ما وراء الحرب على المناهج الدينية

الرئيسية » بصائر الفكر » ما وراء الحرب على المناهج الدينية
azhar6

من نافلة القول التأكيد على أن #التعليم هو أحد أهم مسارات تشكيل الوعي، ولأن ذلك من الثوابت والحقائق المهمة؛ فإن خصوم الأمة، عمدوا أكثر ما عمدوا – ضمن المشروع التفكيكي الذي هدف إلى إذبة هوية الأمة وتماسكها – إلى التأثير على التعليم في العالم العربي والإسلامي.

ولقد أخذ الجهد الغربي، ومن جانب من والاه بين ظهرانينا كعرب ومسلمين، في هذا الصدد، مسارَيْن أساسيَّيْن.

الأول بالإفساد الكامل للعملية التعليمية، من خلال منظومة من السياسات المفروضة، تتعاون فيها قوى وحكومات الداخل، ويتم ذلك بحجج عدة، مثل الفقر وضعف قدرات الدولة الاقتصادية، فلا يتم منح التعليم الميزانيات اللازمة.

ولا أحد يدري ما هي العلاقة المباشرة بين ضعف القدرات الاقتصادية، وبين منح التعليم الاهتمام اللازم لانتظامه بالشكل الصحيح.
فالفضاء الإعلامي والاجتماعي يصور لنا كيف أن بعض المجتمعات تحرص على التعليم حتى ولو بأبسط الأساليب، ولذلك؛ فإن قطاع غزة المحاصَر منذ 11 عامًا، يحتل المركز الأول عربيًّا في معدلات التعليم؛ فلا علاقة بين المستوى الاقتصادي وبين جودة التعليم.

إن قطاع غزة المحاصَر منذ 11 عامًا، ما زال يحتل المركز الأول عربيًّا في معدلات التعليم؛ ولهذا لا علاقة بين المستوى الاقتصادي وبين جودة التعليم

المسار الثاني، هو توجيه العملية التعليمية في الدول التي تستعصي على المسار الأول، بسبب مناعة ذاتية أو قيادات سياسية أو ما شابه، إلى جهة أخرى تتواءم مع المستهدفات الأصلية، وهي إبعاد الهوية الإسلامية عن المناهج التعليمية.

ويتم ذلك من خلال شعارات عدة، مثل "ضرورة نشر شعارات التسامح"، و"الإعلاء من شأن التعليم المدني"، باعتبار أنه المفتاح الرئيسي للتنمية، وذلك على حساب التعليم الديني، وتعليم الثقافة الإسلامية والشريعة في مختلف مراحل التعليم، وليس في التعليم الجامعي فحسب.

وفي وقتنا الراهن؛ فإن مناقشة هذه القضية هي من أهم ما يكون، في ظل الحملة الشعواء الراهنة على المناهج الدينية في الأزهر الشريف، واتهامها من بعض الأوساط الموالية للسلطة، بأنها من ضمن عوامل تفريخ الفكر "الديني" المتطرف.

وفي حقيقة الأمر؛ فإن الثقافة الإسلامية وموضع الشريعة في التعليم العالي بشكل عام، يعاني من مشكلات وأوجه قصور عدة في العالم العربي على وجه التحديد، دونًا عن البلدان الإسلامية الكبرى، التي لا تزال فيها محاضن عدة متماسكة، مثل الجامعة الإسلامية العالمية في باكستان، وفي ماليزيا.

والآن؛ ظهرت دعوات مريبة بالفعل لتجديد الخطاب الديني، كانت أول ما حطت رحالها الإعلامية، كان ذلك على حساب جامعة الأزهر الشريف؛ أقدم وأعرق الجامعات الإسلامية في العالم.

ولا يمكن إخفاء الجوانب السياسية في مثل هكذا دعوات؛ حيث إن الأمر لا يتربط بقضية مكافحة الفكر المتطرف – الذي هو همٌّ كذلك للحركة الإسلامية الصحوية – وإنما مرتبط بالصراع السياسي الراهن بين بعض الأنظمة العربية، وبين الحركات الإسلامية التي تحمل لواء التغيير والإصلاح.

في هذا الصدد؛ فإننا نقف أمام ملامح عدة للهجمة الحالية، والتي تريد أن تطال المحتوى الأساسي لكتب التراث، بما في ذلك أصحاح السُّنَّة النبوية الستة، بل وينادي البعض بضرورة "عدم إظهار" بعد الآيات القرآنية الكريمة التي تتناول عقيدة اليهود والنصارى.

إن هذه الحرب على المناهج الدينية، والتي تدعمها أوساط إعلامية وسياسية عدة، في مصر وخارجها، تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة قضية موضع الثقافة الإسلامية والشريعة في التعليم العالي ومناهج الجامعات.

