دلالات انتخابات “حماس” الداخلية

الرئيسية » بصائر الفكر » دلالات انتخابات “حماس” الداخلية
Hamas leader Yahya Sinwar with his son during the festival

لم تنته انتخابات حركة حماس الداخلية بعد وإن كانت توشك على الانتهاء في كافة مناطق تواجدها واستكمال مراحلها الأخيرة، وإلى ذلك الحين فيُسجل هنا أن من أبرز مخرجات تلك العملية حتى الآن ترؤس الأسير المحرر يحيى السنوار المكتب السياسي في قطاع غزة خلفاً لأبي العبد إسماعيل هنية الذي تتعاظم التكهنات بأنه سيستلم مهام الأستاذ خالد مشعل ضمن توقعات الفرز الذي ستختتم به جولة مهمة. تستفتح بها حقبة جديدة تتصدر لها وجوه جديدة بأساليب جديدة في إدارة شؤون الحركة داخلياً وخارجياً، بما في ذلك علاقاتها السياسية عربياً وإسلامياً ودولياً، وكيفية إدارة الصراع مع العدو الصهيوني زمانياً ومكانياً.

إن مجرد حصول تلك الانتخابات هو مؤشر ودليل على متانة وقوة حركة حماس وأهليتها للاستمرار في شقّ طريقها نحو تحقيق أهدافها، ولا يعني ذلك الحديث عن مثالية أو ملائكية مزعومة فما من كتلة بشرية إلا ويشكل انتخاب رأسٍ لها مخاضاً عسيراً بآلامٍ شديدةٍ ومعاناةٍ كبيرة، غير أن ذلك إن بقي ضمن ضوابط وإجراءات أمن وأمان فسوف يحقق لتك الكتلة استقراراً طويل الأمد وراحة وأماناً طالما التزمت به.. مثله في ذلك مثل التفاعلات النووية التي ينتج عنها طاقة هائلة جداً، غير أن التحكم بها وحصرها ضمن سلسلة محددة من التفاعلات والآليات "الميكانيزمات" من خلال ضبط الكميات الداخلة في التفاعل والناتجة عنه وكمية المواد المحفزة له وحرارة وسط التفاعل، كل ذلك يؤدي إلى الحصول على منبع آمن لطاقةٍ وفيرة كفيلة بسد الاحتياج وزيادة، وهو ما يتوافر –بصورة أو بأخرى- في انتخابات الحركة، الأمر الذي أطال عمرها رغم مرورها بمنعطفات خطيرة جداً سعى العدو الصهيوني وأعداء آخرين إلى اجتثاثها من جذورها والقضاء المبرم عليها دون جدوى، وكانت شجرتها تزداد رسوخاً وثباتاً كلما نالوا من أغصانها وفروعها وحاولوا كسر جذعها وقصمه.

مجرد حصول الانتخابات هو مؤشر ودليل على متانة وقوة حركة حماس وأهليتها للاستمرار في شقّ طريقها نحو تحقيق أهدافها

إن أي انتخابات تجري لابد أن يصحبها أخذ وردّ وتجاذب وتنافر وتوافق وتعارض واتفاق واختلاف، وهو ما قد يعكر الصفاء ويعقد الأمور ويوغر الصدور ويقطع الأوصال والجسور، وعلاج ذلك باستحضار الغايات السامية التي لأجلها أجريت الانتخابات ولأجلها انطلقت الحركة.

علاج ذلك باستحضار تاريخ الحركة الذي تميَّز عن الكثير من الحركات بحصول انتخابات ربانية صعد من خلالها العديد من رجالات حماس للواجهة داخل فلسطين وخارجها..

علاج ذلك باستحضار الانتخابات الأسمى والأجمل التي رافقت الحركة طوال تاريخها ولم يكن صندوق الاقتراع هو الحاسم والفيصل فيها، بل صواريخ العدو ورصاصاته الغادرة التي تسببت في تصعيدٍ إلى السماء، لعلّ أبرزها ما جرى حين اغتالت الصواريخ الجبانة مؤسس حماس والأب الروحي لها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، ليأخذ الراية من بعده الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله فلا يلبث قليلاً حتى تعاجله الطائرات وتترك مكانه شاغراً، ليتدخل وقتها رئيس المكتب السياسي للحركة الأستاذ خالد مشعل (أبو الوليد) بشكل عاجل واستثنائي داعياً إلى عدم إشهار اسم خليفة الرنتيسي خشية أن يستهدفه الإجرام الصهيوني بشهيته المفتوحة على سفك الدماء ورغبته الجامحة في احتكار العملية الانتخابية للحركة. كان العدو من قبل قد لجأ إلى أسلوب خبيثٍ لخلط الأوراق وإحداث فراغٍ قيادي لإرباك مسيرة الحركة وزعزعتها وذلك من خلال حملات اعتقال مكثفة للصفوف القيادية الأولى والثانية كما حصل إبان الاعتقالات الكبرى التي واكبت تفجّر الانتفاضة الأولى، غير أن صنيعهم ذاك قدّم العديد من الصفوف الخلفية لتوجيه دفّة القيادة، وتسبّبت سياسة الإقصاء القسريّ الممنهجة من قبل العدو إلى تبني الحركة سياسة تأهيل الكفاءات القياديّة على كل الأصعدة لسد حاجة الحركة منها، والتي أثبتت الأيام نجاعتها مع قيام العدو باستحداث سياسة الإبعاد الجائرة التي بلغت ذروتها إبان إبعاد المئات من قيادات الحركة إلى مرج الزهور عام 1992م.

خلال فترة الترقب المواكبة لآخر لمساتٍ على انتخابات حماس الحالية، ارتكب العدو جريمة اغتيال الأسير المحرر مازن فقهاء بكاتم صوت في قلب غزة ليدوي صداه في أذن كل منتمٍ ومحب ونصير للحركة، تلك الرصاصات كانت كفيلة بتحويل المزاج العام لأفراد الحركة وحصر الهمّ والاهتمام لديهم جميعاً في كيفية الرد على جريمة خدشت كرامة الحركة وكبريائها وحفَّزت جهازها المناعي بأسره للبحث عن الجراثيم التي تمكنت من اختراق جدرها الحصينة وقلاعها المنيعة.

تضاءل حجم التنافس على الفوز بمناصب إدارية ومواقع شكلية أمام منصب الشهادة الأغلى والأروع، وتصاغرت كفة المكاسب والمطامع في حضرة الدم القاني الفوار، واتجهت النفوس وتعلقت القلوب بانتخابات أعز وأسمى وأرفع تجري بخفاء منقطع النظير، يتوق لها الكبير والصغير، ولأجلها يطلق النفير ويستدعى صفوة الصفوة من الأخفياء الأنقياء الأتقياء الواقفين أنفسهم زمناً طويلاً انتظاراً للحظة يسكبون فيها أرواحهم لتسري دماً زكياً سخيناً دفاقاً في شرايين أرضنا المباركة.

هناك في أماكن خاصة يتم التجهيز الآن لانتخابات خاصة يفوز من خلالها ثلة بشرف القيام بمهام خاصة تثأر لدماء الشهداء مازن فقهاء ومحمد الزواري وكل شهداء وشهيدات القدس وفلسطين..

انتخابات خاصة لمنفذي عملياتٍ ثأرية لا أحد يمكنه التكهن بمكانها أو زمانها أو كيفيتها، غير أن إجماعاً قد انعقد على حتمية حصول تلك الانتخابات لحركةٍ بايعت ربها على إحدى الحسنيين وتعاهدت فيما بينها أن ترد الصاع للعدو صاعين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …