دورُ المرأة في الإسلام مشهود ومحفوظ، وكلنا يُتقن التغني به عندما نعِظ أو نُحاضر حول تكريم الإسلام للمرأة، أو حقوق المرأة في الإسلام ونحو ذلك. ولكن هذه اللغة في الخطاب سرعان ما تتلاشى إذا جئنا للحديث عن دور المرأة في المجتمع، وعن دورها في الحياة السياسية والاجتماعية، فهل للمرأة أن تشارك في الأحزاب السياسية؟ وهل لها أن تشارك في المنظمات التطوعية الاجتماعية والخيرية وما يعرف بمنظمات المجتمع المدني؟ وهل لها أن تترشح نائبةً في البرلمان؟ أو أن تكون وزيرة أو قاضية؟ أو تتولى المسؤولية في الجماعة الإسلامية كما يتولاها الرجل؟ إذ من المؤسف أن أكثر هؤلاء المتغنين بدور المرأة وتكريم الإسلام لها، لا يتعدى دور المرأة عندهم البقاء في بيتها؛ لتربية أولادها، وخدمة زوجها، وينَظِّرون إلى أن هذا تكريم للمرأة، وأن خروجها من بيتها مهانة لها.
وهذا الداء الذي يقع فيه أكثر المحاضرين والمتحدثين، انعكس وبنفس القدر على قادة المشروع الإسلامي، فأكثر الحركات الإسلامية لم تمكن للمرأة في بناها التنظيمية، ولم تفعل دورها. ومن قبلت منها إشراك المرأة في عملها التنظيمي، حاصرتها في أطر ضيقة ومعزولة، ولم تجعل لها دورًا في بناء المشروع الإسلامي، وهذا نابع أحيانا من عدم توافر القناعة الحقيقية والتامة بضرورة مشاركة المرأة الكاملة في بناء المشروع الإسلامي، وإن كانت هذه القناعة تُغطى أحيانا بالمخاوف الأمنية على المرأة وعلى البنى التنظيمية.
بل إن بعض الحركات الإسلامية التي أشركت المرأة في هياكلها وبناها التنظيمية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، والعدالة والتنمية، والنهضة وغيرها، تأخر بعضها كثيرا في حسم الموقف من مشاركة المرأة في الحياة السياسية مثلًا، فجماعة الإخوان لم تتبن موقفًا رسميا وواضحا من مشاركة المرأة في الحياة السياسية والقبول بذلك إلا في نهايات القرن الماضي. وعلى الرغم من هذه الموافقة على المشاركة في الحياة السياسية العامة، إلا أن دور المرأة الداخلي لا يزال متواضعًا خجولًا، لا تتوازى مشاركتها في المواقع التنظيمية والقيادية، مع مشاركتها في الحياة السياسية العامة. والسر طبعًا: أن مشاركتها في الحياة العامة إحدى روافع نجاح الحركة ومنافستها في الانتخابات وغيرها، بينما في الداخل التنظيمي هي منافسة للرجال ومزاحمة لهم ولذلك حري بها أن تبقى في الأطر الهامشية.
هل ينحصر دور المرأة في تربية الأبناء داخل البيت والقيام على خدمة الزوج؟ وهل تكليفها بهذه المهمة يحول بينها وبين أن تشارك في الحياة السياسية والحزبية والاجتماعية وغيرها؟
ولعل البعض يرجع ذلك إلى أصول ونصوص شرعية، فهل فعلًا شريعتنا تحُول بين المرأة والإسهام في المشروع الإسلامي في جميع أطر الحياة؟ وهل ينحصر دور المرأة في تربية الأبناء داخل البيت والقيام على خدمة الزوج؟ وهل تكليفها بهذه المهمة يحول بينها وبين أن تشارك في الحياة السياسية والحزبية والاجتماعية وغيرها؟
أُحِب ابتداء أن أشير إلى أننا لا ننكر دور المرأة التربوي، وأنه ضروري وأساسي للأسرة. ولكننا نؤمن أن تربية المرأة المتعلمة أنجح من غير المتعلمة، والمرأة التي خرجت للمجتمع وصقَلتها خبرات الحياة، أقدر على التربية من التي بقيت حبيسة الجدران. وعليه فإن دور المرأة التربوي لا يتعارض مع دورها في الحياة العامة وفي المشروع الإسلامي. وغني عن القول إن الكثير من المهام يمكن أن تسند للنساء اللواتي لا يحملن عبئًا كبيرًا في تربية الأولاد ونحوها، إما بسبب تقدم السن قليلًا، ونضوج الأبناء، وبلوغهم حد الاعتماد على أنفسهم، أو لصغر السن وخفة العبء العائلي والاجتماعي.
ولكن لا بد لي من وقفة مع الأدلة الشرعية لأن كثيرا من الذين ينظرون لتحجيم دور المرأة وحصرها داخل جدران البيت، أو الأطر التنظيمية النسائية، يزعمون أنهم يستندون إلى الأدلة الشرعية. ولكنها وقفة موجزة سريعة تتلاءم مع هذا المقام: فعلى صعيد التكليف الشرعي: كلف الله تبارك وتعالى الرجل والمرأة سواء بسواء في حمل الأمانة والنهوض بأعباء التكليف. فقد قال ربنا تبارك وتعالى: "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا". النساء 124 واختلاف الأدوار وتقاسمها تبعًا لطبيعة الرجل والمرأة، لا يمنع مشاركة المرأة في المشروع بما ينسجم مع طبيعتها ودورها.
كما أنهما شركاء في مهمة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". التوبة71. وثناء ربنا تبارك وتعالى على حكم ملكة سبأ وحكمتها في مشاورة قومها دليل على إمكانية أن تشارك المرأة في الحكم أو تحكم كما الرجال، بل بكفاءة أعلى. النمل 23-44.
ومشورة أم سلمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية -بأن يحلق رأسه-عندما لم يستجب له الصحابة -بادئ الأمر- عندما طلب منهم التحلل من إحرامهم، وعدم الذهاب إلى مكة لأداء العمرة، بحكم الصلح مع قريش، خير دليل على دور المرأة في الحكم وحكمتها، وتقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم لمشورتها التي أخذ بها تمامًا، فأنقذت الموقف.
التأكيد على أهمية التمكين للمرأة وتفعيل دورها في البنى التنظيمية، لأن المرأة نصف المجتمع، وإذا ضممنا إلى هذا أثرها في النصف الثاني وتنشئته، نستطيع أن ندرك أهمية التمكين لها في المشروع الإسلامي
يبقى أنه يعترض المعترضون على هذه الأدلة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه البخاري بسنده عن أبي بكرة رضي الله عنه: "لم يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة". وهذا الحديث رغم خلاف العلماء فيه ما بين قبول وردّ، ومحاولة ربطه بالحديث عن الفرس وحاكمتهم ابنة كسرى، إلا أن كثيرًا من العلماء حمله على عدم جواز تولي المرأة الخلافة العامة فقط، وعلى هذا الفهم فلا يصلح دليلًا على منع المرأة من العمل السياسي والمشاركة في الحياة السياسية.
ومما يتمسك به المعارضون لمشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، ما يتعلق به المعارضون لتعامل المرأة مع الرجال، والداعين إلى الفصل الحاد بينهما في المجتمع، وفي الحقيقة أن هذه الرؤية لا تمثل الإسلام من وجهة نظري، وإنما نظرة الإسلام تقوم على التعامل المنضبط بضوابط الشريعة، ولست بصدد التفصيل في هذا المقام، وقد عرضته مفصلًا في كتابي الثقافة الإسلامية مع عدد من الزملاء، ولا ننسى أن كتاب الأستاذ عبد الحليم أبي شقة: "تحرير المرأة في عصر الرسالة" قد عالج الأمر في جزء كامل من أجزائه تحت عنوان مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية فيمكن الرجوع إليه.
ولا يفوتنا في هذا المقام التأكيد على أهمية التمكين للمرأة وتفعيل دورها في البنى التنظيمية والحركية، لأن المرأة نصف المجتمع كما تدل على ذلك الإحصاءات وأرقامها، وإذا ضممنا إلى هذا أثرها في النصف الثاني وتنشئته، نستطيع أن ندرك أهمية التمكين لها في المشروع الإسلامي، وأن المطلوب ليس مجرد وجود شكلي تجميلي في بعض المواقع، ولكن تمكين حقيقي وفي المستويات التنظيمية كافة، والقيادية منها، جنبًا إلى جنب مع الرجال، بالإضافة إلى إشراكها في الحياة السياسية والحزبية، إن في مجلس النواب وإن في الوزارات والحكومات أو غيرها.
على أنه من الأهمية بمكان هنا أن نؤكد، أن المرأة المطلوب التمكين لها هي: المرأة الكفؤة صاحبة الخبرة والدراية، وليس المطلوب حضور المرأة لمجرد أنها امرأة، على أنه لا تُجعل قلة الخبرة عند النساء ذريعة لإبعادهن عن المواقع القيادية، وإنما يكمن الحل في التدريب والتأهيل، وإعطاء الفرص لهن. ولا يغيب عن بالنا هنا أن نؤكد أن التمكين للمرأة يحتاج جملة من التشريعات، والنظم واللوائح، تساوي بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات، وتشركهن في الانتخابات، انتخابًا وترشيحًا، بحث تغدو المرأة صنو الرجل، وتملك ذات الفرص، وذات الحقوق وتلتزم أداء الواجبات، هذا إذا أردنا دورًا فاعلًا وحقيقيًا للمرأة، وليس مجرد دور وظيفي محدود بسقوف الرجال.