنجازات طنانة المظهر هزيلة الجوهر، ثم هز الكتفين في نهاية اليوم باستسلام، واعتقاد أن هذا أفضل ما يمكن، لأن محاولة أي شيء غير الممكن يتطلب جهداً صادقاً ومسؤولية فردية وحرية جادّة.

ونحن نخشى الصدق، ونفزع من المسؤولية الفردية، ونهرب من الحرية؛ لأنها حقيقة ليست الانفلات بلا عَنان، بل قرار يتمثل فيما ستفعله بهذه الحرية، ثم هذا القرار مسؤولية، والمسؤولية من بعد التزام بما اخترت.

ونحن لا نريد أن "نلتزم" حقيقة بما اخترنا، بل نريد أن نختار اختيارات لا نتحمل كلفتها ونتلذذ بثمار لم نستجلبها بقطرة عرق واحدة . نريد أن نختار الله والدار الآخرة، ثم نغرق في الدنيا للدنيا كأنها هي آخرتنا، ثم نجتمع بالرسول ونشرب القهوة مع أبي بكر وعمر في الفردوس الأعلى (!!!)

لذلك يطمئننا الزيف والتصنع، ويخدر ألم المسؤولية الفطريّ فينا أن نتبع القطيع والقوالب الجاهزة، وإنفاق العمر في عيش أعمار الآخرين والسير في آثارهم لأنها واضحة النتائج ويسيرة الجهد. لكن هذه الهروبية في الحقيقة تجردنا من سكينتنا الفطرية مهما وافقت هوى النفوس، لأنها ليست حلاً بل مسكنا مؤقتا، وليست مواجهة بل هروباً من الواقع الذي لابد أنت ملاقيه، مهما فررت منه فأنت إليه منتهٍ، لأن الذي خلقك شاء ذلك!

ما الذي يأكل أيامك؟
ما الذي تعمله في حياتك؟
ما الذي تنفق فيه عمرك؟
ما الذي ترجوه عند ربك؟

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …