من الذي ترجوه غير الله؟

الرئيسية » بصائر تربوية » من الذي ترجوه غير الله؟
Dhikr-God%u2019s-Always-Open-Door

تحدثت في المقالين السابقين عن سؤالين مهمين، إذا أجبناهما فإن الكثير من الأمور والمفاهيم يتم ضبطها لدينا.

أما السؤال الوارد في العنوان، فإننا حينما نتفكر فيه فإننا نضبط بعض المفاهيم منها:

فلتسعك نفسك: لنرفع هذا الشعار في مواجهة ما نشهده اليوم على ساحة وسائل التواصل الاجتماعي من فورات التقلبات النفسية، وشدة الحرص على جلب الاهتمام والتعاطف والإعجاب بمشاركة كل نفسية يمر بها صاحبها على الملأ. وليس القصد نفي أي درجة من درجات الشعور الإنساني أو حتى فوضويته في بعض الأحيان، فإن هذا لابد وارد وكلنا نمر به، لكن القصد ألا يكون هذا الانفلات العاطفي هو الطبع الرئيس، ولا هذه الدراما الجماهيرية هي مبلغ هم الواحد منا! لأنه ببساطة لا وقت لذلك، وليست هذه النوبات مما يتعبد بها لله بذاتها وإنما بكيفية تعاملك الصحيح معها.

ليعلم كل ذي ابتلاء أنه ليس متفردا في البلاء، وأن ابتلاءه ليس نهاية العالم وإنما نهايته هو وحده إذا قرر أن يكون كذلك

إن الحل معها ليس أن نتبلد شعوريا وإنما أن نخشوشن أكثر إذا كنا جادين في أن نكون حلولا بذواتنا وأمما في أنفسنا، فيلملم كل منا شَتات نفسه بنفسه، وإذا تعثر فلا يطل العَثرة ولينهض سريعاً، وليعلم كل ذي ابتلاء أنه ليس متفرداً في البلاء، وأن ابتلاءه ليس نهاية العالم وإنما نهايته هو وحده إذا قرر أن يكون كذلك.

وفي مقابل تلك الجماهيرية في العواطف تجد الغرق في نوبات الاكتئاب والإحباط والحسرة حتى يقعد الإنسان عن كل خير، وهذا كذلك مما لا يتعبد لله به وليس حلاً، وإنما هي صور هروب متسترة، فثمة فرق بين صور التفريغ العاطفي التي مهما طالت أو أراحت مؤقتاً لا تحل شيئاً، والسعي الجاد في حل مشكلة ما لابد من مواجهتها مهما طال التهرب منها. والهرب من ثقل مسؤولية هذه الحياة وهذا العمر لن يرفع عنك عاقبة المحاسبة عليهما.

ثمة فرق بين صور التفريغ العاطفي التي مهما طالت أو أراحت مؤقتا لا تحل شيئا، والسعي الجاد في حل مشكلة ما لابد من مواجهتها مهما طال التهرب منها

• وإذا كان من المشروع اتخاذ صحبة للتعاون والتثبيت، فلابد من التنبه إلى أن الصحبة إنما تراد في الله لا بديلاً عنه أو ملاذاً مشتركا معه. ذلك أنه مهما يكن من أمر فالله له، لذلك "استعن بالله ولا تعجز" كما في الحديث، وليكن الله ملاذك الأول قبل سماعة الهاتف أو تدوينات الفيسبوك، ومن كان الله ملاذه الأول لم يحوجه لغيره، بل إنه تعالى هو الذي يوقف لك الشخص المناسب ليشير عليك بالمشورة المناسبة، بدل أن تذهب توزع خبابا نفسك على هذا وذاك.

وليترفق كل ساع للشكوى أو طالب للفضفضة فما منا إلا وهو ذو هم، ولذلك من الخير أن يكفي كل امرئ أخاه همه ولا يزيده عليه، وأن يقتصر قدر المستطاع على مشاركة دواخله عند حاجته للمشورة، لا لمجــرد الشكوى أو مجرد المشاركة.

إنك إذا لم تنهض بنفسك لنفسك اليوم فلن ينهضك أحد ولن يدفعك شيء لا غداً ولا بعد غد ولا أبداً

• وإذا كنت ترجو الله وحده، فلا تعش بنصف قلب، إذا أردت وَصْلا فَصِل في وضوح وإذا شئت قطعاً فاقطع في أدب، إذا عزمت فتوكل وإذا خيّرت فاستخر واختر، إذا كنت ستعمل فاعمل أو كنت ستغادر فغادر، تريد طلب العلم اذهب واطلب أو تريد رياضة الجسم انزل وامش. خذ الحياة بقوة واتخذ القرارات بحسم، وامض في عمل ما تريد عمله بدل الدلال والتكاسل ثم الشعور بالرِّثاء لنفسك أو السَّخَط عليها. إنك إذا لم تنهض بنفسك لنفسك اليوم فلن ينهضك أحد ولن يدفعك شيء لا غداً ولا بعد غد ولا أبداً.

ختاماً، ليكن همك في تصرفاتك كلها ما يطلع الله عليه منك وليس ما يظهر للناس عنك، فالناس أبداً سيتكلمون ويخوضون ويرضون ويسخطون، لذلك من جعل الله همه جمع عليه أمره وأهدأ باله، ومن تطلع للناس كثر عليه الغم وتشعبت به المسالك ولم يرضَ عنه الناس ولا رب الناس.

وأختم ختام المسك بموعظة رائعة للتابعي الجليل عطاء بن رباح، يقول فيها لهشام بن عبد الملك:
"اتق الله في نفسك يا أمير المؤمنين ، واعلم أنك خلقت وحدك، وتـمـوت وحدك، وتـبعــث وحدك، وتـحشـر وحدك، وتحاسب وحدك، ولا والله! ما معك ممن ترى أحد".

ما معك ممن ترى أحد
فاجعلها نصب عينيك
ثم امضِ ولا تلتفت

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …