ما الذي وعدك به خالقك؟

الرئيسية » بصائر تربوية » ما الذي وعدك به خالقك؟
question

تحدثت في المقال السابق، عن المفاهيم التي نتوصل إليها حينما ندرك الغاية من خلق الله لنا، واليوم أتناول سؤالاً آخراً، وهو ما الذي وعدك به خالقك؟

وهذا السؤال ينبغي أن يضبط بعض الأمور في حياتنا، مثل:

1. فهمَنا لسنن الحياة وقوانين الوجود والثواب والعقاب كما أرادها خالقها:

وهذا بالتالي يضبط توقعاتنا من هذا الوجود على ما أوجد له ليس على ما نريد منه أن يوجد. فالله تعالى –مثلاً- أخبرنا أن حياتنا دنيا وآخرة معا، وأن الدنيا مرحلة لها خصائصها أهمهما الاختبار والزرع والآخرة المرحلة التالية ولها خصائصها أهمهما الجزاء والحصاد، وكل ما نمر بنا من نعم وابتلاءات إنما هي صور ومراحل من اختبار طويل ممتد ليس إلا، وليست الجزاء الخالد النهائي وإنما نفحة مما ينتظر.

فهمنا لسنن الحياة وقوانين والوجود والثواب والعقاب كما أرادها خالقها يضبط توقعاتنا من هذا الوجود على ما أوجد له ليس على ما نريد منه أن يوجد

ويضبط من ثَم تركيزَنا في السعي دون كثير انشغال بالنتائج، لأن القانون الرباني {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، ليس ما جمع ولا ما ادخر ولا ما أجّل لغد من عمل، بل وله ما سعى وإن لم يشهد أثره أو نتاجه. هذا لا ينفي أو يعارض اجتهاد كل عامل في تخيّر الثغرة الأوْلَى في سياقه، والنفع الذي هو أقدر عليه، لكنه ينفي ويعارض نفسية التلهّف على شهود الأثر وحضور المنّة وتعجّل النتائج! ولو أن كل سلفنا عاشوا بنفسيتنا اليوم التي تنتظر الثمرة وتتشرط شهود النتائج لما أكلنا تمرًا ولما قرأنا مصنفاً ! فالنخلة تحتاج من وقت غرس البذور حتى أول محصول لــ 10 عشر سنوات في المتوسط! وغالب مصنفات السلف توفاهم الله قبل أن يشهدوا انتشارها أو اتساع أثرها والإقبال عليها.

2. مفهومَنا للتمني من الله وعليه!

وما يلحق به من اعتبار الدعاء معبراً لتحقيق الرغبات وبنكا لصرف شيكات الأماني، ولعل أشهر الدعوات في هذا المضمار دعوات الأمهات خاصة في أوقات الرضا عن الأولاد أو الامتحان "ربنا ينولك اللي في بالك". هذه الدعوات وما شاكلها فيها الكثير من الإشكاليات العقدية. فحسن الظن بالله وفضله لا يعني أن تضع قائمة بالأمنيات وتشرطا للنتائج، ثم تنتظر من الله أن يلبي لك على ما تهوى، فلابد أن تكون هذه الوظيفة أو تلك الزيجة أو "اللي في بالي"، وإلا فلا!

حسن الظن بالله وفضله لا يعني أن تضع قائمة بالأمنيات وتشرطا للنتائج، ثم تنتظر من الله أن يلبي لك على ما تهوى

بداية الله تعالى لا يَلزَمه شيء تجاه أحد، وثانياً الله تعالى لا يعجزه شيء ولا أحد، فتدبيره تدبير ملك لا يسأل عما يفعل وتقديره تقدير عدل وحكمة لا شك فيهما. لذلك حسن الظن بالله يعني أن تظن بالله ما الله أهله بغض النظر عن أي اعتبار آخر، مهما جاءت نتيجة على غير ما توقعت أو وقع أمر دون معرفة وجه الحكمة، يظل اليقين بالله بما هو أهله يقينا لا يتزعزع لأنه يستمد أنفاس حياته من ذات الله رأسا، فالله أهل كل خير وحكمة قطعا. افهم عن الله ما الله أهله، وأيقن بذلك دون تشرط أو طلب دليل إثبات!

حسن الظن بالله تعالى لا يعني أن تضع قائمة بالأمنيات وتصوراً بالتطلعات وتوقعات بالنتائج، ثم تنتظر من الله أن يلبي لك على ما تهوى. ومهما تسترت تلك النفسية وراء شعارات صحيحة من باب الطمع في فضل الله وكرمه، فهي عقدياً نفسية غير سويّة.

كذلك حسن الظن بالله وغاية التضرع في الدعاء هو أن تفتقر لفضل الله لا لذات الأمنيات، وترجو كرم الله بغير أن تحصره في صورة معينة إذا لم تتأت خاب ظنك! بل افهم عن الله سننه التي سنّها في تدبيره وأرضه وبين خلقه، وما وعد به فالزمه ولا تزد عليه توقعات من عند نفسك.

الله وعد بالإجابة، لكن ليس شرطاً في التو واللحظة. وهو يقدر لك الخير قطعاً لكنه "الخير حيث كان"

الله وعد بالإجابة، لكن ليس شرطاً في التو واللحظة. وهو يقدر لك الخير قطعاً لكنه "الخير حيث كان" كما في دعاء الاستخارة، لا حيث أردت أن يكون بالضرورة، ولا لزاماً على ما تخيلت، وذلك لأن الله يعلم وأنت لا تعلم. وتكفّل الله بضمان الرزق الذي قدّره لكل أحد وفق سياقه بحكمة وعلم وعدل، ولا يدخل في الضمان أن تبيت ورزق سنة كاملة محسوب أمامك! {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34]، لكن كل نفس تدري ممن تطلب الرزق.

مفتاح حسن الظن بالله وحسن الفهم عنه تعالى، أن توقن أنّ الله يعلم وأنك لا تعلم، وأنه تعالى لا يعجزه شيء، وأن تعي أنه تعالى الله الرب وأنت العبد. فإما أن تسلّم لله واثقاً غير مرتاب على ذلك فلن يخيب ظنك أبدا، أو تحيد عن ذلك ولن يتحقق لك ظن أبدا !

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …