هل من نائب يغيث الأسرى والمسرى؟

الرئيسية » بصائر من واقعنا » هل من نائب يغيث الأسرى والمسرى؟
اسرى

توافق الناس في هذا الزمان على تشكيل مجالس نيابية تفرزها عمليات انتخابية يتم من خلالها اختيار نواب عن الشعب، ومن ثم تشكيل الحكومات ووزرائها في -كثير من الدول- من أولئك النواب الذين اختارهم الشعب ليمثلوهم وينوبوا عنهم في شؤون حياتهم والدفاع عن حقوقهم، وتسيير دفة البلاد لتحقيق مصالحهم ودرء المفاسد عنهم. والطبيعي والمنطقي أن يجتهد كل نائب لردّ الجميل الذي أسداه له ناخبوه باختياره ممثلاً عنهم وفي ذلك تزكية وثقة به ممزوجة بمشاعر الحب والودّ والتقدير، بل إن ذلك يتحول إلى أمانة في عنقه يسأله عنها الذين انتخبوه، ولن يتأتى ذلك إلا إن استشعر ذلك النائب عميق حبِّه وانتمائه لهم وعظيم مسؤوليته حيال تمثيلهم على أفضل وأكمل وجه.

وبعيداً عن تقييم الحالة القائمة الآن ومدى ما يتمتع به أولئك النواب من مصداقيّة فإن التاريخ قد حفظ لنا أعظم نيابة وأرقاها وأصدقها. نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتهد في حملها صلاح الدين الأيوبي وأعانه الله عليها بصدق نيته وحسن عمله وإعداده وعظيم توكله على ربه.

فقد تواترت الأخبار وتأكدت لدى صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله– بأن القائد الصليبي "أرناط" حاكم الكرك، دأب على قطع الطريق على حجاج بيت الله الحرام، والغدر مراراً رغم أخذ العهد منه بعدم تكرار ذلك، وأنه لا يتورع عن قتل النساء والأطفال والشيوخ، قائلاً لهم ومعَرِّضاً ومستهزئاً بنبيهم وأمته من بعده: قولوا لمحمدكم أن يدافع عنكم، اطلبوا منه الغوث والخلاص.

فما كان من صلاح الدين إلا أن أطال الدعاء لربه أن يأذن له بأن ينوب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدفاع عن أمته. ثم إنه أتبع الدعاء بالإعداد لمعركة فاصلة زادت فيها دوافع القائد وجنده لردّ الاعتبار لأمَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتحرير المسجد الأقصى، فكانت وقعة حطين الكبرى التي تنزَّل فيها نصر الله على المؤمنين، وأرغمت أنوف الصليبيين، وأمكن الله من المجرم أرناط فسيق أسيراً ذليلاً مهيناً إلى صلاح الدين. فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف، ودعاه إلى الإسلام فامتنع، ثم قال له: أنت الذي غدرت وخنت وفعلت؟ فقال: هذه عادة الملوك، فبادره بالقول: أنت الذي كنت تقول لمن كنت تقتل من حجاج بيت الله الحرام: قولوا لمحمدكم أن يدافع عنكم؟ قال: نعم. فأجابه صلاح الدين: وأنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخلص المسلمين من شَرِّكَ، ثم ضربه بسيفه على عاتقه، وتتابع من حضره من المسلمين على "أرناط"، فقتل هذا الطاغية المجرم ذليلاً، وسَرَت بذلك فرحة عظيمة بين المسلمين.

ألا، ما أكثر "أرانيط" هذا الزمان، وما أحوجنا إلى نائبٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقنهم درساً صلاحياً يقطع به دابرهم ويزيل به شأفتهم، ويردَّ للأمة اعتبارها ومجدها وسؤددها..

ما أقبح "الأرانيط" الذين زعقوا في باحات المسجد الأقصى "محمد مات خلّف بنات" ولم يتصدّ لهم من يريهم رجال محمد –صلى الله عليه وسلم-، وما يزالون يزعقون وينعقون كغربان الخراب عند براق الحبيب صلى الله عليه وسلم وفي مسجد أبي الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن عليه صلاة الله وسلامه.. ولا من يُخرس خُوارهم ويطهِّر الأرض المقدسة المباركة من رجسهم ودنسهم.

ما أقبح الأرانيط السوداء التي سخرت من معاناة أسرانا، ونعتتهم بأبشع الصفات وأخذت تهذي بالمطالبة بالتخلص منهم وإبادتهم بالرش بالغاز أو إلقائهم في البحر الميت أو دفنهم في باطن الأرض لاكتظاظ السجون بهم، وما أقبح أولئك الذين تناقلت وسائل الإعلام صورهم وهم يعقدون حفلات شواء أمام عنابر الأسرى نكاية بهم واستهانة بإضرابهم عن الطعام.

بل ما أقبح وأبشع "أرينيط" مقاطعة رام الله الذي سخَّر نفسه لخدمة الاحتلال والحفاظ على أمنه من خلال ما أسماه "التنسيق الأمني المقدس" الذي جعل الضفة المحتلة مكشوفة الظهر لكل من يفكر بمقاومة الاحتلال ومقارعته. إنه الذي حرَّض –وما يزال- على حصار غزة وضربها والتضييق عليها، بل وأطلق تابعه وبوقه "الهباش" ليشرِّع ويفتي بإحراقها كما أحرق النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار الذي ما أراه اليوم إلا ذلك المكان الذي يخطب فيه ذلك الدعيّ الأفَّاك في حضرة رئيسه أبي مازن النسخة المكرورة لأبي عامر الراهب وأرناط الفاجر.

إننا بحاجة ملحة إلى انتخابات عاجلة بين المتشوقين إلى جوار نبيهم وحبيبهم المصطفى في جنان الخلد. أولئك الذين أوصل النبي صلى الله عليه وسلم اشتياقه لهم أمام أصحابه بقوله: "وددتُ أنا قدْ رأينا إخوانَنا. قالوا: أولسنَا إخوانَك يا رسولَ اللهِ؟ قال أنتمْ أصحابي. وإخوانُنا الذين لمْ يأتوا بعدُ" (صحيح مسلم).

آن لهم أن ينتخبوا نوّاباً من بينهم لتمثيل نبيهم في مواجهة ذلك الكم الهائل من "أرانيط" الكفر والنفاق لتلقينهم دروساً بليغة فيها من عبق الفرقان واليرموك وأجنادين وحطين. فيها من يمضي قائلاً: بخٍ بخٍ لجنة عرضها السماوات والأرض، ومن يشمّ رائحة الجنّة من قبل الأقصى.

آن لهم أن يقدموا من فيه ثبات أبي بكر وصدقه وعزم عمر وعدله وبذل عثمان وسبقه وإقدام علي وزهده..

آن لهم أن يكون لهم نواباً لا تهمهم قاعات البرلمان الواسعة ومقاعدها الفارهة. لا يلهثون خلف مخصصاتٍ ماليةٍ سخية، ولاتحركهم نزواتٍ شخصية أو مطامع ذاتية، ولا يستخدمهم الطغاة ديكوراً كاذباً يستر عورة جورهم وإجرامهم.

آن لهم أن يكون لهم نواباً يركعون لله خاشعين متذللين في محرابه يسألوه الإذن بالنيابة عن نبيِّه ورسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم ليجددوا سيرة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فيحرر الله بهم المسرى ويغيث بهم الأسرى.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!

كلمة قالها أحد مسؤولي العمل الحكومي في قطاع غزة، في تقريره اليومي عن المأساة الإنسانية …