"السلاسل التي ستقيدون بها زوجي ستكون وبالاً عليكم دنيا وآخرة"..
بهذه العبارات وقفت أعز الناس إلى قلبي "زوجتي" أمام جنود فرعون أثناء اقتحامهم لبيتي وترويع أطفالي.
كان ذلك في أول شعبان من العام الهجري الماضي، وبرغم أن الأمر لم يتعد الخمسين يوما، إلا أنها كانت لها آثار على المستوى الشخصي والأسري.
ولكن قد يسأل القارئ: لماذا هذا الموقف؟
أقول: لأن هذا المقال إلى المرأة صاحبة الفكرة، ولا يصح أن نتحدث عن الفكرة دون أن نذكر دور المرأة في الإسلام ومكانتها.
فالسيرة النبوية العطرة سطرت دور النساء بحروف من ذهب، فلم يكن مستغرباً جهاد السيدة خديجة، وثبات السيدة أسماء، وحكمة أم سلمة، وشجاعة الخنساء، وبطولة أم عمارة.
كلها مواقف عامرة في الطريق، مضيئة المسار والمسير، فهذا بإيجاز هو الدور المنشود للمرأة في الإسلام، فهي صاحبة رسالة وهن شقائق الرجال.
المرأة اليوم تعيش مراحل من التمحيص على مدار الساعة، وربما محنتها أكبر؛ كون العبء صار واضحا عليها، والتربص بها دائماً، والكيد عليها يومياً
إن المرأة المسلمة اليوم تعيش مراحل من التمحيص على مدار الساعة، وربما محنتها أكبر؛ كون العبء صار واضحا عليها، والتربص بها دائماً، والكيد عليها يومياً في كل لحظة ودقيقة.
إن المرأة المسلمة سطرت في العهد الحديث ملاحم دعوية، وجهادية، وتربوية على أرض الجهاد في فلسطين والعراق وسوريا، ولازالت تسعى لتحرير قرار وطنها في مصر مع الشرفاء من أبناء الوطن المسلوب، بلا يأس أو ركود، بل بوعي وتجديد برغم ما تراه من بطش وحرمان ممن تحب.
فهي الأم المضحية الصابرة على استشهاد ابنها، والزوجة المحتسبة على استشهاد زوجها، والأخت الثابتة على مطاردة زوجها، وحرمانه من أطفاله.
إن نساء الحركة الإسلامية صاحبات فضل، وثباتهن على مدار التاريخ ليس من الآن فقط بل منذ خمسينيات القرن الماضي، فقد كن دوما صاحبات فكر ومبدأ، والداعم الأكبر للرجال في الطريق رغم قسوته.
والنساء كن معولاً للبناء والحفاظ على البيت، وربين أولادهن على الرجولة الحقيقة وتجلياتها في طاعة الله.
ضربت الحركات النسائية في مصر والوطن العربي أمثلة راقية في الفهم، والتجرد الصادق في الدفاع عن المظلومين، ومجابهة الظالمين بكافة الوسائل
لقد ضربت الحركات النسائية في مصر والوطن العربي أمثلة راقية في الفهم، والتجرد الصادق في الدفاع عن المظلومين، ومجابهة الظالمين بكافة الوسائل، فلم تلن لهن قناة أو تزول قناعتهن بحتمية النصر.
ورغم شدة التنكيل والقتل والاعتقالات والمطاردات، وتحول مصر لدولة الظلم والقهر، وأصبح في كل بيت إما شهيد، أو معتقل، أو مطارد، وهنا ظهر المعدن النقي لنساء وبنات الحركة الإسلامية، فهما، وعملا، وقولا، وثباتا، وهمة، وسعيا، في أخذ الحقوق وبدأت ملاحم من البطولات، قد يعجز القلم عن حصرها، واللسان عن ذكرها.
لقد كان بطش الظالمين شديداً ولازال، وأمام هذا البطش كان الثبات أشد، والإصرار أعظم ولا يأس.
وهذا يفرض على الجميع السعي لتخفيف آلام آلاف الأسر والزوجات.
فالحركة الإسلامية اليوم تكمن قوتها في شبابها ونسائها وهذا بشكل صريح، فهتان الفئتان هم أكثر الناس دفعاً لضريبة الحرية والحياة الكريمة، وكميات التضحيات التي قدمت ولازالت يصعب حصرها.
