كما سبق وبينا فـ (الميل للاستبداد) طبع متأصل في نفوسنا، ومع ذلك فهو ككل شهوات النفس قابل للتهذيب عبر عملية تربوية طويلة، يجب أن تبدأ من الصغر، لزرع مفاهيم إيجابية وتدريب النشء على سلوك إيجابي، غير أن هذا كله لا يكفي إن لم يكن هناك رادع خارجي يضع العوائق أمام المستبدين لئلا يمارسوا استبدادهم علينا.
وهذا الرادع الخارجي مهمة المجتمع ككل، فكما أن الواجب أن تتم تربية النشء على أن لا يمارس هو #الاستبداد بحق غيره، فيجب تربيتهم على أن لا يقبلوا بممارسة الاستبداد عليهم، وأن لا يسكتوا على ذلك.
إن التربية على قيم الحرية وعزة النفس ورفض الظلم ونصرة المظلوم والضعيف وحب العدل تساهم في وقوف المجتمع في وجه المستبدين، صغارًا وكبارًا.
إن التربية على قيم الحرية وعزة النفس ورفض الظلم ونصرة المظلوم والضعيف وحب العدل تساهم في وقوف المجتمع في وجه المستبدين، صغارًا وكبارًا
هذه التربية هي التي كان عمر بن الخطاب حريصًا عليها، وكان يختبر وجودها في المجتمع حوله؛ لأنه يدرك أن غيابها سيقود لسيطرة الظلم والاستبداد، ولذلك فقد أراد أن يختبر النخبة في مجتمعه، وهم المهاجرين والأنصار، فسألهم: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فهو يريد الاطمئنان على سلامة المجتمع، والتي لا تكون إلا بعدم رضاه بانحراف الأقوياء، ولكنهم سكتوا، فعاد وكرر عليهم السؤال، حتى جاءه الجواب: لو فعلت، قومناك تقويم القدح. حينها أدرك أن المجتمع لا زال بخير، فقال لهم: أنتم إذًا، أنتم. أي أنهم كما كان يحسن الظن فيهم.
وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إِذَا رَأَيْتُ أُمَّتِي تَهَابُ فَلَا تَقُولُ لِلظَّالِمِ يَا ظَالِمُ فَقَدْ تُودِّعَ مِنْهُمْ)، وتطبيق هذا الحديث ليس مقتصرًا على الظلم الذي يمارسه الحكام، بل هو حديث عام في كل ظالم، صغيرًا كان أم كبيرًا، فيجب أن يتم إيقافه عند حده، وإلا فالأمة كلها تسير في طريق الهلاك.
ولا يجوز الاكتفاء بالتربية فقط، سواء كانت تتجه لمنع الشخص من ممارسة الاستبداد أم لتشجيع الآخرين على مقاومة الاستبداد، فلا بد مع ذلك كله من أنظمة وقوانين تضمن عدم السماح لمن عندهم الاستعداد للاستبداد بممارسة ذلك، ولعل في تحديد المسؤوليات في المؤسسات كافة، وتوزيع المهام، وعدم السماح لشخص أيًّا كانت مهاراته أن يبقى في موقعه الإداري فترة متطاولة ما يساعد في القضاء على ممارسات الاستبداد وهي في مهدها، وقد أدرك الغرب بالتجربة أن منع الحاكم من البقاء في منصبه للأبد يساهم في التخفيف من مخاطر الاستبداد، ولذلك عملوا على سن القوانين التي تمنع من ترشح الشخص نفسه لموقع الرئاسة لأكثر من فترتين في الغالب، والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذ بها.
أدرك الغرب بالتجربة أن منع الحاكم من البقاء في منصبه للأبد يساهم في التخفيف من مخاطر الاستبداد، ولذلك عملوا على سن القوانين التي تمنع من ترشح الشخص نفسه لموقع الرئاسة لأكثر من فترتين في الغالب
وهذه القوانين التي تساعد على عدم تجذّر الاستبداد ليست مطلوبة فقط في ما يتعلق باستبداد الحكام، فنحن نتحدث عن ممارستنا نحن (عامّة الناس) للاستبداد على بعضنا البعض، وهذا يتطلب أن يتم سنُّ قوانين واعتماد أعراف مجتمعية لمحاربة الاستبداد والقضاء عليه في نفوس من تتشوَّف أنفسهم له في المؤسسات الأهلية، والأحزاب السياسية، والحركات الإسلامية.
وعليه فحتى نقاوم الاستبداد ونحاصره منذ نشأته فإننا يمكن أن نلخص الخطوات المطلوبة فيما يلي:
• محاربة الرغبة للاستبداد، والموجودة في داخل كل واحد منا، وذلك بـ :
1. إدراكنا حقيقة الاستبداد ومعرفتنا بصور ممارسته في أوساطنا.
2. تنمية وازع داخلي يدفع المرء لسلوك الطريق المضاد للاستبداد.
• محاربة الاستبداد الذي يطل برأسه في المجتمع، وذلك بـ :
1. تربية النشء على أن لا يقبلوا بممارسة الاستبداد عليهم، وأن لا يسكتوا عليه.
2. سنُّ قوانين واعتماد أعراف مجتمعية لمحاربة الاستبداد والقضاء عليه في نفوس من تتشوَّف أنفسهم له.