مفتاح العودة الذي نبحث عنه

الرئيسية » خواطر تربوية » مفتاح العودة الذي نبحث عنه
key14

ما تزال المأساة الإنسانية التي حدثت قبل تسعة وستين عاماً مستمرة، وملايين اللاجئين من الفلسطينيين، ما زالوا يحلمون بالعودة إلى الأرض والوطن.

الوطن الذي سلب منهم، على مرأى العالم أجمع، دون منكر أو معارض، بل وعلى النقيض من كل القيم التي يدعي العالم أنه يدافع عنها، فإن المحتل المجرم، بات اليوم محل ترحيب، وكيانه يوصف بالشرعية، والعمل لطرده بات إرهاباً يستحق المحاربة والملاحقة، حتى لكل من يؤيد ذلك!

اليوم وفي ذكرى #النكبة، ما زلنا نستمع لنفس الكلمات الرنانة، والشعارات التي تعيد نفسها، أن الكيان ما قام إلا على أشلاء ودماء أهلنا، وأنه خالف كل الأعراف والمبادئ والقوانين الدولية في قيامه، وأيضاً أننا لن ننسى القدس وحيفا ويافا واللد والرملة وبيسان ..الخ.

هي ذات الكلمات أطربت مسامع أجدادنا عندما سمعوها، وظنوا أن العودة باتت قريبة، واحتفظوا بمفاتيح بيوتهم؛ لأنهم سيعودون إليها في أسرع وقت، إلا أن جلّهم، ماتوا وتركوا مفاتيحهم على أمل العودة، التي باتت تشكل لمن بعدهم من الأجيال رمزية وقيمة، ليست لذات البيت الذي هدم وأقيم مكانه مستوطنة لغاصب ومحتل، وإنما لأنها تجسد معاناة وطن استمرت عقوداً عديدة.

في ذكرى النكبة، لسنا بحاجة إلى رفع المفاتيح الحديدية من جديد، بل نحتاج إلى مفاتيح حقيقية وعملية تفتح لنا حدود الوطن، وتعيد اللاجئين إلى بيوتهم، وتيسر لنا السبل لطرد المحتل، ومعاقبته على ما ارتكبه بحق شعبنا على مر السنين.

في ذكرى النكبة، لسنا بحاجة إلى رفع المفاتيح الحديدية من جديد، بل نحتاج إلى مفاتيح حقيقية وعملية تفتح لنا حدود الوطن، وتعيد اللاجئين إلى بيوتهم، وتيسر لنا السبل لطرد المحتل

لا يحتاج شعبنا إلى مفاتيح وهمية، نرفع فيها المفاتيح والأعلام السوداء في النهار، ثم ننسق مع المحتل ونعترف به في الليل، ولا نحتاج إلى مفاتيح تصدأ بسبب حقدنا على بعضنا، وحرصنا على إيقاع الأذى بأبناء شعبنا، خدمة للمحتل وتحقيقاً لمصالحه.

لقد أصبح الكثير منا في ذكرى النكبة، يسوقون شعاراتهم للجميع، ويقتلون هذه الشعارات بما يقومون به في الخفاء والعلن   ، وفي كل يوم ما زلنا نعايش نكبة جديدة لأن بعضنا ربما تاهت بوصلته فحاد عن الطريق الصحيح..

هل تعلم أيها الفلسطيني، أننا نعيش في كل يوم نكبة!!

الحصار المفروض على غزة والمستمر حتى وقتنا الحالي.. نكبة!

تشريد اللاجئين الفلسطينيين واعتقال بعضهم وقتل آخرين في سوريا .. نكبة!

استمرار التنسيق الأمني واعتقال المقاومين والرافضين للسلام.. نكبة!

استمرار تجاهل معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء المختلفة.. نكبة!

التهويد المستمر للقدس، ومنع الفلسطينيين من زيارته وأداء حق العبادة فيه.. نكبة!

عدم معاداة الكيان الصهيوني، والتعايش أو التطبيع معه.. نكبة!

فعن أي نكبة تتحدثون، ونحن في كل يوم نشهد نكبة جديدة، تفتح علينا المزيد من الجروح، وتجدد فينا الحسرة والندامة على وطن بات ينهش في جسده حتى ممن ينتمون له، وينحدرون منه!

لا للسلبية..

ما زلت كفلسطيني موقن تماماً، أننا أقرب من أي وقت مضى لتحرير وطننا، رغم كل صور المعاناة التي أشرت إليها سابقاً، إلا أن العودة لا تتحقق بالتمني ولا بالشعارات فحسب بل تحتاج إلى عمل دؤوب، وتضحيات جسام  .

إن صور المقاومة الباسلة، في غزة والضفة، والصمود الأسطوري في ثلاثة حروب مختلفة على القطاع، هو بحد ذاته إشارة علينا أن نتلقاها، أن الشعب الفلسطيني لم يعد ذاك الشعب القائم على الفوضوية والعبثية، بل لديه عقول عظيمة، تستطيع إدارة الصراع على الميدان، وتحقيق نوع من التوازن، والصمود، رغم الفارق الهائل في الإمكانيات والموارد.

الشعب الفلسطيني لم يعد ذاك الشعب القائم على الفوضوية والعبثية، بل لديه عقول عظيمة، تستطيع إدارة الصراع على الميدان، وتحقيق نوع من التوازن، والصمود، رغم الفارق الهائل في الإمكانيات والموارد

إن الشعب الفلسطيني اليوم، يحتاج إلى رؤية واضحة لكيفية إدارة الصراع مع المحتل، رؤية لا تفرّط بأبنائها وتلقي بهم في المواجهة دون تخطيط، وفي نفس الوقت لا تتنازل عن ثوابتها وأساسيات قضيتها، وإلا باتت بلا إطار ولا معالم، وأصبحت محصورة بتسهيلات اقتصادية، أو امتيازات سياسية لفئة أو أخرى.

علينا أن نحدد كفلسطينيين ما هي الثوابت الفلسطينية التي لا يجوز أن نتخلى عنها، والتي أدرك أن شعبنا لا يختلف عليها، فليس هناك أحد يقبل أن يتنازل عن أية بقعة من أرضنا المباركة، ولا أحد يقبل ما جرى من مجازر مروعة بحق شعبنا الفلسطيني.

إن الوفاء لشهدائنا، يتطلب منا إكمال السير على منهجهم، ليس في المجال العسكري فحسب، بل على جميع الصعد، وإننا مطالبون اليوم بأن نرسم طريقاً واضحاً نسير عليه ونحن مطمئنون أنه يقودنا إلى الحرية ودحر الاحتلال عن أرضنا.

أدرك أن الطريق شاق وصعب، لكن حرية الشعوب لا يمكن أن تنال بالقبلات والمصافحات، وإنما تحتاج إلى نضال، ورفض للمذلة والرضوخ، واستمرار للعمل مع دفع الثمن حتى وإن كان باهظاً.

ختاماً.. الشعب الفلسطيني شعب حي، لديه قلب ينبض بحب وطنه   ، رغم فساد الكثير من السياسيين الذين يتحدثون باسمه، إلا أنه يحتاج لمن يقود مسيرته نحو #العودة إلى وطنه، والقيادة لا تكون إلا بتلمس احتياجات أبناء شعبنا في كل البلدان والأماكن، وتبني قضاياهم، وتعريفهم برؤيتنا للمرحلة القادمة، وفي الوقت نفسه، العمل بشتى السبل على إنهاء معاناة أهلنا في غزة، لأن غزة بصمودها وتضحياتها باتت تشكل لنا اليوم المفتاح الرئيسي للوصول إلى العودة والحرية.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …