رُزق "أبو عمر" بمولودة، وأحب أن ينتقي لها اسماً جميلاً والأهم من جماله أن يكون جديداً ويواكب الموضة ليتباهى به أمام أصدقائه وأقاربه، فخيرته زوجته "صاحبة الجلالة" بين اسمين وهما "ماهيتاب" وهو اسم غير عربي، ولا معنى له في لغتنا، والآخر" رَمِيْس" وهو اسم عربي يعني المدفون أو المقبور.
وفي محاولةٍ من "أم عمر" لإقناع زوجها باسم "ماهيتاب" حلفت له أن الاسم له معنى في لغتنا العربية وأنه مأخوذ من الهيبة.
ولكي يُرضي أبو عمر زوجته ظل يبحث عن معنى آخر لكلا الاسمين لعله يجد مخرجاً، ولما أخفقَتْ محاولاته وخاف على ابنته البريئة من اسم "رميس" والفأل السيئ، عاد إلى اسم (ماهيتاب) وسمى ابنته به، وظلت زوجته تحاول إقناعه بجمال الاسم، وعذوبة إيقاعه، وكأنه ابن منظور يستطيع تغيير معناه لأجل عينيها.
سبب التسمية بأسماء غريبة
من جهتها، قالت الدكتورة أنيسة قنديل عضو مجمع اللغة العربية – فلسطين- في حديثٍ لـ"بصائر": "إن كثيراً من التسميات تنطلق من الإعجاب والتعلق بمن يحملون #الأسماء الغريبة، موضحةً أن بعض الآباء يُعجبون بزعيم أو زعيمة مثل أنديرا، وديانا أو يُعجبون بفنّان مشهور، أو ممثّلة معروفة فيسمّي ولده باسمه أو باسمها مثل نانسي أو ماتيلدا أو ما شاع من أسماء في المسلسلات التركية مثل راكان، وكنان، وفرات، وجوري، وألما، وأيلول إلخ".
وأشارت إلى أن #الآباء يسمون أبناءهم بأسماء غريبة وجديدة لا تتصل لا بلغتنا ولا بثقافتنا، وتغلب عليها الميوعة المتكلفة، والعبثية غير المسؤولة دون ملاحظة الآثار السلبيّة لها.
وأضافت قنديل أن البعض يسمي بأسماء غريبة في محاولةٍ لمواكبة "الموضة"،" وهذا أسمعه كثيراً من بعض الناس فيقولون مثلاً أن الاسم الذي ينتهي بتاء مربوطة قديم ولا يواكب الموضة".
وتابعت" كما أن هناك من يُسمي بإسم غريب من باب التفاخر بأن اسم ابنته أو ابنه لم يسبقه إليه أحد في تسميته".
ونوهت قنديل إلى أنه لا توجد أهداف معينة من وراء التسمية بأسماء غريبة عن لغتنا وثقافتنا، سوى أنه تقليد أعمى ، وتحقيق للرغبات الشخصية، ومنهم من يعتبره سبقاً لم يصل إليه غيره، على حد تعبيرها.
أهمية الاسم لصاحبه
قنديل: الاسم هو عنوان صاحبه، وأول انطباع يُؤخذ عنه بعد مظهره، كما أنه يُؤخذ من خلاله انطباعٌ عن والديه
وذكرت قنديل أن الاسم هو عنوان صاحبه، وأول انطباع يُؤخذ عنه بعد مظهره، كما أنه يُؤخذ من خلاله انطباعٌ عن والده، مُشددة على أهمية أن يختار الاب لابنه اسمًا شرعيًّا عربيًّا، يبتعد عن الميوعة والتحلل.
وحذرت الآباء من الأثر المرتبط بتسمية #الأبناء بأسماءٍ أجنبية لممثلين أو لاعبين أو مشاهير، مثل طوني وجون وسبستيان، قائلةً: "مِن اسمِك أعرِف أباك، فهو المعيار المعبِّر عن هويَّة وثقافة الأب".
وأردفت قائلة: "لا شك أن هناك مناسبة قوية بين الاسم والمعنى، فالاسم دُعاء وعنوان على صاحبه، وهو مرتبط به، وهذا الأمر قد قدَّره الله، وألهمه رسولَه الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ فكان واضحًا في مواقفه، وألهم الله تعالى هذه الحقيقة في نفوسَ العباد، واليوم يصيح عُلماء النفس مؤكدين ذلك؛ فَقَلَّ أن يوجد لقب إلا وهو يناسب صاحبَه، وقيل: لكل مسمًّى من اسمه نصيب".
واستدلت قنديل بقول ابن القيم: (أكثر السِّفْلة أسماؤهم تناسبهم، وأكثر الشرفاء والعليَة أسماؤهم تناسبهم).
وقع الاسم على نفسية صاحبه
وأكدت قنديل على ضرورة أن يُراعي الأب الضوابط الشرعية أثناء التسمية، مبينةً أن هناك الكثير من الأسماء تؤثِّر سلبًا على نفسية المسمى، ويشعر بالخجل من اسمه، ويتوارى ويتحاشى ذكره، مما قد يسبب له الانطواء وغيره من الأمراض النفسية؛ نتيجةً لسخرية الآخرين؛ فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر ويؤثر في مَن حوله، بحسب قنديل.
