في هذا المقال استكمال لبقية مفاتيح صنع القرار التي ذكرناها في الجزء الأول:
تجنب المقارنة:
خطأ المقارنة يعتبر من أكثر الأخطاء شيوعًا من وجهة نظري في التفكير والتخطيط الشخصي، خاصة حينما يتعلق الأمر باتخاذ #القرار. فتقارن الفتاة نفسها بزميلاتها، ويقارن الابن نفسه بأبيه وهكذا دواليك. ولا يدرك هؤلاء أنه مهما تشابهت ظروف البعض، فإن أحدًا لن يتسنى له مطلقًا العيش مكان الآخر. ذلك أن استعياب الناس للمواقف، وردود أفعالهم تجاه الظروف والملابسات مختلف .
ومثال حي على ذلك هي تجربة الشيخين والصحابيين الجليلين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضوان الله عليهما: فكلاهما تعرضا لتجربة الخلافة، وكان كلاهما أميرًا للمؤمنين. ولكن الظروف والتحديات التي تعرض لها كل منهما كانت مختلفة، والأساليب والطرق اللاتي اتخذاها في إدارة الدولة وقيادتها كذلك كانت متباينة. وإذا ما عقدنا مقارنة لاستخلاص أوجه الشبه بين فترتي خلافتهما، لوجدنا الكثير من المفارقات والاختلافات رغم تعرضهما لذات التجربة، وتطبيقهما لنفس الفكر الإسلامي والقيادة الرشيدة. ومن ثم، فإنه حريٌّ بك أن تضع في اعتبارك دائما أن قصتك قصة مختلفة، وإن تشابهت بعض التفاصيل والأحداث مع تفاصيل وأحداث آخرين. ولكن البطل في النهاية مختلف ولن يتكرر... فالبطل هو أنت!
قصتك قصة مختلفة، وإن تشابهت بعض التفاصيل والأحداث مع تفاصيل وأحداث آخرين. ولكن البطل في النهاية مختلف ولن يتكرر... فالبطل هو أنت!
إدراك عدم وجود ضمانات:
في الكثير من القرارت التي نقررها قد لا نجد أية ضمانات لنجاحها: فمن يعقد النية على الزواج مثلًا، فإنَّه حتى بعد الاستخارة والاستشارة، لا يوجد ضمان لنجاح الزواج إلا بـــإذن الله. والذي يقرر العمل في مجال معين فلا ضمان لنجاحه وتفوقه فيه إلَّا بعد خوض التجربة . فنسبة المخاطرة موجودة، وسَعيُنا للبحث عن ضمانات وكفالات، لن يجعلنا نضمن النتائج مطلقًا، وإنما سيعيقنا عن اتخاذ الكثير من القرارت المهمة في الحياة، وبالتالي سيغدو حاجزًا بيننا وبين المضيّ قُدُمًا. فحتى في ريادة الأعمال حيث الدراسات والتخطيطات للخروج بأكبر قدر ممكن من المال وأقل قدر ممكن من الخسائر، فإن هناك ما يسمى بنسبة الفشل، ونسبة المخاطرة!
حتى في ريادة الأعمال حيث الدراسات والتخطيطات للخروج بأكبر قدر ممكن من المال وأقل قدر ممكن من الخسائر، فإن هناك ما يسمى بنسبة الفشل، ونسبة المخاطرة!
استشارة حكيمة:
لن تعدم بإذن الله مشورة حكيمة، بل عليك أن تحرص كل الحرص للسعي إليها. وأذكر هنا مثالًا من السيرة النبوية يصور حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الأخذ بمشورة أصحابه حين يتضح صوابها وصحتها، كأخذه بمشورة سلمان الفارسيّ رضي الله عنه في غزوة الخندق.
نسبة الخطأ واردة!
ماذا إذا اتضح في النهاية أن قراري خاطئ؟ وماذا إذا ندمت في النهاية حيث لا ينفع الندم ولا يصلح التراجع؟ ربما تكون هذه من أكثر الأسئلة إلحاحًا، حين يتعلق الأمر باتخاذ أي قرار مصيري ونهائي ولا تراجع فيه. وقد لا نستطيع منع توارد هذه التساؤلات في أذهاننا، ولكن لا ريب نستطيع بصورة ما منعها من أن تكون عائقًا في سبيل اتخاذ القرار. أفضل هذه الوسائل في رأيي هو اللجوء الدائم والمتواصل إلى الله، فبعضنا مع الأسف لا يلجأ للاستخارة والدعاء إلا حينما يستفحل الأمر وتشتعل الأزمة .
فليكن إذن لجوؤنا إلى الله عبادة نتعود عليها حتى تغدو جزءًا منَّا، فتكسبنا الاطمئنان والثقة بأنه "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، وأنَّنا لا ندري "لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا". وهذا سيجعلنا نقرر قراراتنا بيقين أكبر، ويعيننا على تحمُّل العواقب باطمئنان، واستقبال النتائج بثقة وإيمان!
وفي الختام، من الضروري بمكان أن نضع في الاعتبار أن كل هذه المفاتيح إنما هي وسائل للأخذ بالأسباب، وتحري القرارات الصحيحة ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، والخير في النهاية فيما اختاره الله جل وعلا.