إذا قرأت هذه الكلمات فاحمد الله أن بلغت شهر #رمضان المبارك، ومُنحت فرصة الدخول من باب المغفرة والتوبة والعتق من النار، فبلوغ شهر رمضان من النعم التي يجب أن يتوقف الإنسان عندها وأن يحمد الله عليها.
ومن رجاحة العقل أن يسعى المرء لاستغلال أيام رمضان التي تمضي سريعاً في العمل الصالح وتهذيب نفسه على العادات الحسنة وحفظ الجوارح؛ لأن معنى #الصيام لا يقتصر على الجوع والعطش بل هو تهذيب الروح والنفس بمعاني الانضباط في كل شؤون حياتها.
يفتتح الداعية الدكتور سليمان الدقور حديثه لـ"بصائر" بالقول إن على الإنسان أن يدرك قيمة هذا الشهر أنه موسم للطاعة وفرصة للمغفرة وأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (متفق عليه)، وهذا الحديث يعطينا إحساساً بقيمة الشهر الكريم الذي يضاعف فيه الأجر والحسنات، ومنه أيضاً يستشعر الإنسان قيمة الحمد المتناسبة مع هذا الفضل، عندها لا يكون الحمد على بلوغ رمضان مجرد كلمات، وإنما يكون حمداً عملياً، والمقصود بالحمد العملي أن يستغل الإنسان كل أوقات الشهر الفضيل بأنواع متعددة من العبادات، فرمضان ليس فرصة للصيام فقط، ولكن هو فرصة للذكر وقراءة القرآن وتحسين العلاقات الاجتماعية، وفرصة لإعادة ترتيب الأولويات وضبط الوقت، وفرصة لأن يستشعر علاقته مع المسلمين جميعاً والإحساس بحاجة الفقراء والمساكين، وهو فرصة أيضاً لضبط النفس؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَصخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ".
وليتذكر المسلم أن غيرنا كان معنا في العام الماضي ولم يدركه هذا العام، وهناك من يكون معنا لكنه لا يدرك فضل رمضان، ولذا نحتاج فعلاً أن نوجه أنفسنا بحمد الله على نعمة رمضان حمداً عملياً وأن نستثمر جميع أوقاتنا في الطاعة والعبادة.
ويضيف الداعية الدقور بالقول إن الصيام ليس معناه الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو في حقيقة الأمر امتناع عن الطعام والشراب والشهوات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، موضحاً أن المقصد من الصيام ليس تعذيب النفس وتجويعها، بل الحكمة منه أن ينخرط المرء في دورة تدريبية على الصبر والاحتمال وضبط الانفعالات والمشاعر والعواطف؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، إذا رمضان فرصة لأن تسير في خطين؛ الاول أن تعتاد الأعمال الصالحة والحسنة والآخر أن تبتعد عن أعمال السوء؛ وما نشهده اليوم في أخلاقيات البعض الفظة داخل المنزل أو في الشارع أو في العمل ما هو إلا عدم استشعار لحقيقة الصيام.
الدقور: المقصد من الصيام ليس تعذيب النفس وتجويعها، بل الحكمة منه أن ينخرط المرء في دورة تدريبية على الصبر والاحتمال وضبط الانفعالات والمشاعر والعواطف
ويتابع الدكتور الدقور حديثه لـ"بصائر" محذراً من الرسائل الإعلامية الموجهة للصائمين في رمضان فيقول: الإعلام يتصيد الناس في رمضان من خلال المسلسلات والبرامج الكثيرة التي تجتمع كلها في رمضان، حتى لو كانت هادفة أصبحت ظاهرة مشتتة للمتابع، والأصل بالعلماء والدعاة أن يعملوا على تنظيم عرض هذه الأعمال وأن لا يتم حشرها جميعاً في رمضان وأيضاً يجب العمل على تنويع المحتوى فيكون في الجانب الأخلاقي والإيماني والعلاقات الأسرية والجانب الاجتماعي؛ لكي يعود هذا المحتوى بالنفع على الناس بشكل أكبر وأن يغتنموا وقتهم بالمفيد والمتجدد.
ويتوقف الدقور مع حياة الصحابة في رمضان واصفاً أيام رمضان بأنها كانت منسجمة مع حياة الصحابة، وكانت بالنسبة لهم فرصة لتكثيف الطاعات والعبادات، حتى أن السلف الصالح كانوا إذا دخل رمضان طوى أحدهم فراشه وأغلق محبرته وتفرغوا للعبادة والطاعة وكأنهم يدخلون في دورة عبادة تكثيفية، وكانوا يحرصون على أيام رمضان لشدة معرفتهم بفضلها، بل كان أحدهم إذا أراد أن يدعو لأخيه قال: "اللهم بلغه رمضان".
