ليست المحن بالأمر السهل إطلاقاً، خصوصاً أنها يرافقها تضحيات وخسائر، وتنازل عن بعض المكاسب، لكن وفي الوقت نفسه، فإن المحن مليئة بالدروس والعبر التي لابد من الاستفادة منها، لتجاوزها مستقبلاً، أو لتخفيف آثارها وسلبياتها على الدعاة، وسنتطرق في هذا المقال إلى بعض النظرات في المحنة، والدروس المستفادة منها.
النظرة الأولى:
أن الطريق إلى الله لم يكن يومًا مفروشًا بالورد، بل كان واضحًا وضوح الشمس في رابعة النهار. إنه بلاء وابتلاء ومشقة وعذاب ومطاردة وشهادة في سبيل الله، وكم كان الخطاب الرباني شافيًا ووافيًا {أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون}.
فلن يتركك شيطانك ولا أولياؤه من الإنس، كذلك لن تتركك نفسك وأهواؤها أن تسير في مسير الصلاح والحياة الكريمة رغم مشقاتها وأهوالها في دنيا الناس. لكن صاحب الرسالة ينظر لهذه المحنة بأنها عطايا ربانية داعمة له على المسير، مثبتة لعقله وقلبه على الاستمرار، معينة لروحه على السمو والرقي في محراب ربها.
النظرة الثانية:
أن تنقية الصفوف من الخبث من أهم نتائج المحنة في هذا الطريق، فلو مدحنا المحنة لانها أظهرت الدعي والمتجمل وفضحت المنافق وأربكت الرمادي؛ فصار النقاء للبقاء طاهراً نقياً تقياً، فظهر الشيخ الثابت والشاب المتمسك بدينه وفضحت ما دون ذلك. وأثبتت أن قسوة الطريق وطول مدة المحنة: هي باب لإبراز قوة الإيمان، وهنا أؤكد أن ليس الأصل المحنة حتى يظهر المعدن، لكن نتحدث بواقعية الحدث والظرف الذي حدث فقط، لكن يقينا بصمات الطريق وشدته تظهر على الجميع؛ فالبعض يثبت ويثبت إخوانه والبعض يجزع ويمل، وفي الحالتين النفوس البشرية لها طبائعها الخاصة؛ لكن العاقبة حتماً للمتقين الصابرين فاللهم اجعلنا منهم.
النظرة الثالثة
إن من علامات معية الله لعباده الصادقين: هو ذلك الثبات القوي والثقة الأقوى في نصر الله والتى تتجلى ببهاء في صبر الزوجات وتحملهم ألم الفراق والبعاد، وتصميمهن على السير والعمل على مواجهة هذا الظلم.
وفي هذا الجانب تحديدًا لن نستطيع موافاته حتى لو كتبنا مئات المقالات، فلقد أثبتن رفيقات الطريق أروع نموذج في التحمل والثبات، ووقفن كالجبال الراسخة أمام بطش الظالمين برجالهم. فلم تلن لهن قناة، ولازلن يقدمن الكثير من التضحيات حسبة لله وإيمانا بالفكرة وعدالة قضيتهن، ولا أرى ذلك إلا ترجمة لمعية الله لهن.
النظرة الرابعة
إن الخطا البشري وارد ولا مناص من ذلك، ونحن جميعاً تعترينا لحظات من الضعف والهوان؛ فالنفس أمارة بالسوء إلا مارحم ربي. لذلك يجب أن نترفق ببعضنا البعض، فقسوة الطريق علمتنا الكثير من أمور الدنيا التي كنا نغفل عنها.علمتنا مرارة الصبر على المعاناة والابتلاء والبلاء، وفي نفس الإطار هناك فارق بين الرفق والتدقيق في الخطأ؛ حتى لا نعود إليه أو نقع فيه مرة أخرى؛ ثم نضطر أن نبرر ونؤكد التبرير والقسم، بأنه لم يكن فيه تعمد لذلك. فالحرص على البناء يقتضي النصح والتذكير كثيرًا، فلا طعن في أحد لكن كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وفي نفس المسار علينا أن لا ننزلق لتخوين بعضنا البعض، فالوجع طال الجميع. والكل خسران ولا نجاة إلا بالعطاء والعمل والسعي للتغيير.
النظرة الخامسة
لقد اكتشفنا أن المحن أفرزت جيل جديداً من الشباب، لكننا مع الأسف لم نوظفه أو نستغل قدرته، وذلك بسبب طبيعة المرحلة وقسوتها. والأمر الثاني الخلافات والنزاعات، وقناعتي أن الخلافات هذه لابد أن تكون أكبر سبب لاستغلال الطاقات وتوظيفها على زوال الباطل ولم الشمل وتوحيد الكلمة. لذلك فعلى الجميع التجرد لدينه ودعوته وفكرته قادة وأفراداً، ويعملوا على خلق واقع جيد وأطروحات جيدة تكتشف كل الطاقات المهدرة سواء في المنفى أو الداخل؛ فذلك هو الأمل المنشود ولا حل إلا باحتضان الشباب وتأهيلهم فكريا وتربويا وروحيا وتنمويا فهذا هو الدواء.