واستدركت "أما من يحمل اسمه معنى جميل فإنه يشعر بالعزَّة والإشباع النفسي، وكذلك والده، لاسيما عند سؤاله عن سبب تسمية ابنه بذلك الاسم".
المردود الاجتماعي للاسم الشرعي
وقالت قنديل: "إن للاسم الشرعي مردودٌ اجتماعي حين يكون اقتداءً بأسماء الأنبياء والصالحين؛ فتخلد أسماؤهم، وتستمر ذكراهم وما قدَّموه لأمتهم من خير ونفع للآخرين؛ فتستمر سلسلة الإصلاح في الأمة".
واستدلت بقول الشيخ بكر أبو زيد: (للاسم تأثير على الأمة في سلوكها وأخلاقياتها)، مضيفةً أنه يُعطي رؤية واضحة لمدى تأثير التموجات الفكرية والعقدية على الأمة، وانحسارها عن أخلاقياتها وآدابها، واستيلاء العجمة عليها.
وذكرت قنديل بعض الأسماء التي لا يوجد لها معنى في اللغة العربية، ولا يُفضل التسمية بها وهي، راما: آلهة للهندوس، ونائلة ومناة: وهما أسماء أصنام، ورينا: بمعنى غطى على قلبه، وريماس: ليس له أصل في العربية.
شروط التسمية
ومن جهته، قال الدكتور زياد مقداد الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله في الجامعة الإسلامية بغزة لـ"بصائر": "إن نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- نبه للقيمة الرمزية للاسم، فحث على اختيار الأسماء الحسنة، واقترح أمثلة عليها، ولم تعجبه أسماء أخرى، فأنكرها أو أمر بتغييرها".
وأضاف أن أهمية الاسم تكمن في أنه يلازم الإنسان حيّاً وميتاً ، ويظل أيضاً متسمياً به حتى في عالمه الآخر، على حد تعبيره.
وشدد مقداد على ضرورة أن لا يُنابذ الاسم الشريعة الإسلامية، ولا يخرج عن لغة العرب، مع محاولة الاقتداء بأسماء الصحابة والصحابيات، وانتقاء الأسماء التي تحمل معانٍ سامية يعتز بها أبناءهم ويفخرون بأنفسهم وبأسمائهم عند سؤالهم عنها.
وقال مقداد: "إن بعض الآباء قد غَضَّوا الطرف عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وخالفوا اليهود والنصارى...))، وعن قوله: ((من تشبه بقوم حُشِر معهم))؛ فتسابقوا إلى التشبُّه بأعداء الله في تسميتهم، وصبَغوا مواليدَهم -الصفحة البيضاء- بأسماءٍ ما أنزل الله بها من سلطان، ووضعوا أهم أسباب الوهَن في أجيالهم، الذي هو من خصائص الأمة المغلوبة".
وذكر أن اختيارَ الاسم قد يكون سُنة حسنة وصدقة جارية، يمتدُّ أثرها ونفعها إلى أجيالٍ متعاقبة، وقد يكون سيئة جارية ينتقل أثرها السيئ إلى جيلٍ بعد جيل؛ لذلك كان الاسم هو أحب كلمة يسمعها صاحبه.
مقداد: اختيارَ الاسم قد يكون سُنة حسنة وصدقة جارية، يمتدُّ أثرها ونفعها إلى أجيالٍ متعاقبة، وقد يكون سيئة جارية ينتقل أثرها السيئ إلى جيلٍ بعد جيل
تحريم تسمية المولود في حالات
وأوضح أن الشريعة قد دلت على تحريم تسمية المولود في واحد من الوجوه، مبيناً أن المسلمون اتفقوا على أنه يحرم كلُّ اسم مُعبد لغير الله تعالى، مثل: عبد الرسول، عبد النبي، مضيفاً أنه ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخنع اسم عند الله رجل تَسمَّى ملك الأملاك)).
وتابع "كما لا تجوز التسمية باسم يختص به الله سبحانه، مثل: الرحمن، الرحيم"، بالإضافة إلى التسمية بالأسماء الأعجمية، والتركية، أو الفارسية، أو البربرية، أو غيرها مما لا تتسع لغة العرب ولسانها، ومنها: ناريمان، شيريهان، جيهان..."، بحسب مقداد.
وأكد على أهمية توعية الآباء بأهمية الاسم عن طريق وسائل الاعلام، وبيان معانيها اللغوية ووجهة نظر الشريعة فيها، قائلاً: "إننا كمسلمين تنفر أرواحنا إذا عرفنا أن معنى الاسم سيئ أو يخالف الشريعة الاسلامية".
وختم مقداد حديثه بالقول: "رسالتي لمن يودون تسمية أبنائهم بأسماء جديدة، أن يسألوا أهل الاختصاص في اللغة وأهل الشريعة ليتأكدوا من صلاحيته، مع أهمية أن يبتعدوا عن التقليد والمحاكاة لأسماء الغرب".