وختم الدقور حديثه بالقول إن المسلمون أدركوا أن شهر الصوم لا يعني تعطيل الطاقات والإنجازات، فإلى جانب الاجتهاد في العبادة تمكنوا من تحقيق الانتصارات في عدة غزوات ومعارك وهذا يعطينا رسالة مفادها أن "رمضان شهر إنتاج وليس شهر تعطيل للإمكانيات".
تعرضوا لنفحات رحمة الله:
الداعية الدكتور أحمد فتحي قاسم يقول في حديثه لـ"بصائر": "إنّ من فضل الله تعالى ومنّه علينا أنْ جعل لنا محطات ونفحات نتزود منها بالإيمان والتقوى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افعلوا الخيرَ دهرَكم، وتعرضوا لنفحاتِ رحمةِ الله، فإن لله نفحاتٌ من رحمته يصيبُ بها مَنْ يشاءُ مِنْ عباده" (رواه الطبراني)، ومن هذه المحطات والنفحات الإيمانية شهر رمضان، فيه أبواب السماء مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، والشياطين مصفدة، والأجواء مهيئة لنيل المغفرة والرحمة والعتق من النيران.
ويشير فتحي في معرض حديثه إلى قول الشيخ محمد الغزالي: "من الخطأ تصور الاستعداد بأنه تدبير النفقات، وتجهيز الولائم للأضياف، إن هذا الشهر شُرع للإقبال على الله، والاجتهاد في مرضاته، وتدبر القرآن، وجعل تلاوته معراج ارتقاء وتزكية، إنه سباق في الخيرات يظفر فيه من ينشط ويتحمس".
ومن المعاني الجميلة التي استحسن ذكرها فتحي ما يلي:
- إنّ رمضان فرصةٌ لتربيةِ النفوسِ: وتقويةِ الإرادةِ فيها والارتفاعِ بها إلى سماءِ المجد ودرجات العز، إن رؤيةَ هلالِ الصيام في السماء هو إشارةٌ بالغة لبدءِ معركةِ الإرادة وقوةِ العزيمة.
- يربي الصيام النفس الإنسانية: قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "وأفضل أنواع الصبر: الصيام؛ فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله عز وجل، وصبر عن معاصي الله؛ لأن العبد يترك شهواته لله ونفسه قد تنازعه إليها".
- الصيام يربي على الإخلاص: فالصيام عبادة بين العبد وخالقه لا يطلع عليها أحد سواه، لذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به” (رواه البخاري).
- يربي الصيام على التقوى ومراقبة الله: فلا يأكل المسلم ولا يشرب ولا يرتكب محرماً ولو كان في خلوة لا ينظر فيه إلا الله سبحانه وتعالى.
- الصيام شهر التغيير: تغيير فكري، ونفسي، وقلبي، فينتج من ذلك تغييراً في السلوك والتطبيق. "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) (رواه أحمد).
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو".
- الصيام وسيلة من وسائل الاستعفاف وضبط النفس من هيمانها، لذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب في حالة عدم القدرة على الزواج على الصيام ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
- الصيام الحقيقي صيام الجوارح عما حرم الله سبحانه وتعالى: لا ينحصر الصيام على صيام البطن وصيام الفرج، وإنما ينبغي صيام اللسان عن اللغو والرفث والكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والقذف، والسب والشتم واللعن والسباب، والقول بغير علم، والإفك، والبهتان، إلى آخر آفات اللسان.
كما وتصوم العين عن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من المحارم والمنكرات. وتصوم اليد عن تناول ما ليس لك بحق، وعن كتابة الكذب والزور، والباطل، وعن منع الحقوق عن أصحابها.
وتصوم الأذن عن سماع الغيبة والتجسس والكذب.
وتصوم الرِّجل عن المشي في غير طاعة الله، وإلى أماكن اللهو والفجور والإثم.
وفضلاً عن ذلك كله يصوم القلب عن الأمن من مكر الله، وعن الرياء وعن الإعجاب بالنفس أو بالرأي أو بالجنسية أو بالجنس والنوع، وعن الرياء وعن محبة ما لا يحب الله تعالى من الظلم والفساد والخيانة، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا بمثل هذه المعاني يكون الصوم المقبول الذي يثمر التقوى.
رمضان فرصة لا تُتاح كل عام إلا مرة واحدة؛ فلنغتنم هذه الفرصة، ولنستفد منه كأنه آخر رمضان سيمر علينا، فربما يأتي العام القادم وبعضنا غير موجود؛ لأنه تحت التراب، كما سيحضر رمضان هذا العام وقد فقدنا بعضًا من أحبابنا، كنا نتمنى كما كانوا يتمنون أن نكون جميعًا معًا في رمضان.