الحرب على المناهج الدينية، والتي تدعمها أوساط إعلامية وسياسية عدة، في مصر وخارجها، تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة قضية موضع الثقافة الإسلامية والشريعة في التعليم العالي ومناهج الجامعات

بدايةً؛ فإنه من المفترض أن هناك منظومة من المعايير التي ينبغي أن تحكم هذه العملية؛ عملية تدريس الثقافة الإسلامية والشريعة، في مناهج التعليم الجامعي، وفي مراحل التعليم بشكل عام.

وعلى رأس هذه المنظومة، أنها ينبغي أن تنطلق من القرآن الكريم، ومما أجمعت الأمة على صحته من السُّنَّة النبوية، والابتعاد عن المذهبية، وأن تكون المناهج تجمع ولا تفرِّق، وأن تعكس القيم الإسلامية الصحيحة، وتدعيم القيم الاجتماعية السليمة، مثل مؤسسة الأسرة والإصلاح الأخلاقي وغير ذلك مما اتصل.

إلا أننا – في المقابل – نقف على عدد كبير من المشكلات التي تمنع عملية تدريس الشريعة والثقافة الإسلامية من أداء الوظائف المنوط بها.

فهناك اختلافات عدة في منهجية تدريس السُّنَّة النبوية والتاريخ الإسلامي على وجه الخصوص من بين العلوم الشرعية الأخرى، بل وصل الأمر إلى دسِّ مقولات على الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، لاعتبارات مذهبية وطائفية.

وهذه الاختلافات حتى في قراءة الحديث النبوي الصحيح، قادت إلى نتيجة عكسية؛ فبدلاً من أن تكون نقطة تجميع للمسلمين، وأن تكون آلية لتوحيد المفاهيم والأطر الفكرية للمجموع المسلم؛ صارت وسيلة للطعن في عقيدة البعض.

ولقد منح ذلك بعض الأنظمة – على النحو الذي نراه في مصر في الوقت الراهن –قوة دفع نسبي لخطابها ومطالبها وضغوطاتها إزاء الأزهر الشريف والتعليم الديني برمته.

كما أن هناك أمرٌ في غاية الخطورة، وهو التوظيف السياسي من جانب بعض الأنظمة والجماعات، للمناهج الشرعية ومفردات الثقافة الإسلامية، في خدمة مشروعات سياسية لا تمت لمصلحة الأمة بصلة.

وفي حقيقة الأمر؛ فإن الاعتراف بهذه المشكلات هو خطوة ضرورية على طريق معالجة هذه المشكلات، وبالتالي؛ إغلاق المجال أولاً أمام دعوات "الإصلاح الديني" التي تستهدف – في حقيقة الأمر – المؤسسات الدينية العريقة، وتخدم خطط حكومات وأطراف غربية تسعى إلى تقييد الوجود الإسلامي في الغرب، وتستغل هذه الأمور لتبرير مواقفها وسياساتها تجاه المظاهر الإسلامية هناك، بما في ذلك سياسة غلق المساجد وترحيل الأئمة.

ثم بعد ذلك، ضرورة طرح سياق متكامل لتدريس الثقافة الإسلامية والشريعة، في مختلف مساقات العملية التعليمية، وتقديمه من خلال الأطر العلمائية الموثوقة، للحكومات التي تقبل التعاون في هذا الصدد.

لابد من طرح سياق متكامل لتدريس الثقافة الإسلامية والشريعة، في مختلف مساقات العملية التعليمية، وتقديمه من خلال الأطر العلمائية الموثوقة، للحكومات التي تقبل التعاون في هذا الصدد

ومن ثَمَّ؛ فإن هناك مسؤولية كبرى على عاتق العلماء غير المنتمين إلى مؤسسات رسمية تتبع حكومات دول المنطقة، وخصوصًا تلك التي تشن حربًا شعواء على المشروع الإسلامي؛ في أن يبدؤوا في تجميع أنفسهم، وطرح هذه المشكلات كافة على الرأي العام الإسلامي.

بعد ذلك، يتم عقد ورش عمل، تضع خططًا تفصيلية في هذا الصدد، بل ويمكنها أن تضع نماذج لمناهج حقيقية يتم تدريسها، وإعادة تحريك الرأي العام في دول العالم العربي والإسلامي، من أجل ممارسة ضغوط على الحكومات، أو على الأقل كشف مواقف بعضها؛ من أنه لا يعمل على إصلاح التعليم الديني، أو تجديد الخطاب؛ بل إن كل ما يستهدفه هو الحركة الإسلامية والأسس التربوية والأخلاقية التي تستند إليها، ويستند إليها مشروعها، وخطابها الديني والإعلامي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …