شكلت الكلمة التي ألقاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام القمة العربية الإسلامية الأميركية التي انعقدت في الرياض، والتي وصف فيها كلاً من حزب الله وحركة حماس وتنظيمي داعش والقاعدة بأنها تنظيمات إرهابية، شكلت هدية تلقّفها من يطلقون على أنفسهم اسم محور المقاومة.
فأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي يعد أبرز أركان هذا المحور استفاد مما قاله ترامب ليستعيد نغمة قديمة لم يملّ من ترديدها، وهي أن قوى المقاومة (يقصد حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي..) جميعها في سلّة واحدة في مواجهة قوى الاستكبار العالمي.
وبعدما غابت حركة حماس عن كلمات نصرالله في الآونة الأخيرة، بعد الافتراق الذي حصل في أعقاب الثورة السورية، عاد نصرالله من جديد ليشيد بحماس ويمدح جهادها، مستنداً إلى ما قاله ترامب كي يؤكد على أن مصير حزب الله وحركة حماس واحد، وعدوّهم واحد، وأنهم سوياً يواجهون التحديات نفسها.
من حيث الشكل، انطلقت حركة حماس عام 1987 على خلفية اندلاع انتفاضة الحجارة كحركة مقاومة شعبية تسعى لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وهي منذ ذلك الحين تواصل هذا الطريق إلى جانب الحرص على الوحدة الوطنية. الأمر نفسه بالنسبة لحزب الله، فهو انطلق في ثمانينات القرن الماضي حركة مقاومة شعبية تستهدف تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة من العدو الإسرائيلي، وهو نجح بذلك، وحقق إنجازات بطولية، تكلّلت بتحرير جنوب لبنان عام 2000.
الفارق هو أن حزب الله يواصل الاحتفاظ بسلاحه رغم انتفاء الحاجة إليه ويستخدمه في أماكن لا علاقة لها بالمقاومة والتحرير، كما فعل في أيار 2008 حين استباح بيروت فقتل وروّع وأحرق وسيطر، وكما يفعل كل يوم في سوريا، وربما في العراق وأماكن أخرى.
حركة حماس منذ انطلاقتها تؤكد في كل مناسبة الحرص على أفضل العلاقات مع الدول العربية والإسلامية وهي لاتتدخل في شؤون هذه الدول. حتى في مواجهة جرائم إسرائيل باغتيال قادتها، فإنها أكدت على أن الرد سيكون على أرض فلسطين التي تعد أرض المواجهة الوحيدة مع الاحتلال.
وهي في بعض المحطات كانت مطالبة بالتحرك نظراً إلى أن الأحداث التي شهدتها بعض الدول تمس باللاجئين الفلسطينيين لكنها لم تفعل، كما حصل في مخيم نهر البارد 2008 حين تم تدمير المخيم وتهجير أهله على خلفية الأحداث التي وقعت بين تنظيم فتح الإسلام والجيش اللبناني، فاكتفت بالدعوة لحقن الدماء وإعادة بناء المخيم المدمر وعودة اللاجئين إليه. حتى في سوريا، رغم إدراك العالم كله أن حماس تؤيد مطالب الشعب السوري، ورغم أن جيش النظام وحلفائه حاصروا مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وجوّعوا أهله وقتلوا من أبنائه لكن حماس لم تغير من سياستها.
في المقابل نجد أن حزب الله لم يترك بقعة من العالم العربي والإسلامي إلا وحشر أنفه بشؤونه. فمن العراق إلى اليمن مروراً بالبحرين والسعودية ودول الخليج وليس انتهاء بسوريا.
بل إن نصرالله في إحدى خطاباته انتقد اعتقال أحد رجال الدين الشيعة في نيجيريا(؟!). تدخل الحزب في شؤون الدول ليس إعلامياً فقط، فمن المعروف دور الحزب في دعم وتدريب الحوثيين في اليمن، ومشاركته الحشد الشعبي في العراق، ويدور حديث متواتر عن دور له في التحركات الاحتجاجية في البحرين والسعودية..
حركة حماس منذ انطلاقتها أعلنت استقلالية قرارها، وأنه غير تابعة لأي دولة، وإن كانت ترحب بالدعم والمساندة من الجميع. في المقابل، يعلن حزب الله بشكل صريح أنه "حزب ولاية الفقيه" وأن الأموال التي يصرفها تصله من إيران، ولم يعد سراً القول أن الحزب هو ذراع إيران في المنطقة، وهو الأمر الذي يتحدث عنه الساسة الإيرانيون بشكل عادي.
أفهم أن يجمع رئيس الولايات المتحدة الأميركية حزب الله وحركة حماس في سلة واحدة، فليست المرة الأولى التي يكشف فيها الرجل عن سطحيته وجهله بالأمور، لكن ليس من المفهوم ولا المقبول أن يقع في الخطأ نفسه قادة الدول العربية والإسلامية الذين يفترض أنهم يدركون جيداً الفارق بين حركة مقاومة فلسطينية وحزب تبقت له دولة جزر القمر لم يتدخل بشؤونها.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- موقع "عربي 21" الإلكتروني