كنا في السابق نتحدث عن عصر البطولة الفردية بأن يكون الفرد عالماً في الطب والفقه والاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع، وأمام انبثاق عصر المعرفة كانت جل الملاحظات والآراء التي دونت مقبولة على الصعيد العلمي، ثم تحولنا إلى عصر التخصصية في أن يصبح الشخص متفرداً في مجال مخصص قادر على التحليل والتنبؤ فيه.
لكننا اليوم في عصر الاندماج ما بين التخصصات، والانقسام في نفس التخصص الواحد، حيث يكوّن الشخص بالاشتراك مع أشخاص آخرين فريقاً علمياً بحثياً قادراً على التنبؤ، والملاحظ أن جوائز نوبل العلمية منحت في السنوات الأخيرة الماضية بالتناوب بين شخصين أو أكثر لكل تخصص كما في الاقتصاد مثلاً، لذلك قدرة الفرد على عبور التخصصات تعني بالضرورة قدرته على تقديم معرفة جديدة في مجال معين.
ولكن السؤال الأهم كيف تتحصل على #المعرفة (1) بشقيها التخصصي والموسوعي؟
1- عليك معرفة أن الناس لديهم ميول وقدرات فطرية في اكتساب الثقافة إما سمعية أو بصرية أو كتابية، فقد كانت الثقافة معتمدة في البداية عن طريق السمع والتداول اللفظي، ثم الكتابة والطباعة، ثم الثقافة البصرية، فعليك معرفة قدراتك في اكتساب المعرفة .
2- لا يمكن الاستغناء عن أمهات الكتب في اكتساب #الثقافة بتخصص معين مثلا "مقدمة ابن خلدون" في علم الاجتماع، ولا عن "أساطين" (2) التخصصات، مثلاً نعوم شومسكي في علم "الألسنيات"، لذلك من الضروري جداً اختيار بعض القامات العلمية الكبيرة ومتابعة كل ما كتبوا أو قالوا أو قدموا محاضرات بصرية.
لا يمكن الاستغناء عن أمهات الكتب في اكتساب الثقافة بتخصص معين
3- عليك متابعة أحدث المجلات العلمية في تخصص معين، وتكفيك مجلة واحدة في الأسبوع لقراءة أين وصل العلم في تخصصك الدقيق، وارتباط العلم بالتخصصات الأخرى.
4- في الحديث عن المعرفة الموسوعية نرى بعض الأشخاص قادرين على تقديم معرفة ومعلومات في مجالات مختلفة، وليس مجال علمهم فقط، وممكن اطلاق مصطلح "الموسوعيون" عليهم، هم باختصار قادرين على عبور التخصصات من خلال تخصصهم، كل ما تحتاجه فقط تفكيك تخصصك إلى جزيئات ومعرفة المشترك بينها وبين جزئيات التخصصات الثانية، عن علاقة الطاقة الشمسية للمعلمين بالأطفال مثلاً، أو علاقة القرآن الكريم في تطوير اللغة والألسنيات.
5- عليك تقسيم المعلومة إلى أنواع، معلومة مهمة وعاجلة، ومهمة لكن غير عاجلة، وغير مهمة، فالأولى تتوجب البحث بأسرع وقت لارتباطها بعملك الدقيق، والثانية لا يمكن التخطيط بدونها، والثالثة تمنحك حضوراً عند الناس وقوة في الطرح، وقدرة على ربط الأفكار وتوليدها من محاضن التخصصات الأخرى.
عليك تقسيم المعلومة إلى أنواع، معلومة مهمة وعاجلة، ومهمة لكن غير عاجلة، وغير مهمة، فالأولى تتوجب البحث بأسرع وقت لارتباطها بعملك الدقيق، والثانية لا يمكن التخطيط بدونها، والثالثة تمنحك حضوراً عند الناس وقوة في الطرح
6- يكفيك أن تمر سريعاً على شريط الأخبار لمدة خمس دقائق، وتقلب عناوين الجرائد والصحف الورقية والإلكترونية لعشر دقائق ثانية؛ لكي تبقى مرتبطاً بالجو المعرفي العام لبلدك وللمحيط، فأنت تحتاج العناوين فقط، وما يخصك منها تتعمق فيه.
7- قبل النوم حاول أن تستمع لمحاضرة صوتية في مجال ما لخبير معين، هذه الفترة الأفضل لتخزين المعلومات فتبقى عالقة في المخ أثناء النوم، ويصنفها بحرفية أكثر.
8- دوَّن المصطلحات الجديدة والغريبة، واكتبها على أوراق صغيرة، ثم علقها على جدار الغرفة، ولا تترك عبارة أعجبتك دون تدوين، أو مصطلح لا تعرفه دون البحث عنه، اكتبه ثم فيما بعد ابحث عنه ليس بالضرورة وقت قراءة المقال، والتدوين شرط أساسي لتحصيل المعرفة.
9- حاول الإجابة عن كثير من تساؤلاتك لأنها مهمة في صناعة الخيال، وامتلاك المعلومة، هل سبق لك أن شاهدت برنامج "كيف يصنع هذا؟" وأرجع الأمور لطبيعتها، تفكر في الآية "كيف بدء الخلق"، يعطيك أصل المعرفة وتشكلها، ولا تقلل من شأن أي معلومة.
10- شارك في الورشات والنقاشات والندوات التي تطرح مواضيع تعجبك، ستفيدك حتماً في معرفة الإيجابيات والسلبيات لأي موضوع، مثلاً عن تعزيز دور المرأة في المجتمع، أو عن التعليم الالكتروني، كل ذلك بلا شك يمنحك قوة معرفية.
ولا تنس أن المعلومات لا تكتسب بالسرعة، مثل أن تشحن عقلك بآلاف المعلومات في دقيقة كالهاتف النقال، بل تكتسب بالتراكم ، ولا قيمة للمعلومات دون تحليلها وتفسيرها واستخدامها في تطوير حياتك الخاصة، حتى لا تتحول إلى آلة فقط، والفهم يسبق الحفظ.
__________
الهوامش:
(1) قسمت المعرفة إلى متخصصة وموسوعية، فالمتخصصة هي معرفة كل شي عن شيء معين يصبح الشخص فيه "عالماً" أو "متخصصاً"، والمعرفة الموسوعية هي معرفة شيء عن كل شيء، ويصبح الشخص "مثقفاً" وإن زاد في تحصيل حجم معرفة أكبر عن أشياء مختلفة يصبح "موسوعياً".
(2) الأسطون هو الشخص الذي تخطى مرحلة البروفيسور أو العالم في مجال تخصصي معين، وهو القادر على تقديم أصل العلم النظري وربطه من تقاربات معارفية مختلفة، وقراءة النظريات الكبرى في التخصص، وتقديم رؤية مستقبلية لها.