أنا لا يعجبني أسلوب زوجي مع ابنه، ونفسيتي تعبت، وزوجي يحبني ومتدين وذو خلق، لكنّه عندما تأتي سيرة ابنه يُعصّب جدًا، كما أنّ ابني ترك للصلاة بعد أن كان يؤديها بالمسجد، وعندما أكلمه، لا يريد الكلام في هذا الأمر!
الآن أولادي ينفرون من الدين والصلاة مع أني اخترت والدهم لتدينه، أيضًا بنتي تعبت نفسيتها، وذهبت لطبيبة نفسية، وشخصتها اكتئاب بعد أن تخرجت من الجامعة، وكانت طول حياتها تصلي وتلبس الواسع، وتذهب للمسجد تحفظ القرآن دون أن أطلب منها، والآن تركت الصلاة، وتلبس بناطيل، وتقول: إنّها طيلة حياتها تسمع الكلام، والآن تريد أن تعيش بحريتها بدون قيود، وتقول: إنّها لا تعرف إن كانت على الدين الحق أم لا! وأنّها دعت الله في أشياء كثيرة كانت تتمناها ولم يستجب لها، فلماذا تستمر في الدعاء والصلاة!
لقد صدمت منها عندما سمعت هذا الكلام، ولم أتوقع أبدًا من بنتي هذه بالذات، وكنت أعتبرها مثالية، ولست أدري سبب هذا التحول! هل تشدد والدها معها؟ أم ماذا؟ وبالمناسبة أنا لم أخبر أباها بتركها للصلاة؛ لأنّي لست أدري ردّة فعله وأخشاها.
بنتي ترتيبها بين أخواتها رقم 2، أرجوكم أفيدوني ماذا أفعل معها؟ وأرشدوني للحل. شكرًا لكم.
المستشار: د. رباب محيي عمار
أختي الكريمة: أهلاً ومرحبًا بك.
أعانك الله؛ فأنا أستشعر تمامًا وأتفهم معاناتك، فأنت أمّ تعبتي كثيرًا من أجل أبنائك، واخترتي لهم الأب المتدين، وسهرتي عليهم، ووثقتي بزوجك في أمر التربية؛ فهو الرجل المتدين الأستاذ الجامعي، ولديه من العلم والدين ما يؤهله لأمر التربية، ومن الواضح أنك تركتي له زمام الأمر ولم تكوني تتناقشين معه في أمر تربية الأبناء، ولكن يبدو أنَّ التربية كانت حازمة وصارمة، بحيث لم يشعر الأبناء بحرية الرأي والتصرف أو النقاش والحوار.
والآن وبعد أن شبّ الأبناء عن الطوق يريدون أن يشعروا بالحرية، يريدون أن يتصرفوا بدون قيود، وأن يحقق كل منهم حسب شخصيته وميوله بالطبع ما يحب، فابنك رغم تفوقه ورغم قرب تخرجه، إلا أنّه تمرّد على الدراسة التي قد تكون قد تم فرضها عليه أو أنّه لم يختارها بإرادته أو لم تناسب ميوله.
وأمّا ابنتك المطيعة التي كانت تصلي وتحفظ القرآن وترتدي الزي الشرعي، أيضًا تتمرد على كل هذا وتريد أن تتصرف كما يحلوا لها أيضًا وبدون قيود، وربما كان هناك سببًا آخر يتعلّق بأمر عاطفي ولكنّها نتيجة التربية لم تصارحك بذلك، ولقد استشعرت بذلك حين ذكرت الفتاة أنها دعت الله كثيرًا ولم تتم الإجابة، وكذلك من خلال تمردها على طريقة ملابسها وكأنها ترى في التزامها سبب خذلانها.
علاج أمور أبنائك بحاجة إلى حكمة بالغة في التعامل معهم، وبحاجة تضافر الجهود، وبحاجة أن يتفهم الأب ما يمر به الأبناء وأن السبب في ذلك هو أسلوب التربية الصارمة والحازمة، إنّهم أبناؤه وبحاجة إلى حبّه واحتوائه وحنانه وتفهمه، ولن يجدي أسلوب الخصام، بل سيجعل الابن يتمادى في سلوكه؛ لذلك ابحثي في دائرة معارفكم عمّن يتحدث إلى الوالد بهدوء بضرورة احتواء الابن، وإقناعه بإنهاء دراسته الجامعية.
ومن الممكن ألا يترك عمله مع الدراسة، وأن يعمل بنفس المجال بعد التخرج، ولكن لا بدَّ أن ينهي دراسته الجامعية حتى يكون حاصلاً على شهادة جامعية تؤهله للحصول على فرص أفضل في الحياة والعمل والزواج، وحاولي أن يكون لك دور الوساطة بين الأب والابن، وتحدثي للابن بهدوء وانصحيه بحب أن يكمل دراسته الجامعية بدايةً من أجل مستقبله هو، ثم من أجل رضا والده والحصول على دعمه وحبه.
أمَّا بالنسبة للفتاة: فهي بحاجة للحبّ والتقبل، فحاولي أن تحتويها وتحتضنيها بحنان، وتحدثي معها بحبّ وود، واطلبي منها أن تصارحك بكل ما في قلبها وما يدور في ذهنها، وعن سبب تغيرها وتركها للصلاة، وقولي لها: أنّه لم يتم إجبارها على شيء، وأنّها كانت تفعل ذلك طائعة.
وقولي لها: أنَّنا ندعو الله، وأنَّ الله هو أرحم بنا ويعلم ما في صالحنا، وقد يؤجل لنا استجابة دعاء أو يبدلها بأمر آخر أو يدخرها لنا في الآخرة؛ لتصبح حسنات ترتفع بها الدرجات، فليس شرطًا أن يستجاب كل الدعاء والمؤمن يعلم ذلك؛ فلا ييأس ولا يقنط من رحمة الله، ويرضى بكل عطايا الله ويرضى بكل ما قسمه الله له؛ كل ذلك لا بدَّ أن يتم بهدوء وبحبّ.
وقولي لها: أنَّ الله قريب ومجيب، وهو الغفور الودود؛ فلتستغفر الله على ما كان منها، وستجد أنَّ الله غفور رحيم، فلتعد لأداء صلواتها، وتثق بأنّ الله سيعوضها خيرًا -بإذن الله-.
أختي الكريمة: أسرتك بحاجة لحبك ودعمك وقوتك كأم، فكوني قوية من أجل أبنائك، وأقنعي زوجك أنَّ الأبناء كبروا وأصبحت لهم شخصياتهم المستقلة، والعقاب لم يعد يناسب تلك الشخصيات في ذلك العمر، وهم بحاجة للنقاش والإقناع والحوار والهدوء والتشجيع أكثر.
أهلاً وسهلاً بك -أختي الكريمة وأدعو الله أن أن يطمئن قلبك على أبنائك، وأن يهديهم إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبهم الشيطان، وأن يحفظهم هم وسائر أبناء المسلمين، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، وبانتظار المزيد من استشاراتك.