إن الأخت المسلمة معنية اليوم بشكل واضح بتربية جيل جديد قويم صاحب عقل ووعي، مبصر بعيوبه، ويسعى في حلها، معترفاً بخطئه، ومصمماً على الرقي بنفسه وبأسرته.
إن زوجة الشهيد اليوم سطرت وتسطر بفهمها، وعقلها، وصبرها، ملحمة ربانية في مصنع الرجال، وإعداد الأبطال، وليكن الوفاء للزوج الحبيب هو إعداد الأبناء وحسن تقويمهم ليكونوا خلفا لوالدهم على هذا الطريق الذي ارتضاه لنا ربنا عز وجل، فذلك هو الوفاء الأكبر.
كما أن زوجة المعتقل، ما زالت تسطر ملحمة أخرى، رغم كمية المتاعب التي تعانيها، نفسياً، وبدنياً وأسرياً، وحياتياً، لكن عزاؤنا أن الله يسمع، ويرى، ويمهل للظالم، ولا يهمله، والله من ورائهم محيط. وإن هذه الزوجة العظيمة حتماً ستوفى أجرها في الدنيا قبل الآخرة، وستزول كل هذه الهموم، فهي كالغيوم لن تدوم وستتذكر هذه الظروف، وهي ضاحكة مستبشرة، وتتعجب! كيف كان هذا الثبات والإصرار والهمة العالية! لكنها ترجمة لمعية الله لعباده الصابرين.
إن زوجة المطارد عليها أن تعي جيدا وضع زوجها وتعمل على راحته، ولا تقدم أبدا راحتها وراحة أي شخص على أمنه، وسلامته، فذلك عبث يعطل ويؤذي.
يا نساء الحركة الإسلامية: اعلمن أن النصر مع الصبر، وأن بعد العسر يسرا، وأن ليل الظالمين مهما طال، ففجر الحق سيسطع رغما عنهم
يا نساء الحركة الإسلامية: استعنّ بالله وابشرن واستبشرن ببيعكن الذي بايعتن.
واعلمن أن النصر مع الصبر، وأن بعد العسر يسرا، وأن ليل الظالمين مهما طال، ففجر الحق سيسطع رغما عنهم.
يا نساء الحركة الإسلامية إن ثباتكن أذهل الجميع، ووقوفكن أمام الظالمين أعجز كل مدعٍ للرجولة.
يا زوجة الشهيد، وأم المعتقل، وابنة المطارد: أنتن والله فخر لهذه الأمة المكلومة، وسامح الله من أوصلنا لهذا الوضع، ولكن يقيني أن الحساب قادم للجميع، ظالم أو معطل.
إن تضحياتكن وقوتكن في الحق، ترجمة قوية لفهم الفكرة الإسلامية، وفي نفس الوقت نواة لتغير حقيقي ننشده جميعا لدعوتنا، وفكرتنا، ونسعى ولن نكل أو نمل من العمل والبناء.
إن البيعة مع الله في المقام الأول، وعليه فالمرء مطالب بالجد، والجهد، وتصحيح مسار أفكاره إن استشعر أن هناك عطل، أو عطب، وأن الأمر كما هو برغم هول المحن وشدتها.
إن المرأة دوما كانت رائدة في البناء، والتغيير الحضارى، لذلك فعلى كل صاحبة عقل، ووعي، وفهم حقيقي لدعوتها، أن تسعى لاستنارة عقلها وتطويره، والبحث عن مقومات فكرية تساعدها على إحداث حراك ووعي قوي في محيطها الدعوي والأسري.
إن الأخت المسلمة عليها أن تعِ حجم المهام الملقاة على عاتقها، في تربية جيل، وغرس قيم الحق والقوة والحرية، وتنشئة شباب يفكر، وبنات تبدع بعقول نيرة، وأفكار خارج الصندوق بعيدا عن الروتين والكسل.
ختاما..
يا زوجة الشهيد والمعتقل والمطارد: الثبات.. الثبات فالله توعد بالنصر لعباده الصابرين، المحتسبين مهما طال الظلم والظلام، فحتما ستشرق شمس الحق والقصاص {إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا}.