المستحيل في اللغة هو ما لا يمكن وقوعه، وإذا طبقنا هذا التعريف على الأحلام، وجدناه صعب التطبيق عليها، ذلك أن كثيرًا من الأمور والأحداث التي كانت مستحيلة في الماضي، باتت جزءًا من حاضرنا اليوم، وربما من أبرزها وسائل الاتصالات والتكنولوجيا. من هذا المنطلق، نتساءل إذا ما كان هناك أحلام مستحيلة؟! وإذا صح ووجدت تلك النوعية من #الأحلام، فما العائق الحقيقي وراء عدم حدوثها؟!
الإسلام والأحلام!
ربما يكون من الطريف في هذا المقام ذكر أن انتشار الإسلام نفسه كعقيدة كان حلمًا . فكان أمل انتشار هذا الدين موجودًا دائمًا في قلب وعقل النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وقد قال عيه الصلاة والسلام: "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون." (رواه البخاري). فإذن كان انتشار الإسلام وسيادته حلمًا وقتها، إلا أنه تحقق فيما تلا ذلك من عصور. والسبب وراء ذلك هو توفيق الله أولًا، وجهاد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ثانيًا.
الأمثلة المتعلقة بانتشار العقيدة وفتح البلاد، هي أكثر الأمور التي يستصعبها الناس ويستبعدونها، ورغم ذلك فإنها لا تلبث تصير حقيقة واقعة يعيشها الجميع
مثال آخر للأحلام في التاريخ الإسلامي، هو فتح القسطنطينية، ففتحها كذلك كان حلمًا، ولكن مرة أخرى بتوفيق الله، ثم ذكاء محمد الفاتح وحنكته السياسية تمكن من ذلك، والأمثلة في تاريخنا الإسلامي لا تنتهي. والسبب في اختيار تلك الأمثلة المتعلقة بانتشار العقيدة وفتح البلاد، هي لأنها أكثر الأمور التي يستصعبها الناس ويستبعدونها، ورغم ذلك فإنها لا تلبث تصير حقيقة واقعة يعيشها الجميع.
واقع حاضر لحلم ماضٍ:
إذا ما أمعنا النظر في تاريخ الأحلام، لوجدنا الكثير من الأمور التي كانت مجرد أفكار وأحلام، وربما وُصم أصحابها بالجنون، بيد أنها صارت واقعًا نعيشه، بل ولا نستطيع الاستغناء عنه في كثير من الأحيان. فجميع وسائل الاتصالات بما فيها الإنترنت كانت حلمًا بعيد المنال، والآن غدت واقعًا لا نتخيل حياتنا بدونه!
مما سبق نَخلُص أنه لا يوجد حلم بعينه نستطيع يقينًا وصفه بالمستحيل . ولكن هناك عوامل إذا ما وُجدت أسهمت في جعل الحلم حقيقة، وإذا ما اختفت، أدت إلى استحالة تحقيق الحلم وإن بدا بسيطًا أو واقعيًّا في عرف الجميع.
شروط الأحلام حتى لا تغدو مستحيلة
أولًا: بذل الجهد والأخذ بالأسباب
كأي عمل في هذه الدنيا، فمجرد التمني والترجي، لا يحقق شيئًا ولا يحل مشكلة. فلا يكفي أن يتمنى الإنسان أن يكون طبيبًا مثلًا، وإن بدا هذا الحلم ممكنًا وواقعيًا للكثيرين، فإن على الإنسان بذل المجهود الكافي، والذي يؤهله ليكون طبيبًا. فحتى الأمنيات الواقعية، قد تنتهي في مصاف الأحلام، بسبب عدم بذل أي جهد، أو وضع أي خطة لجعلها حقيقة. والحال كذلك، فلا عجب إذن أن نرى كثيرًا من الأحلام المستحيلة، تتحول بالجهد والإرادة إلى حقيقة!
الأمنيات الواقعية، قد تنتهي في مصاف الأحلام، بسبب عدم بذل أي جهد، أو وضع أي خطة لجعلها حقيقة
ثانيًا: من فكرة إلى واقع ملموس
أن يتمنى أحدهم تأليف رواية يُعتبر حلمًا، ولكنه ما إن ينشأ في تنفيذ الخطوات العملية في كتابة الرواية: كمعرفة أصول الكتابة، وقراءة عدد من الأعمال الأدبية، وإتقان فن الكتابة والأساليب الأدبية، ومعرفة كيف تتم الحبكة، فيكون حينها قد اتخذ خطوات عملية، لتنفيذ ذلك الحلم. وبالتالي، تحويله من مجرد فكرة في العقل، إلى رواية يقرؤها الجميع! ثم يبدأ بعدها في تحديد عدد ساعات للعمل وتنفيذه، والأمد الذي يجب الانتهاء منه، وهكذا حتى يحقِّق الحلم. ونحن كثيرًا ما نردد عبارة: "بذَل من أجله المستحيل"، والمعنى المراد ليس أنه بذل "ما لا يُمكن بذله!"، وإنما تعني أنه "بذل أقصى ما يستطيع"، فحري بنا أن نفعل ذلك لتحقيق أحلامنا.
ثالثًا: على قدر المشقة يكون "الحلم":
ليس كل إنسانًا يصلح مديرًا، أو مهندسًا، أو مذيعًا. فكما أن للجهد معول، فكذلك للموهبة، والمؤهلات الشخصية، والظروف، والرزق، وتيسيير الأمور، المعول الأكبر في تحقيق الأحلام
كذلك من الأمور التي يغفلها الكثير، أن الإنسان قد يبذل المجهود، ولكن لربما لا يكون مؤهلًا للحلم الذي يسعى له، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "اعملوا فكل ميسر لما خُلق له" (متفق عليه). فليس كل إنسانًا يصلح مديرًا، أو مهندسًا، أو مذيعًا. فكما أن للجهد معول، فكذلك للموهبة، والمؤهلات الشخصية، والظروف، والرزق، وتيسيير الأمور، المعول الأكبر في تحقيق الأحلام. وصدق عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين قال: "رحم الله امرئاً عرف قدر نفسه". ولا بأس هنا بقدر من خوض التجارب، لمعرفة ما يصلح له الإنسان. ولا ريب أن الاستشارة والاستخارة سيسهمان بشكل كبير في حل تلك المعضلة، ومساعدة الإنسان في أن يهتدي للسبيل بإذنه تعالى.
في الختام نتوصل أنه لا وجود للأحلام المستحيلة، وإنما بالعزم، والإيمان، وبذل الجهد، والتوكل على الله، يصير الصعب يسيرًا، والمعقد بسيطًا، والمستحيل بعون الله ممكنًا!